كتاب : من رواد التعليم العربي الإسلامي في السنغال الشيخ أحمد الصغير لوح .. حياة في خدمة التربية والتعليم

أربعاء, 04/28/2021 - 03:47

المصدر: موقع رفي دكار

 

تقديم : د مصطفى ويال

إن التأليف في تراجم العلماء، سيرهم ومناهجهم التربوية عمل نبيل، كثير النفع؛ يثري المكتبة العلمية، ويخلد ذكراهم، ويمكن من يسلك طريق العلم من معرفتهم والتأسي بهم.
ن اتخاذ المسلم قدوة يقتدي به  أمر في غاية الأهمية؛ فقد أمر الله سبحانه المسلمين باتخاذ فقال – جل من قائل – “لقد كان الله لكم في رسول الله أسوة حسنة” بل إن الرسول – صلى الله عليه وسلم-  أمر بالاقتداء بمن سبقه من الأنبياء – عليه صلوات الله وسلامه – قال تعالى: ” اهدنا الصراط المستقيم. صراط الذين أنعمت عليهم” (الفاتحة: 6 – 7) وقال له  “ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين” (النحل: 123) وقال له بعد ذكر عدد من الأنباء في سورة الأنعام: ” أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده”  (90) وفي الصبر على مشاقِّ الدعوة وتَحَمُّل أذى المشركين والجاهلين قال له: ” فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل” (الأحقاف:35 ).
 وأمر الله المؤمنين بالتأسي بنبيه إبراهيم عليه  السلام ومن معه من المؤمنين، في الإيمان بالله،  والتبرئ  من الكفار وما يعبدون، فقال تعالى: “قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه” (الممتحنة:4). وقصص الأنبياء والصالحين، في الكتاب العزيز وفي السنة النبوية المطهرة، كلها تدخل في باب تقديم نماذج بشرية أسوة، وصلت إلى قمم عالية من الإيمان والخلق، ومن الصلاح والإصلاح ، ومن بذل التضحيات المتفانية لأجل إسعاد الناس في الدنيا والآخرة.
 ولأن القدوة الحسنة يجب أن يختار من العلماء الربانيين، المتضلعين في العلوم الشرعية، الحريصين على هداية الناس ابتغاء مرضاة الله،  درج المسلمون في مشارق ومغاربها – قديما وحديثا – على كتابة تراجم علمائهم، وسطروا في ذلك أسفارا عديدة ومجلدات ضخمة من أبرزها ” سير أعلام النبلاء” للإمام الذهبي المتوفى سنة 748هـ في 23 مجلدا.      
 
ويأتي كتاب أخينا الفاضل د. جيم عثمان درامي الموسوم ب: (من رواد التعليم العربي الإسلامي في السنغال: الحاج أحمد الصغير لوح مؤسس مدرسة كوكي الحديثة – حياة في خدمة  التربية والتعليم) بتقديم البروفيسور البارز تشيرنوكاه الحبيب، يأتي هذا  الكتاب ترسيخا لهذا الاتجاه النبيل في التأريخ لحياة العلماء لكي تتمكن الأجيال الصاعدة من معرفتهم والتأسي بهم، في الإيمان والعمل، وفي العبادة والأخلاق؛ يقول المؤلف في المقدمة في ص19 ” وغايتنا أن يكون هذا العمل سجلا تاريخيا؛ يستفيد منه الدارسون، وهواة الثقافة؛ من الجيل لحاضر والأجيال القادمة”، ويؤكد في الصفحة نفسها أنه يجب – في رأيه – “بذل ما يمكن بذله من جهد واجتهاد؛ في سبيل التعريف بحياة وأعمال مؤسسي المراكز التربوية والتعليمية في السنغال، وتخليد رسالتهم الدينية والأخلاقية والاجتماعية والإنسانية … ” ولكن الـتأليف جاء أيضا استجابة لرغبة شديدة لرد الجميل لتلك الرعاية الحانية الكريمة التي عاشها المؤلف في كنف المؤسس ومساعديه إبان التلتمذ في كوكي؛ فهو لا ينسى هذه الأيادي الكريمة التي قيدته وربطته بمدرسة كوكي بالإحسان! كما يقول متمثلا من بيت أبي الطيب المتنبي:
وقديت نفسي في ذراك محبة ♦  ومن وجد الإحسان قيدا تقيدا
 
والكتاب من منشورات تِمبكتو عام 2018 م ويقع في 354 صفحة من الحجم المتوسط.
والمؤلف جيم بن عثمان درامي  ينحدر من أسرة ذات جذور تاريخية عريقة جدا في التبحر في العلوم الشرعية وخدمة القرآن الكريم؛ فجده الثالث من أمه مختار كلا درامي – رحمه الله – مؤسس مدرسة درامي اندمب – كان إحدى المرجعيات العلمية التي لعبت أدوارا بارزة لقيام الإمارة الإسلامية في ريب بقيادة الإمام مبا جخو باه – رحمه الله، كما تربطه قرابة دموية بمشيخة جامل من جهة أبيه الذي توفي  – رحمه الله –  في جامل أثناء زيارة لأقاربه، وترك المؤلفَ يتيما، وقد كان شرع في تعليمه القرآن الكريم في مدرسته. فالمؤلف يتيم يؤلف لشيخه اليتيم!
   
