إعلان

5 محاضرين في ندوة "الشعرية ونقد الشعر العربي" في ثالث أيام الدورة السادسة من "مهرجان نواكشوط للشعر العربي"

خميس, 02/25/2021 - 13:50

تميزت الفعالية الصباحية لليوم الثالث من الدورة السادسة من "مهرجان نواكشوط للشعر العربي"، بتنظيم ندوة نقدية عن "الشعرية ونقد الشعر العربي" أدارها ضيف المهرجان رئيس النادي الأدبي في دكار الأستاذ فاضل كي (من السنغال) وشارك فيها كل من: د. مباركة بنت البراء، ود. محمد الرباني، ود. عبد الودود أبقش، وأ. الحسن محمد محمود الشيخ الحسن.

الندوة التي شارك فيها خمسة أساتذة، سلطت الضوء من زوايا متعددة على شاعرية النص الشعري.

فقد تناولت الدكتورة مباركة البراء في محاضرتها "شعرية النص في ديوان (بقية من أنخاب الغيب) للشاعر محمد المحبوبي"، وهو من أشهر أجيال الشعرية الموريتانية المعاصرة.

وقالت "تروم هذه المقاربة الكشف عن فنيات القصيدة لدى الشعراء الشباب الذين لم تنل تجربتهم حظها بعد من اهتمام النقاد والباحثين. فالشعر الموريتاني الحديث بحاجة إلى المتابعة والدرس للتعرف على أهم توجهاته ومميزاته الفنية، وإعطاء صورة دقيقة عن بناء النص الشعري للوقوف على درجة شاعريته".

وأضافت "لذا اخترت الديوان المذكور الصادر عن دائرة الشارقة العام 2019م للشاعر الشاب محمد المحبوبي مادة لهذه الدراسة".

واستعرضت بنت البراء عدة محاور رئيسية في محاضرتها بدأتها بـ"مقدمة لتحديد المصطلح: (الشعرية- النص)، ثم تناولت بنية الإيقاع الخارجية والداخلية، وحركة النص في ظل المزاوجة بين شكلين إيقاعيين؛ عمودي وتفعيلي، ودورها في رسم دلالة النص الشعري، كما ناقشت "بنية اللغة الشعرية"، و"التركيب اللغوي والأساليب المعتمدة" و"الصورة الشعرية" في ديوان "بقية من أنخاب الغيب"، فيما خصصت المحور الثالث "للبنية المضمونية، ومظاهر التناص في القصيدة".

أما الأستاذ الدكتور محمد الرباني فقد استعرض بحثه "الشعرية العربية: محمد بنيس نموذجا"، وقال في مستهل حديثه إن "العنوان يشي بما نسعى إليه وهو إبراز تجليات الشعرية العربية بالعودة إلى الممارسة النقدية عند الشاعر والناقد محمد بنيس".

وقال "تسعى الشعرية اليوم رغم الاختلافات البينة في وجهات النظر، في الرؤية والمنهج والقناعات إلى تحقيق غاية مهمة في الأدب والفن. تتمثل في إبراز وظيفة الجمال التي تجعل من النص الأدبي نصا أدبيا... وذلك من خلال اللمسة التي خلفها جاكبسون حين اعتبرها: "وظيفة اللغة التي تصبح الرسالة بمقتضاها أثرا فنيا"، وهو ما جاراه جيرار جنيت، توافقا وتمايزا، حين ركز على جامع النص.

وتحدث المحاضر عن أبرز أوجه المهتمين بالشعرية العربية، وتوقف عند الناقد اللبناني أحمد سعيد أدونيس، وفق ما أسماه "مرورا، ليس استهزاء أو براءة عفوية، وإنما لأن قسرية المنهج والوفاء للعنوان يفرضان ذلك"، ليخلص إلى قراءة في الموضوع الرئيس للمحاضرة "الشعرية العربية" من خلال كتاب "ظاهرة الشعر المعاصر في المغرب، مقاربة بنيوية وكتاب الشعر العربي الحديث: بنياته وإبدالاتها".

 

بعد ذلك استمع الحضور إلى د. عبد الودود أبغش في عرضه "شعرية الشعر العربي عند الأستاذ مبروك المناعي... نظره في شعر المتنبي نموذجا".

استعرض المحاضر في ورقته أهم ما جاء به الأستاذ مبروك المناعي (ناقد تونسي، أستاذ الأدب القديم وإنشائية الشعر بجامعة منوبة (تونس)) في دراسته شعرَ المتنبي وفقا للقوانين الجمالية التي تحكُم الخطاب الأدبي التي سُميت في هذه الورقة "الشعرية" (Poetics).

