إعلان

الوطن! لحن الحب والعصبية / إبراهيم الأندلسي

أحد, 11/25/2018 - 01:08

يقول الأديب و المفكر و الفيلسوف
جورج  برنارد  شو:

"الوطنية هي القناعة بأن هذا البلد هو أعلى منزلة من جميع البلدان الأخرى لمجرد أنك ولدت فيه..“

الوطنية أغنيةٌ  قديمة ، انتصر لها الإنسان و الحيوان عبر العصور سواءً كان ذلك الوطن  وطنَ المَولد أو وطن الغَلبة و الغصب فهو مُلْكٌ و مالِكٌ في نفس الوقت، و هو بذلك يختلف عن الباقي، عن الآخر في كل تجلياته حتى ولو كنّا لا نعرف موقعَ الآخر و لا أوصافه و لا حتى لمحةً بسيطةً عنه.

يرى الفيلسوف جورج برنارد  شو  بقلمه الساخر الساحر أن تميُّز الوطن بسبب واحد فقط ، أن أمّكَ أنجبتكَ هناك و بهذه المناسبة السعيدة يتغير كل شيء ليصبح هذا المكان أعلى رتبة من غيره، إن له الحق أن يفخر بذلك.
فماذا لو وُلد المرء  في بلد آخر غير بلد الأبوين ؟
أليس وطنهما هو  وطنه  الحقيقي؟
و ما ذَا لو وُلدَ الأبوان في بلدين مختلفين ؟
و أين يكون الوطن في هذه الحالة؟
هناك أسئلة كثيرةٌ تُحيط بالوطن بجوهره و كُنهه و حقيقته ،
 و هي أسئلة تختلف من بلد إلى آخر .
أعتقد أن الموضوع الذي يريد برنار شو الإشارة إليه ، هو المَدُّ الشعبوي و تلك العاطفة العمياء التي تُشبه السيل الجارف، فالوطن مادة للفخر و التصادم دون أن يكون للفرد الناطق أو للجماعة المفاخرة أيُّ دور حقيقي في البناء و التوجيه 
و الترشيد و حتى الحماية.
فهل الوطن  يعني الأرض؟
أم أنه يعني الأرض و العرق؟
أم أنه  يعني الأرض و العِرق و الدين؟
و ربما الثقافة الاجتماعية و الموروث
 و الخرافة و التصورات المختلفة.

من زاوية أخرى ترى حركات التحرر عبر عصورها أن الوطن مصدر الكرامة و العزة و أنه هو الحياة و الأمل و الخلود! و لكُلِّ ذلك وجه مَنطقي و عقلاني مع أنه  يحمل شحنة من الموسوعة الشعبوية و العرقية التي تُغَطي أغلب بلدان عالمنا الحديث.

و عند أصحاب نظريات التقسيم و ما يُسمَّى تفكيكُ التفكيك يتشظى الوطن حسب الرغبات و القوة و الصناعة و الزراعة و الصيد و المعادن و قوة الجماعات لتظهر الجهويات و الأطراف و الجوانب و تظهر داخلها
جهويات أضيق و عصبيات أصغر و موسوعات لغوية و اجتماعية تجعل من الوطن الموَّحَّد أجزاءً مُتناهية الصغر من حيث السكان و المساحة.
فأين هو ذلك الوطن الحقيقي؟
و مَن الوطنيُّ المستحق لتلك الصفة؟
أسئلة تحمل في طياتها قنابل موقوتة، كالتخوين و العمالة و الجُبن و حتى البيع و الشراء، و قاموسها سريع الاشتعال ، لأنه  يدخل  مساحة َحرب ٍ شديدة َ الفَتك  و كثيرة َ الإقبال.

و بالعودة إلى الساخر الفيلسوف برنارد شو ، يمكن أن نسأل سوالا بسيطا  تتبعه أسئلة  لصيقة به ،
 لماذا يكون الوطن أعلى رتبة من جميع البلدان ؟ 
أيكون ذلك بما قدم للإنسانية من فكر و وعيٍ و تطور؟
أم بما قدّم من خدمات اجتماعية و صحية ؟ 
أم  لمجرد عاطفة حقيقية أو بدائية ،تتحكم في سلوك الأفراد ؟
إن محبة الأرض و المُحيط جزء لا يتجزَّأ من تكوين الفرد ، و هو لا يملك لنفسه اتجاه  ذلك   قبولا و لا رفضا ، و لكن الوطن لا يمكن أن يكون غمامة تحجب الرؤية و لا صَكَّ غفران و تفوُّق يستخدمه العاجز في سباقه الفكري و الاقتصادي و الإنساني و السياسي، لأن الوطن بذلك يكون العِرق المُختار و أفضلية ما قبل الوِلادة.