يتكون الكتاب من مقدمة وخمسة فصول وخاتمة مع مقترحات و15 توصية؛
الفصل الأول: نبذة عن بلدة كوكي وحياة الشيخ أحمد الصغير لوح ومرثيات الشعراء له؛
الفصل الثاني: تأسيس مدرسة كوكي وتطورها ودورها في التربية؛
الفصل الثالث: دور مدرسة كوكي في التعليم (تحليل للمنهج الدراسي)؛
 الفصل الرابع:  مميزات مدرسة الشيخ أحمد الصغير لوح، مكانتها وأثرها في تحفيظ القرآن الكريم والتعليم العربي الإسلامي في السنغال والدول المجاورة؛
الفصل الخامس: ظروف المدرسة الاقتصادية ومشكلاتها وموقف السلطات منها.
 
مميزات الكتاب:
ü   المؤلف على الرغم من تخرجه من كوكي يتميز بحثه بالنزاهة والموضوعية التي ألزم بها نفسه – في مقدمة كتابه –  في عرض حياة الشيخ المؤسس وتشخيص واقع المدرسة؛ النشأة والتطور والإنجازات والمشكلات بعيدا عن المبالغات والأحكام الجزافية   وقارئ الكتاب يأسره حرص المؤلف الشديد وصبره العجيب في البحث والتنقيب وتقصي المعلومات من مختلف المصادر، وخاصة المصادر الشفهية التي لجأ إليها لشح المصادر المكتوبة؛ فمن 25 /12/1996 إلى 20 /3/2018م أجرى 63 مقابلة مع أشخاص في مناطق مختلفة وأقاليم متباينة : لوغا- دكار – جوربيل – تياس – كولخ – كفرين. كما أجرى 8 مقابلات هاتفية، فكان مجموع المصادر الشفهية 71 مصدرا.
ü   تتبع تتبعا دقيقا  مراحل حياة الشيخ المترجم له من مولده في انغير ملل سنة 1903م إلى وفاته – رحمه الله – سنة 1988م في متشفى لوغا.
ü   تتبع كل أماكن الشيوخ الذين تعلم منهم الشيخ أحمد الصغير لوح رحمهم الله فزارها وقابل كبار السن فيها من أسر الشيوخ أومن غيرهم وقد بلغ عدده 10 شيوخ في مناطق مختلفة  وأقطار متباعدة في انجامبر، ووالو، وكيور، وباول وسالم على النحو التالي: 
 
 التسلسل
الاسم واللقب
 القرية أو المدينة
1
الشيخ مور لوح
انجومري ثم رافقه إلى  منطقة امباوورْ
2
الشيخ مَدُ (أحمد) مام جوب
بودي – إقليم لوغا
3
آل (علي لوح)
كَرْ مَدُ بِنْتَ- إقيم لوغا
4
الشيخ مورْ بِنْتَ فال جوب
ما أنتَ جوب – إقليم لوغا
5
الشيخ مكُمب صمب
كَنينْ انجوبّ – إقليم لوغا
6
سرنج دار سيس
غوي غاي – إقليم جوبيل
7
تفسير أحمد سيك انجاي
انجايين كاّدّ – إقليم كولخ
 
8
الشيخ مورْ فاتياني بيي
انغوي بيي – إقليم تياس – محافظة تيواون
9
الشيخ بِراهيم جوب
مدينة اندر ( سان لويس) (من تلاميذ الشيخ الحاج مالك سي رحمهما الله
10
الشيخ أحمد واد
امبور – إقليم تياس (من تلاميذ الشيخ بِراهيم جوب)

