يوم دخل والدي باريس حاملا سلاحه... في المستشفى (2 من 3)

سبت, 03/05/2022 - 23:54

عبد الله محمدن امون

 

من مطار شارل ديغول تحركت السيارة متجهة إلى مستشفى Henri Mondor حيث كان الأطباء قد اعدو غرفة لاستقبال الفتاة

قالت مسؤولة الجناح – وهي تفتح غرفة بسريرين- لممثل السفارة الذي حضر مع الوالد والفتاة: هذه مستشفى جامعية لا توفر أسرة للمرافقين الذين يتوجب عليهم البحث عن مكان لإقامتهم، قالت الفتاة وهي ممسكة بكم والدها: أنا لن أبقى هنا وحدي، سيبقى والدى معي او أغادر معه، طلب الوالد من المترجم أن يسألهم عن الغرض من السرير الثاني ؟ فأجابت الستينية الفرنسية التي كانت تتحرك بنشاط وحيوية كما لو كانت في العشرين من العمر: قل له بأن هذا السرير كغيره من الأسرة الفارغة حاليا سيكون من نصيب أول مريض يحتاجه ممن يستحق الحجز في المستشفى، رد الوالد قائلا وبثقة: قل لها إنني سأشغله قبل أن يحتاجوا إليه، ردت الشقراء العجوز بامتعاض، حسنا لا بأس ولكن عليه أن يلتزم بالمغادرة حال احتياجنا إلى السرير فرد الوالد بالقبول والتفت إلى ابنته قائلا: إطمئني فلن يحتاجوا إليه بإذن الله

ضمن الوالد الإقامة مع ابنته وإن إلى حين وقد أخذ علما بأن التحضير للعملية سيستغرق وقتا طويلا. في نفس الجناح من المستشفى كان ينزل الأمير احبيب ولد احمد سالم يرافقه نجله الأمير احمد سالم، كانت جماعة " الطلبة" و"حسان" تلتقي بشكل شبه يومي وقد زاد من التقارب أن الأمير احبيب كان جد الفتاة من الرضاعة.

كان لأحاديث البندقية والقلم في ذلك الجناح الهادئ من المستشفى دور مهم في التخفيف من وطأة الغربة وثقل انتظار الدخول إلى غرفة العمليات لكنها كانت تحتد أحيانا إلى درجة لا تصل إلى التصادم، فمرجعية الطرفين غير متطابقة في بعض الجزئيات

حدث مرة أن جاء مسؤولون من إدارة المستشفى وأمروا الوالد بضرورة إخلاء السرير باعتباره حكرا على المرضى فرد الوالد بحدة قائلا لنجل الامير الذي كان يقوم بدور المترجم : قل لهم إنني لن اغادر هذه الغرفة ما دامت البنت فيها، فتدخل الأمير احبيب مخاطبا الوالد بصوت هادئ قائلا: (يا ول امون اتكايس مع ذو النصارة هوم افطن ماهم تلمادة جاية لاه تگلع الغب اعليك) فرد الوالد بالقول (آن وانت نظرتنا لذو الخلطة ماهي وحدة، انت راجل من اهل لمدافع تتعامل مع النصارة عنهم ما ينغلبو بيك الي تعرف أسلحتهم وآن نتعامل معاهم على أساس الآية (يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس) ولاهم لاحگين عندي ذاك.

حدثني شاهد عيان أن العاملين في المستشفى كانو يهابونه بشكل عجيب وأن صغار السن منهم ينسحبون فارين من الممرات أثناء مروره جيئة أو ذهابا.

كان المسدس ما يزال في حقيبة الوالد ولم يخبر به بعد أحدا و كان عازما على الرجوع به حتى يسلمه لصاحبه الذي لا يعلم بعد من هو، لكنه تخلص منه لاحقا عن طريق احد الأقارب الذي أزال عنه كل البصمات ووضعه في كيس والقى به في صندوق القمامة في الشارع.

مر أسبوعان والوالد يحتل السرير ليتقرر رفع الفتاة إلى جناح العمليات استعدادا لإجراء العملية صباح اليوم الموالي وكان الجناح مغلقا امام الزوار الذين لا يلتقون بالمرضى إلا بعد عودتهم لغرف الحجز، هنا وجد الوالد نفسه امام خيارات صعبة، فمن ناحية لا يريد الحلول ضيفا على احد لعلمه أن الغربة لها أحكام خاصة، ومن ناحية أخرى فالفنادق لا تناسبه لأسباب شخصية تتعلق بما يجري بها من منكرات حسب تعبيره ولصعوبة التنقل في باريس يوميا على "مرابط" لا يعرف سوى العربية وكلمات قليلة من كلام "ولوف"

أخذ حقيبته وخرج من الغرفة، وحده المجهول كان فاتحا له ذراعيه في تلك اللحظة، وقف على مدخل البوابة الرئيسية للمستشفى، أجال بصره فلم يقع على ملمح مألوف، كانت العمامة البيضاء والجلابية المغربية الظاهرة من تحت المعطف علامات لا يرقى الشك إليها للدلالة على ان الرجل غريب الوجه واليد واللسان عن كل ما يحيط به.

يتبع بالحلقة الأخيرة.

 

 

___

الحلقة الأولى

http://sadanatoualharf.com/node/3926