إعلان

سلطة الإكراه وأسرار اليقين / إبراهيم الأندلسي

أحد, 12/09/2018 - 16:01

 

يقول  الفيلسوف و المُفكِّر الإنكليزي   جون  لوك:

 " إنّ رعايةَ النُّفوسِ لا يُمكِنُ أن تَكونَ من اختصاصِ الحَاكِمِ المَدنيِّ، لأنّ كُلَّ سُلطةٍ تَقومُ على الإِكراهِ.. أمّا الدين الحَقُّ المُنْجِي فيَقومُ على الإيمانِ الباطِنِ في النَّفسِ  الذي بدونِهِ لا قيمةَ لشيءٍ عند اللهِ و أنّ من طبيعةِ العَقلِ الإنسانيِّ أنه لا يُمكِنُ إكراهُهُ بواسطة أيِّ قوةٍ  خارجيَّةٍ.. صادِرْ إِنْ شِئتَ أموالَ إنسانٍ  و اسجُنْ  بَدَنَهُ و عَذِّبهُ فإن أمثالَ هذه العُقوبات لن تُجدِيَّ فَتِيلاً إذا كُنتَ ترجو من ورائها أن تَحمِلَهُ على أن يُغَيِّرَ حُكْمَ عَقلِهِ على الأَشياءِ "

ليس غريبا حديث الفيلسوف جون لوك عن الضغوط النفسية و البدنية على الأشخاص ، و وصفها بأنها لن تصل أعماق نفوسهم تلك الأعماق المُحصَّنة بالتصور  الثابت الذي يُلامِس اليقين عند الفرد، و ليس غريبا كذلك حديثه العام عن السلطة و علاقتها بالإكراه و إِنْ استخدم التعميمَ المُطلقَ ، حين جعل الإكراه مُرافقا دائما لكل سلطة.
الغريبُ هو تسميّتُه و تعريفه بالإيمان و الدين الحق المُنجي، و أهمية ذلك عند الله لأن الله لا يَنظر إلى غير الإيمان ، بمعنى الجزاء و العقاب ، و هذه الجُمَلُ و العبارات غريبة في القاموس الفلسفي الغربي بشكل عام، و تطرح أسئلة جوهرية كبرى ، عن طاولة ديكارت الممسوحة ، التي تُباهِي بها الفلسفةُ الغربيةُ فلسفاتِ العَالمِ الأخرى ، و تتلقَّفُها بقَبول مُنقطِعِ النظير !. 

فهل تخَلَّص الفلاسفة حقا من تراثهم الاجتماعي و الديني؟
أم تم تعطيله مرحليا حتى يكتبوا بعض التصورات؟
أم أنه ظل حاضرا بل مُوجِّها في بعض الأحيان؟
و هل ظاهرة دراسة التصرفات تُشبه دراسة العقل، مما يجعل الأمر صعبا؟
و هل ينطبق مبدأ جون لوك هذا على مقولته هذه؟
أي أن جانبه الديني لا تستطيع الفلسفةُ اقتلاعه؟

بالعودة إلى مقولة الفيلسوف جون لوك فإنها تَنظُر إلى الإنسان الذي يتكون من  طرفين ، طرف مادي و هو الجسم و الأفعال الظاهرة، و طرف خفيِّ و هو النفس و المُعتقدات و المبادئ.
لكن جون لوك نظر إلى الإكراه من جانب واحد و زاوية واحدة، و هي زاوية العقوبة ، زاوية الألم  بالسلب و التعنيف، و أهمَل زاوية أخرى لا تقلُّ أهميةً عن الأولى ، و هي زاوية التّرغيب و الإغراء، ماديا كان أم معنويا، 

فهل يَنظُر إلى هذه الزاوية بنفس الطريقة التي حَكم بها على زاوية الألم ؟
أم أنه جعلها ضمنها لأن الرغبات تنصاع للألم في الغالب ؟
أم ذكر الأقوى كمثال فقط؟

من المعلوم أن الرغبات قد تُغيِّر القناعة و النظر إلى الأشياء و المواقف ظاهريا، لكن ذلك قد لا يصل إلى يقين فعلي ، بل لعلَّهُ استغلال أو ركوب موجة ما لهدف آنِيٍّ سُرعان ما يتِم تغييره حسب بوصلة  المنفعة و المضرة.
و الظاهر أن الجانب الروحي في الإنسان شديد التعقيد على الدراسة و التحليل، و ذلك ما ينطَبِقُ على أحلامه و تصوراته و قناعاته، و بما سبق تكون السيطرة على ذلك الجانب أشبَهَ بتنظيم لسلوك ظاهريٍّ خادع  يَنسَجِمُ مع مُقتضياتٍ مُحدَّدة لكن انسجامه لا يَعني عدمَ انقلابه عليها في أي وقتٍ و أيِّ ظَرفٍ، مما يُعيدنا إلى نُقطةٍ شبيهةٍ بنقطة البداية، نقطة انطلاقنا نحو دراسة أعماق النَّفسِ البشرية، و محاولة معرفة المَجهول، الذي يُحاولُ تعريفَ نفسهِ بنفسه دون جدوَى.