 
ü   الكتاب مرجع تاريخي مُوَثَّق لحياة كل هؤلاء الشيوخ؛ إذ عُنِيَ المؤلف بذكر نبذ عن أسرهم ونشأتهم وتكوينهم العلمي،وشيوخهم،ومدارسهم التي أسسوها،الباقية والمنتقلة، بل والمنقرضة منها أيضا مع ذكر عدد ممن تخرجوا في تلك المدارس من أفاضل العلماء هذا البلد العزيز. 
قدم المؤلف ملخصا تاريخيا دقيقا لمدرسة كوكي القديمة وأبرز شيوخها والعلاقات التاريخية التي تربط كوكي بمدرسة بير، وكذلك تاريخ انجومري وعلاقتها بكوكي التي ترجع إلى تتلمذ مؤسسها الشيخ مختار نار لوح على يد الشيخ مختار اندومبي جوب مؤسس مدرسة كوكي القديمة رحمهما الله، ودور الشيخ المرشد أحمد الصغير امبي  سمي المترجم له في توجيهه لتكوينه العلمي ولتأسيس مدرسة كوكي الحديثة..
للبرهنة على أهمية دور كوكي وآثارها في التربية والتعليم بشكل عام، قام المؤلف بإحصائيات دقيقة تعطي دلالة قوية ومقنعة لما يقرره: 
1-    أحصى من خريجي كوكي 35 من حملة شهادات ثانوية من جامعات السنغال والدول العربية،وماليزيا وتركيا…إلخ. و102 من حملة الليسانس،و24 من حملة الماجستير  و5من حملة الدكتوراه.. 
2-   بلغ عدد طلاب معهد كوكي الذين يتابعون دراساتهم في الخارج 51 طالبا لعام 2018م
3-   بلغ عدد خريجي كوكي المدرسين في المدارس العمومية  54 معلما في الابتدائية و84 أستاذا في المدارس الإعدادية والثانوية  و5 مفتشين للتعليم الابتدائي.. 
4-   بلغ عدد المدارس القرآنية التي أسسها خريجو كوكي في مختلف أقاليم السنغال  وفي الدول المجاورة 231 مدرسة، منها 12مدرسة في غامبيا، و3 مدارس في مالي ومدرسة واحدة في غينيا كوناكري.
 والمؤلف يذكر موقع كل مدرسة،واسم مؤسسها،وتاريخ تأسيسها ،وعدد التلاميذ الذي يتجاوز ألف تلميذ وتلميذة في بعض هذه المدارس.. 
5-   لإبراز حجم المدارس العربية الفرنسية المتفرعة عن مدرسة كوكي الحديثة اختار الباحث مؤسسة منار الهدى التي أسسها الأستاذ أحمد مبارك لوح- رحمه الله- في كوكي عام 1962م ثم نقلها إلى لوغا في بداية السبعينيات، وهي أول فرع لمعهد كوكي في مجال التعليم العربي الإسلامي، ويسجل المؤلف أن المركز الأم لمدارس منار الهدى في لوغا في العام الدراسي 2017-2018م    بلغ عدد تلاميذها 1011 تلميذا وتلميذة.
ومن إنجازات هذه المؤسسة في مجال التربية والتكوين أن حملة الليسانس من طلابها الذين واصلوا دراساتهم داخل السنغال وخارجها منذ نشأتها إلى عام 2018م    بلغوا 79مجازا،وحملة الماجستير  4 وحملة الدكتوراه 4.
ويبلغ عدد المدرسين في الابتدائية 47 مدرسا، وعدد المفتشين  للتعليم الابتدائي 9 مفتشين.
وهكذا يحرص الباحث خلال صفحات الكاتب على تقديم معلومات دقيقة، مُؤَيَّدة بأدلة واضحة، سواء فيما يذكر من جوانب تاريخية، أو يبين من إنجازات أو يشخص من مشكلات وعراقيل، وقد ختم الكاتب بخمس عشرة توصية، تعكس رؤية ثاقبة للحفاظ على هذه القلعة العلمية، وتطويرها بشكل مستمر، ومساعدتها على التغلب على المشكلات والصعوبات التي تواجهها في سبيل أداء رسالتها التربوية النبيلة،
وهذه المقترحات والتوصيات تستحق – في نظري- أن تعقد لها  جلسات خاصة لدراستها والإفادة منها لتطوير معهد كوكي أساسا ولتطوير التعليم الإسلامي وخدمة التعليم والتربية على العموم؛ فالمؤلف كثيرا ما يذكر في رؤاه ومقترحاته:  “مدرسة كوكي وأمثالها”، ولا شك أن ذلك من تأثره بشيخه المترجم له؛ إذ كثيرا ما كان يقول ذلك في تجرد وبعد نظر، إشارة إلى أن العمل التربوي الإسلامي لا ينحصر في مؤسسة واحدة وليس قابلا لأن يحتكره أحد.
وأخيرا، فالكتاب جهد علمي مقدر ومشكور، وهو- كما يقول الناشر يمثل “إسهاما رائعا في التعريف بواحدة من أهم المدارس الإسلامية في “بلاد السنغال “، وفي المكتبة الإسلامية في “إفريقيا الغربية “؛ وذلك لعدة اعتبارات أهمها: جدَّة الطرح وجدِّيَّتها، وصرامة المعالجة وانضباطها، ومزاوجة المؤلف- أثناء تأدية العمل- بين هَمَّ الاستيعاب، وهَمِّ التحقيق الميداني والتوثيقي كذلك”
جزى الله المؤلف خيرا ورضي عن الشيخ المؤسس المترجم له، وأبقى معهد كوكي نِبراسا نَيِّرًا، ومنهلا تربويا عذبا دَفَّاقا، وقلعة إسلامية صامدة مستعصية على التيارات المعاكسة ونوائب الزمان..