إعلان

موريتانيا.. أدباء ينسجون الأشعار في رثاء شيرين أبو عاقلة ووقفات منددة باغتيالها

أربعاء, 05/18/2022 - 15:54

 

 

لم يكن اعتباطيا أن تأتي القطع الشعرية على بحر المتقارب بإيقاعه الموسيقي المائل للشدة، فكأن الشعراء اختاروه بعناية ليعبروا عن مدى حزنهم بفقدان صوت من أصوات القدس المقدسة ومدى استنكارهم أفعال الاحتلال الإسرائيلي.

 

 

 

 

خضر عبد العزيز

 

 

 

 

نواكشوط – هز خبر اغتيالها العالم أجمع، وتنادى الناس من كل حدب وصوب لنصرتها والتنديد بالجريمة التي غيّبتها، فبعد جريمة الاحتلال الإسرائيلي المدوية صبيحة الأربعاء الماضي والتي راح ضحيتها مراسلة قناة الجزيرة في فلسطين شيرين أبو عاقلة، وإثر هذا الخبر الحزين توالت الوقفات والبيانات المنددة والمتعاطفة من مختلف أطياف المجتمع الموريتاني وهيئاته ومنظماته كما لو أن الحادثة وقعت في موريتانيا.

بلاد المليون شاعر التي ارتبط اسم شيرين لديها بالقدس جنبا إلى جنب، لم تكتف بهذا الحد، بل اتجهت لتمارس هوايتها وتنثر الأشعار على روح شيرين المناضلة، حزن عمّ مواقع التواصل الاجتماعي التي غصت بكثرة رسائل التعاطف، وشهدت تفاعلا واسعا مع شعراء بارزين نشروا قصائد وقطع شعرية في رثاء شهيدة الكلمة، تمجيدا وثناء وعرفانا وتقديرا لما قدمته لمدينة القدس والشعب الفلسطيني.

 

تصرفات إنسانية غاية في النبل من شعراء جمعهم بشيرين حبّ القدس ونصرة القضايا العادلة وقيم إنسانية مشتركة، لذلك أصروا على تخليد صفاتها في أشعارهم وتضحياتها الجسيمة في سبيل نقل الحقيقة إلى العالم.

 

مجاراة شعرية

الشاعر الكبير والأستاذ الجامعي الدكتور التقي ولد الشيخ كان في طليعة الشعراء المتضامنين، إذ افتح الحملة بقطعة شعرية جميلة في رثاء الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، وقد نشرها على صفحته في فيسبوك، يقول الشاعر:

 

يَعِزُّ علينا مصيرُ القتيل  …. ونترك مغتبطا قاتلَهْ

وشيرينُ كانت لها في الحياة  … عقيدتُها ولها آئِلهْ

إلهي بأخيار مِلَّتِها    …    فألحق شرينَا أبو عاقله

فتاة مكافحة حرة  ….       شغوف بأوطانها باسله

 

ستبقى ستبقى وإن أُودعت  ….  ثراها بوجداننا ماثلهْ

نالت المرثية إعجاب مئات المتابعين، وتفاعل معها الشعراء، وقد علق على هذه الأبيات الشاعر محمد نافع حبيب، فعلى صفحته "قول على قول" وبالبحر ذاته والروي نفسه، كتب وداعا لشيرين وشهادة على بسالتها وتضحيتها، مشيدا بدورها في الدفاع عن القضية الفلسطينية:

وداعا شرين أبو عاقلة …. سقتك السما مزنة هاطلة

لقد عشت للحق أيقونة …. ومت على دربه راحلة

 

وقد كنت لـ"الضفة" درعا حصينا … وكنت لآصارها واصلة

وتعرف "جنين" فيك العهود … فكنت لراياتها حاملة

وذا القدس يبكيك يندب صوتا …. شجيا: "شرين أبو عاقلة"

وبعد أن نشر الشاعر هذه الأبيات، علق الشاعر ديدي بون البركني عليها بأخرى يقول:

 

وداعا شرين أبو عاقلة …. ستبقى حياتك في ماثلة

سيبقى بصوتك في عالق …. رخيم قضيته عادلة

يجلي الحقيقة واضحة ….. سنين صحافتها قائلة

بأن شيرين أبو عاقله….. بمهنتها قد مشت فاضلة

 

