أزمة الفنّ: ما بعد بيكاسو / فاروق يوسف

أحد, 09/17/2017 - 12:55

ما من شيء لم يفعله الفنانون في العالم. لقد ضاقت فرص الخيال. وما لم يبتكر الفنان شيئا خاصا يذكّر به، فسيكون منسيا. ستُطوى صفحته مثلما طويت صفحات ملايين الرسامين والنحاتين. ما من شيء جديد. ذلك ما يفكر فيه الفنانون المتمردون على الفن، من غير أن يفقدوا الأمل بولادة ذلك الجديد الذي يحلمون به.  

هناك أزمة حقيقية يمكن تلمس ملامحها في ما تعرضه الصالات عبر العالم. لا تزال استعادة ماتيس وبيكاسو وموارندي وايغون شيلي وماغريت ورودان وجياكومتي ممكنة، بدليل كثرة المعارض التي تقام من أجل استعادة أعمالهم. وهو ما يعني أن عالم البصر لا يزال يخضع لهم.

لا يزال بول سيزان الذي توفي في العام 1906 مهيمناً بهندسته على الرسم.

 

لا يزال هنري مور الذي توفي في العام 1986 حاضرا كلما فكر فنان في نحت امرأة مستلقية. 

سيكون علينا أن نعترف أن التفكير في النجاة من الماضي، لن يكون ميسراً لكل مَن شاء. ذلك لأن الفاتحين الكبار الذين انجزوا فتوحاتهم في الماضي كانوا مستقبليين.

من الصعب اليوم الحكم بأن الرسم قد تخطى بيكاسو الذي لم يرسم شيئا منذ العام 1973 بسبب وفاته.

وكما يبدو فإن ظهور موهبة عظيمة مثل موهبة ذلك الاسباني الخالق، من شأنها أن تدفع الفن إلى مواجهة الطرق المسدودة.

ما من طريق لم يسلكها بابلو بيكاسو.

ما من صورة متخيَّلة لم يخترعها.

اليوم تُستعاد المدرسة الدادائية التي لم تعمر طويلا (1916 -1921) وتستعاد تجارب الفرنسي مارسيل دوشان (1887 - 1968) ويجري تسويق الألماني جوزف بويز (1921- 1986) باعتباره رمزاً لعصر ما بعد الحداثة.

غير أن كل تلك الاستعادات لا تنفع من وجهة نظري في إخفاء العصف الذي أحدثه بيكاسو والذي لا يزال مدوياً.

 

 

لا يزال الرسامون في حيرة من أمرهم. وهم محقّون.  

لا بأس بتلك الحيرة، فهي باب ينفتح على المستقبل.

بالنسبة إلى الفنانين المعاصرين لن يكون بيكاسو عقدة. ذلك لأنهم لا يعرفون عنه شيئاً. لكن تلك الحقيقة لا تشكل مقياسا ضروريا في تاريخ الفن. كل ما أنتجه الفنانون المعاصرون لا يمكنه أن يصمد أمام لوحة من بيكاسو.

ستبدو التجارب المعاصرة أمام تلك اللوحة كما لو أنها ألعاب صبيانية.

الفن في أزمة. ما من شيء أكثر وضوحاً من هذا التعبير.

ليس أمامنا سوى الانتظار إلى أن تنفرج تلك الأزمة بحل حقيقي ينقلنا إلى مرحلة ما بعد بيكاسو.

 

المصدر: النهار