إعلان

موازنة بين رحلتي الرفكَة في موريتانيا و (الغوص) في الكويت

ثلاثاء, 03/06/2018 - 22:57
ذ محمد سالم ولدعبد الله

 ذ محمد سالم ولدعبد الله

 

شرفني سفير دولة الكويت بموريتانيا، صاحب السعادة / خالد محمد الشيباني، بدعوة كريمة لحضور حفل نظمته السفارة يوم 22/ فبراير /2018 بفندق أزلاي – مرحبا إحياء لذكرى اليوم الوطني للكويت.

وقبل هذا التاريخ بحوالي (39) عاما وجهتني وزارة التعليم إلي دولة الكويت الشقيقة لمتابعة الدراسة وكان ذالك في سبتمبر 1979 وقد ارتسم في ذاكرتي من فترة الدراسة

 في هذا البلد،أنه كان رائدا للأمتين العربية والإسلامية، في المجال السياسي والثقافي، والاقتصادي والحكم الرشيد،فقد كانت الكويت أول بلد خليجي يشهد انتخابات نيابية عن طريق، الاقتراع العام الحر، وذلك خلال العام 1963.

وفي المجال الثقافي تضافرت الجهود الرسمية والشعبية للنهضة بالتعليم النظري والتطبيقي وكانت الكويت رائدة في تطبيق آخر مناهج التعليم المعتمدة، في الدول المتطورة في الغرب أمريكا وأربا دون التخلي عن أصالتها وهويتها العربية الإسلامية، ونشأت فيها حركة مسرح نشطة، ومعبرة عن حالة الدولة والأمة.

وانتشرت الجرائد والمجلات النوعية وينبغي الاشادة بالدور الذي قامت به مجلة (العربي) من خلال تحقيقاتها عن موريتانيا حيث كانت أول من أطلق على موريتانيا وصف (بلد المليون شاعر) منتصف ستينات القرن الماضي حيث عرفت مجلة العربي الكويتية القراء العرب على موريتانيا، عندما كان بعض العرب ينطق اسمها (بريطانيا) وعندما يقال له إنها دولة عربية ينهمك في التساؤل عن موقعها؟ وتاريخها؟ واقتصادها؟ ...إلخ.ومن متابعتي أثناء الدراسة في الكويت للبرامج التلفزيونية، والحركة المسرحية لاحظت انعدام العقد النفسية من عرض ماضي الشعب على حقيقته وبدون رتوش، دون التفريط في التوجيه،واستخلاص العبر، والدروس،ومن ذلك عرضهم في المسرح والتلفزيون لقساوة الحياة قبل اكتشاف النفط في أواخر الثلاثينات وكون قساوة تلك الظروف واجهها الإنسان الكويتي بإرادة صلبة لا تلين لتوفير العيش الكريم للأسر والمجموعات فكانت رحلة (الغوص) في البحر لاستخراج اللؤلؤ وبيعه وصرف الثمن في توفير المؤونة للأسرة لمدة عام تقريبا وعندما تأملت هذه الرحلة لاحظت تشابها بينها ورحلة الرفقة (القاف باللهجة الحسانية تنطق جيما مصرية)فرحلة الرفقة كانت تنطلق سنويا من مدينة شنقيط في اتجاه مناطق زراعة الحبوب في جنوب موريتانيا (ضفة النهر) وفي الحدود مع مالي.

ومع بداية تأسيس الدولة الموريتانية الحديثة وفر التعاون الثقافي الكويتي مساهمة بارزة في تكوين المصادر البشرية للوظيفة العمومية الموريتانية وخاصة للناطقين باللغة العربية فكسرت بذلك الكويت احتكار هذا التعاون على الدولة المستعمرة / فرنسا ومثيلاتها من الدول الغربية : كندا وغيرها ..إلخ.

ومن أجل ابراز التشابه بين تجارب الشعبين الموريتاني والكويتي، الذين يربطهما الدين، واللغة والتاريخ خصصت هذا المقال للموازنة بين رحلتي (الغوص) (والرفقة)لابراز أوجه التشابه والاختلاف من خلال جدول من خانتين على النحو التالي :

رحلة (الرفكة ) في موريتانيا

رحلة (الغوص) في الكويت

المفهوم :

رحلة (الرفقة) لغة من الرفيق في السفر وهي لفظ فصيح أما اصطلاحا فهي انتقال مجموعة من الرجال من مكان إلى آخر لإجراء مبادلات تجارية وثقافية بين مجموعتين من البشر تفصل بينهما مسافة متباعدة.