وقال "كان حسَن ناظم، في كتابه "مفاهيم الشعرية" (1994)، قد ذكر عشرة مصطلحات عربية لترجمة المقابل الأعجمي (الشاعرية، والإنشائية، والبويطيقا، والبويتيك، ونظرية الشعر، وفن الشعر، وفن النظم، والفن الإبداعي، وعلم الأدب، والشعرية)، ورَجّح المصطلح الأخير لأنه يرى أن ’الشعرية‘ لفظة ”قد شاعت وأثبتت صلاحيتها في كثير من كتب النقد، فضلا عن الكتب المترجَمة إلى العربية...".

وعماد هذا العرض كتابَا الأستاذ المناعي "في إنشائية الشعر العربي: مقاربات وقراءات" (2018 أ)، و"أبو الطيب المتنبي: قلَق الشعر ونشيد الدهر" (2018 ب)، وإن كان التركيز سيكون على الكتاب الأخير لأنه نُذر لشعر المتنبي.

يذهب الأستاذ المناعي إلى أن المتنبي جاء "فملأ الدنيا وشغل الناس" (قولة ناقد تونسي آخر، ابن رشيق القيرواني) في عصره، وأن ذلك التأثير استمر إلى اليوم: إذ ينوّه بـ’حداثة القديم‘ وهو ما ينطبق على كثير من الشعر العربي القديم عموما، وشعر المتنبي خصوصا من حيث "تأثيره في الوجدان الفكري والفني للأمة، مما يقاس بأنه شاعر النخبة وشاعر الشعب -إلى اليوم- وبأنه أكبر ظاهرة شعرية عربية لا تزال حية قوية مؤثرة منذ أكثر من ألف عام، وبأن ما كُتب عنه يشكّل، على ما يبدو لنا، أضخمَ ’نص ثان‘ أي مدونة نقدية، في الأدب العربي...".

وهنا يتساءل المناعي: لِم كان ذلك للمتنبي، وكيف؟ فيتخذ من الدراسة المعتمِدة على الشعرية وسيلة للإجابة عن هذا السؤال، من خلال استنباط الجزئيات التقنية والمبادئ الجمالية التي سيطرت على إبداع الشاعر، وبرنامجِه الفني الذي اعتمد في خطابه الشعري.

وقد أرجع المناعي شعر المتنبي إلى ثلاثة مجالات فنية كبرى اعتبرها ممثِّلةً خُطة خطابه الشعري: (أ) شعرية التنغيم، أي نظام الصوت والجَرْس والموسيقى؛ و(ب) شعرية النظم، أي بنية الجملة وهندسة البيت والقصيدة؛ و(ج) شعرية التمثيل، أي الصورة والتخييل.

ويستنتج المناعي، بعد تحليل مختلِف تلك الجوانب، أن سبب بقاء شعر المتنبي أنه "جسر العبور الآمن المتوازن بين أعرق القيم الفكرية والوجدانية واللغوية والجمالية وبين الأجيال العربية المتجددة: هذا سر خلوده وتكثيف تأليفي لمعنى أنه "كلاسيكي - جديد".

بدوره، ركز الأستاذ الحسن محمد محمود الشيخ الحسن بحثه المقاربات النقدية لمفهوم الشعرية، وقال "ظل موضوع الشعرية هاجسا تحوم حوله الكثير من المقاربات النقدية منذ ظهور الشعر، ولو أن هذه المقاربات تناولتها (الشعرية) من خلال تسميات ومصطلحات متباينة منطلقا ومنهجا، فظلت الشعرية ذلك الغائب الحاضر في تاريخ الآداب العالمية بدءا بمحاكاة "أرسطو"، مرورا بنحو ونظم "عبد القاهر الجرجاني" وإعجاز القرآن وصناعة الشعر، وانتهاء بما اطلع به عمالقة الشعرية المعاصرة وعلى رأسهم : "جاكبسون"، و"تيدوروف" و"جيرار جنيت" و"جان كوهين"... يوم عرفوا أن الأدب شب عن طوق المناهج السياقية، واستقل عن علوم اللغة، متنقلا من علم اللغة، إلى علم الأدب، ومن النص، إلى الخطاب، ومن البنيوية، إلى الشعرية.

