إعلان

ظاهرة وقف الكتب في التراث الموريتاني

أحد, 12/15/2019 - 00:59

سيدي أحمد ولد الأمير

هذه التحفة المخطوطة الجميلة هي الصفحة الأولى من الجزء الثاني من نسيم الرياض على نص الشفاء للقاضي عياض. وقد كتب عليها بعد العنوان ما يلي: "ملكه الله تعالى للمختار بن تياه بن إبراهيم بن اعلي، ثم حبسه على من تصدر لقراءة الشفاء في مسجد محروسة تيشيت، في أي نواحي المسجد قرأه ذلك المتصدر، لا خصوصية لمجلس به عن مجلس. ثم أشرك مع مجلس المسجد كل من تأهل للاستفادة من هذا الكتاب من أهل تيشيت من عامة المتأهلين، لا يُمنع ممن لا يضيعه منهم، يرجو بذلك ثواب الله الجسيم وفضله العميم.
والله تعالى يثيبه ثواب من أحسن عملا، ولا يخيب له أملا. وكتبه مثبتا له في شوال من عام 1262هـ (سبتمبر/أكتوبر 1846م) محمد بن محمد الصغير بن انبوجه، سامحه الله."
وصاحب هذا الوقف هو: المختار بن تياهْ بن إبراهيم بن اعلي بن أعمر بن اعبيد بن امبارك بن امحمد بن بله من مهاجري أولاد بلة المشهورين بتيشيت. وقد توفي رحمه الله تعالى سنة 1271 هجرية الموافق 1855 ميلادية، وتسمى تلك السنة في تگانت بعام التبرُود ويعني الثلج الساقط مع المطر وهو قليل الحدوث في صحراء شنقيط لذلك يؤرخون بوقوعه. وكان المختار من خيار قومه دينا ووفاء، وأكثر أهلةعصره ومالا، وكان أبوه تياه وجده إبراهيم بن اعليىسيديْن مذكوريْن بالفضل والجاه والمال، كما في الحسوة البيسانية في الأنساب الحسانية لصالح بن عبد الوهاب.
وهذه الظاهرة من الظواهر المدنية الجزيلة التي تدل على فضل وكرم وسعي في مصالح العامة. رحم الله المختار بن تياه البلاوي وأثابه بحسن صنيعه.
وقد وقَّف بعض أعيان السلف كتبهم، ذلك ما فعل الإمام النووي، وأبو عبد الله محمد بن عبد الرحيم الهندي، وأبو العباس أحمد بن شمس الدين الحلبي، وكان الخطيب البغدادي المؤرخ المشهور من بين من وقفوا كتبهم. وكان محمد محمود بن التلاميد التركزي الشنقيطي وقف كتبه على عصبته من بعده.
ومن الطريف أن محمد بن أحمد الشهير بالتقي الفاسي مؤرخ مكة المتوفى سنة 819هـ اشترط في وقف كتبه ألا تُعَار لِمَكِّيٍّ فسُرِق أكثرها. وفسر بعضهم أن التقي الفاسي اشترط ذلك الشرط لحذره من ضياعها وحرصه على بقائها، أو أنه استثنى من استثناهم من وقفه لأنهم لا يرون بأساً في أخذ العارية أخذاً خصوصا وأن الكتب كانت نادرة.