وسيلة النقل في (الرفقة)

وسيلة النقل للرفكة هي سفينة الصحراء / الجمل، وقد صرح أحد اعيان شنقيط في مقابلة مع جريدة الشعب اثناء انعقاد مهرجان المدن القديمة أن عدد جمال الرفقة يصل أحيانا إلى 3000 جمل.

الأثر الاقتصادي والاجتماعي لرحلة الرفقة

تعد (الرفقة) مصدرا لتمويل مدينة شنقيط ومحيطها بالمواد غير المنتجة محليا مثل الحبوب، الملابس، المقتنيات المختلفة وذلك عن طريق المقايضة بفائض المنتوج المحلي : مثل التمور، الملح مع تلك المواد التموينية غير المتوفرة لدى سكان شنقيط.

الآثار الاجتماعية لرحلة الرفقة : أبرز هذه الآثار هو نشر (العلم) لأن كل رفقة كانت مرفوقة بفقيه وعند كل توقف تشعل النيران ويبدأ كل راغب في التعلم في الاستماع لشرح كتابه من الشيخ ويلتحق بالسهرة العلمية أبناء الأحياء القريبة من مكان الاستراحة وأحيانا تطلب أسرة الطفل من الشيخ أن يسمح لأبنائها بمرافقته والعودة معه إلى مدينة شنقيط لمتابعة دراسته لأن المدينة لديها (وقف) للصرف على طلاب العلم يشمل السكن والمطعم أما الأثر الثاني الذي لا يقل أهمية عن الأول فهو تقوية الصلة عن طريق المبادلات بين فئات المجتمع (العربي والزنجي).

توقف رحلة (الرفقة) في شنقيط

بسبب أنتشار استعمال السيارات نهاية الأربعينات وبداية الخمسينات فإن دور (الرفقة) حل محله النقل البري فأخذت هذه الرحلة في الاختفاء واختفى معها جسر التواصل الذي كان يربط بين السكان واختفت معها احدى وسائل التعليم والكسب الحلال والصبر على المشاق المختلفة.

المفهوم

الغوص مصدر من فعل (غاص) والفعل مرتبط في ذهن المتلقي بالبحر بمنافعه، وأضراره، والمقصود بالغوص الحرفة التي كان سكان الكويت يزالونها لاستخراج حجر اللؤلؤ وبيعه في السوق المحلي والدولي (الهند) لكسب الرزق الكريم والحلال رغم المشقة والمخاطر.

وسيلة النقل في الغوص

بما أن رحلة الغوص تتم في البحر فإن وسيلة النقل هي السفن التي تنقل الطاقم المكون :

قائد السفينة/ النواخذة الغاصة (الغواص) (السيب) :هو الشخص الذي يسحب الغواص بواسطة حبل عند انتهائه من جمع الأحجار أو ظهور حاجته للخروج من البحر، وعند البدء في العمل يردد قائد السفينة (اطو احبالكم) فيرد عليه الغاصة : (لا إله إلا الله ، الغوص عادة والصلاة عبادة). الأثر الاقتصادي والاجتماعي لرحلة الغوص :

تعد رحلة الغوص مصدر لتموين الأسر بالمؤونة السنوية، وذلك عن طريق بيع (اللؤلؤ) المستخرج من المحار الذي يجمعه الغواصون بشق الأنفس في الأسواق المحلية والخارجية (الهند) وغيرها ويعودون محملين بالمواد الاستهلاكية المختلفة.

توقف رحلة (الغوص) في الكويت

بسبب اكتشاف النفط مع بداية العام 1932م فإن رحلات الغوص لم تعد ضرورية لأن الدولة أصبح لديها فائض مالي فوفرت ، للسكان مرتبات وعائدات مريحة فتوقف توجه السكان إلى الغوص، لكن الكبار مازالوا يذكرون الأجيال الشابة بهذه المشاق حتى يتذكروا ماضيهم للتزود بالعزيمة والإرادة لإنجاز العمل والصبر على ذلك.

وأخيرا فإن تشابه تجارب الشعبين الموريتاني والكويتي ليس مقتصرا على رحلتي (الرفقة والغوص)، بل إنه يشمل تشابها في تجارب النشأة السياسية للدولتين.

 

ذ/محمد سالم ولد  عبدالله الكوري

محام لدي المحاكم

ماسترIIشريعة وقانون / جامعة شنقيط العصرية