ولم يكن اعتباطيا أن تأتي هذه القطع الشعرية على بحر المتقارب بإيقاعه الموسيقي المائل للشدة، فكأن الشعراء اختاروه بعناية ليعبروا عن مدى حزنهم إثر فقدان صوت من أصوات القدس المقدسة ومدى استنكارهم أفعال الاحتلال الإسرائيلي، وقد كان الشعراء منذ القدم يستخدمون هذا البحر في قصائدهم الثورية الرافضة للظلم والاستعمار، ويلجؤون إليه عادة في قصائدهم ذات الطابع القومي والحماسي.

روح تسيل نضالا

وتحت هذا العنوان، كتب الشاعر والباحث الموريتاني الخرشي مصطف حمادي قصيدة من بحر الخفيف مع تعليق خفيف يصف حاله بعد تلقيه الخبر الحزين قائلا "الآن أصطلي على نار من الحزن تضاهي قدر التضحية التي تبذلها تلك الروح الطيبة التي ما جاءت إلا لتحرق المسافات وترسم مناهج الحريات وتجدد خريطة النضال، إنها الطيبة شرين أبو عاقلة".

وأرفق الشاعر القصيدة التالية:

لك قلبي وللرصاص ثمادي … يا لسانا فوق الجراح ينادي

 

وينادي إذا الصبي تنكَّى  ….. وإذا الحرب زمهرت سينادي

يتأبى إلا الإشاح بوجه ….. تحت حرب مغولة الأبعادي

ريح تشرين أسفرت عن سموم ….. وصهيل لخيلها في بداد

أنت ما جئت يا شيرين خيارا ….  بل غياثا ورحمة للعبادي

 

أنت ما أنت أنت عرق كريم ….. وضياء في عتمة الليل بادي

وحنين يناشد الفجر دوما …. ونشيد في حفنة الرمل شادي

أنت ما أنت أنت سر نجاة ….  وحياة من بعد طول سهادي

أنت ما أنت أنت بوح قصيد …. ونشيد مقدس الإنشادي

 

وزناد سوف يعلوا كل حر ….  فليزيدوا إن أشاؤوا من زناد

وجاء التكرار في القصيدة تعبيرا عن لوعة نفس الشاعر حسرة، وكشف عن مدى حزنه على الفقيدة وكأنه قصد به لفت انتباه القارئ وشد السامع إلى الألفاظ التي تصور فداحة الجريمة، وربما اختار الشاعر بحر الخفيف لأنه الأنسب للتعبير عن مشاعر الفرح والحزن.

 

تنديد ووقفات تضامنية

وكانت الهيئات الصحفية الموريتانية هي الأخرى قد نظمت وقفات احتجاجية وتضامنية أمام مكتب قناة الجزيرة في نواكشوط، وأصدرت الهيئات بيانا مشتركا تعزي أسرة الفقيدة وكافة منتسبي الحقل الإعلامي، واستنكرت بأشد العبارات عملية الاغتيال وجريمة القتل، حسب ما جاء في البيان.

كما أكد البيان المشترك انخراط الهيئات الصحفية الموريتانية في الجهد الإعلامي الدولي لتقديم الجناة للعدالة الدولية، معتبرين أن دم شيرين الذي سال في فلسطين وروحها التي ارتقت في أكناف بيت المقدس، هو دم كل صحفي وروح كل صحفي مهني حر يكشف الحقيقة بشجاعة ومهنية.

 

ولم يتوقف الأمر عند الصحافة والمدونين والشعراء، بل إن فداحة الجريمة استفزت الساسة، فنشر الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز عبر حسابه في تويتر تغريدة تعزية في وفاة شيرين أبو عاقلة.

وقال ولد عبد العزيز إنه يتقدم "بخالص العزاء إلى الكلمة بعد اغتيال الحقيقة، وإلى الشعب الفلسطيني عامة، ولأسرة الصحفية شيرين أبو عاقلة خاصة. مع كامل التضامن مع العائلة الصحفية العربية والدولية في كل مكان من العالم الفسيح".

المصدر : الجزيرة