وأضاف "من هنا بدأت الشعرية وهي تبحث عن هوية النص محاولة الإجابة عن السؤال: ما الأدب؟ وفي سبيل الإجابة عن هذا السؤال، تسعى الشعرية إلى البحث عن القوانين التي تحكم الخطاب الأدبي، والتي تجعله متميزا عن باقي أنواع الخطابات الأخرى، من أجل تأسيس علم للأدب يدرس الأدب دراسة علمية محايثة بوصفه فنا لفظيا. ففي حين يدرس علم اللغة مستويات التحليل اللغوي؛ فإن العلم الذي يدرس مستويات التحليل الأدبي هو الشعرية. إنها تريد أن تشتغل على الأعمال ، وليس على النصوص، وبهذا المعني فإن موضوع الشعرية يتكون من الأعمال الممكنة، أكثر مما يتكون من النصوص الموجودة بالفعل، وبصورة أكثر وضوحا تسعى الشعرية للتمييز بين ما هو أدبي وما هو معياري ، أي بين لغة يمكن أن تفيض عنها لغات ضمنية أخرى، ولغة تكتفي بحدها الأدنى ، وليس حقلا للتمييز بين ما هو شعري وما هو نثري مثلما كانت الحال في دراسة الأدب سابقا ... فلا تنحصر مهمة الشعرية بالنصوص والأعمال الشعرية وحسب ، بل بالنصوص الأدبية جميعا، حتى ليمكن الحديث عن شعرية القصة وشعرية الرواية وشعرية المقامة".

وقال "أما حين نحاول رصد الشعرية في النقد العربي، فإننا نجدها ذات جذور لا يمكن تجاهلها فمنذ الجرجاني (ت:471هـ) لم يعد بإمكان البلاغة العربية أن تقول بفكرة المعاني المطروحة على الطريق، فالنظم أو التأليف هو الذي يحدد فصاحة الكلمة، والكلمة المفردة لا تستمد معناها من ذاتها مستقلة عما يجاورها من الكلمات؛ بل تستمد معناها في الأساس من موقعها إلى جوار الكلمات التي ترد قبلها أو بعدها".

وأضاف "من هنا جاء الحداثيون من رواد الشعرية العربية وعلى رأسهم "أدونيس" الذي ينطلق من لحظة التأمل الداخلي، مركزا على المقومات الضمنية الداخلية للشعر، وبالتالي استبعاد الموجهات الخارجية (الواقع، والمرجع، الايدولوجيا) والانطلاق من العناصر البنيوية للشعر ذاته.... فهو يكتب بوعي كبير لتجربته، رافضا القوالب النقدية القديمة التي لا تقبل النظر إلى القصيدة خارج الوزن، وتسعى إلى طمس الجدة الشعرية وتشويهها. وهنا يقدم "أدونيس" الفرق بين معلومات حول الأشياء تدور في إطار المحدود، المنتهي. ومستوى ثان من الكلام يوحي ويخيل، يشير إلى ما يمكن أن يكتنز به الشيء، ويوحي بصور أخرى عنه، أي بإمكان تغيره، وهو يدور في المنفتح وغير المحدود...يحدث ذلك حين تتجه الرسالة الشعرية إلى ذاتها فتتظاهر بأكثر من معنى. وتصبح شفرة واحدة تفيض عنها معان أوائل، ومعان ثوان، ومعان ثوالث، وربما معان روابع وهكذا… وهذا ما تسميه البلاغة الحديثة دلالة الإيحاء، وما يسميه الجرجاني معنى المعنى".

واستطرد "أما شعرية كمال أبوديب فإنها تعد أوسع نظرية عربية شعرية حديثة، استفادت من معطيات النقد الحديث في مختلف مدارسه واتجاهاته، ففي الوقت الذي تتكئ فيه ضمنا على النقد المتجه إلى القارئ عند. "آيزر" وجماعة نقد استجابة القارئ، نجدها تتجه إلى النص لدى السيميائيين من أمثال "يوري لوتمان" و"ريفاتير" وجان كوهن" وسواهم... دون أن ينكر استفادته من النقد المتجه إلى السياق وبخاصة لدى لوسيان جولدمان... وعلى رغم إصراره أن "الشعرية خصيصة نصية، لا ميتافيزيقية" ، فإنه لا يتردد في القول إن "اكتناه البعد الخفي للشعرية يبدو أن ينابيعه تفيض من أغوار عميقة في الذات الإنسانية يستحيل النفاذ إليها الآن ".

إن الشعرية في التصور الذي يقدمه كمال أبو ديب وظيفة من وظائف ما يسميه بـ "الفجوة مسافة التوتر"، وهو مفهوم لا تقتصر فاعليته كما يرى على الشعرية، بل إنه الأساسي في التجربة الإنسانية بأكملها،

الشعرية إذن، عنده ليست الحقل النظري الذي يدرس المبدأ المولد في الخطاب الشعري، بل وظيفة من وظائف الفجوة: مسافة التوتر. وميدان اشتغال الفجوة. مسافة التوتر ليس الخطاب، بل الرؤية والتجربة، فهي شرط ضروري للتجربة الفنية يميزها عن التجربة العادية والرؤية اليومية".

وهذا، وشهدت الندوة مداخلات وتساؤلات تطرق لشعرية النص والنظريات النقدية المتعددة التي جعلت من هذا الموضوع الهام مجالا لها.