إعلان

الأغلال المبجلة / إبراهيم الأندلسي

خميس, 11/29/2018 - 19:15

 

يقول  فرانسوا ماري آروويه المعروف 
باسم الشُّهرة (فولتر ):

" من الصُّعوبة أن تُحرِّرَ السُّذَّجَ من الأغلالِ التي يُبجلونها "

رأينا سابقا نظرة التعالِي التي تتعاظم عند بعض الفلاسفة ، منهم مَن يصنِّف الحمقَى، و من يُصنِّف الرِّعاع، و من يصنف الجموع الخاملة عديمة الذكاء ...
و أغلب ذلك شوائب من اللغة ، و المجتمع و تأثير الأعْراق و بعضها من الخِذلان المُستمر حين ينتظر الفيلسوف من العامة أو الجموع فهما أو تصرُّفا اتجاه ما يتعرَّضون له من ظُلْم و خنوع و خضوع.

تحمل المقولة التي افتُتِحَت بالصعوبة و هو استهلال يحمل الهزيمة و استسلامٌ قبل المحاولة و لكنه يترك فُرجةَ أمل صغيرة باستخدام التَّبعيض و عدم الجزم و التعميم ، أما  التحرر فهو يحمل في جِرابه كل أنواع القيود ، القيود الاجتماعية ، و القيود المعرفية، و القيود السياسية، و الاقتصادية و الدينية و حتى قيود الخرافة و الوهم ، و مجلدات الخوف، و مصنفات الحكماء و النبلاء.
و حتى معاني التحرر و تعريفاته ليست محل اتفاق بين الفلاسفة و المفكرين أنفسهم، و التحرر لابد له من قالَب يتحرك داخله، 
فهل هو التحرر من الظلم السياسي؟ أم من تحكم الطبقات؟
أم من مخلفات حقب بائدة؟
أم من الوهم و الخوف ؟

ظل التحرر غاية و مطلبا عظيما عند غالبية المفكرين و الحكماء عبر العصور و دفع كثير منهم حياته  ثمنا لذلك، و كانت صداماتهم مع القيد و المُقيَّدِ أكثر من صداماتهم مع المُقيِّد المُتغطرِس الحاكِم.
مفهوم السُّذَّجِ مفهوم مطاط شموليُّ يحمل تجاوزات التعميم و مُعلبات التوصيف الجاهزة، فهل يقصد بالسذاجة عدم الفهم؟
أم يقصد بها البقاء على الفطرة؟
أم أنها من مفاهيم الغباء ؟
أم  يقصد عدم القدرة على تحديد الصواب من غيره؟
السذاجة كلمة نافرةٌ ، و إطلاقها بالتعميم قد لا يكون صائبا ، و إن كان المقصود بها الجموع الخاضعة لأي قيد من القيود السابقة فسيكون ذلك تجاوزا سافرا لواقع تلك الجموع و ظروفها و التي قد تكون الحائل بينها و بين كسر تلك القيود رغم يقينها بضرورة التغيير.

لكننا حين نصل إلى كلمة الختام نعرف بوضوح تام ما الذي يقصده الفيلسوف الكبير فولتير بمقولته ، فالقيد مكروه بطبعه ، و تأثيرُه لا يجعله محل  قبول و لا صحبة ،
فمن أين يأتي التبجيل؟

التبجيل هو غاية التعظيم و التقدير، و قد يحمل نبرةَ القَداسة ، و هذا ما يجعل القيود المبجلة قيودا فكرية اختيارية ، دينيةً كانت أم اجتماعية ،أم إقرارا ذاتيا بتفوق الآخر أو بحقه المؤصل بمكانة تجعله في مراتب لا يحق لغيره وصولها، و في هذه الحالة تأتي صعوبة تحطيم ذلك القيد الوهمي و الفكري الذي ترسَّخ في الوعيِ و اللاوعي و احتلَّ كامل المساحة لسنوات طويلة.
و الظاهر للمتابع أن المعانيَ الكبيرة ، و الأهدافَ السامية العظيمة تحتاج لتوطيدها عملا مناسبا لقيمتها و مقدارها ، و بذلك لن تكون سهلة و لا متاحة بجرة قلم و لا بكلمة عابرة، ذلك ما تقوله قوانين الفيزياء في الفعل و رد الفعل، و بذلك فإن قوة القيود النابعة من التبجيل و الوراثة و التّقادم تحتاج قوة من الجِد و التواتر و مَدافعَ من التصميم و المثابرة، و هي أمور قد لا يرى ثِمارَها نفسُ الجيل المُتعطِّش إلى رؤية نتائج عمله القصير بحكم الزمن و الجُهد.