قراءة في خواطر حليمة / الشيخ الخليل النحوي

ثلاثاء, 05/01/2018 - 03:18

تناجي جواها: ها أنا هاهنا وحدي ... أيسعدن من دوني ويخذلني سعدي؟
أنا هاهنا وحدي، أعالج حسرتي ... وأخفي من الأشجان أضعافَ ما أبدي
وقد عودت أم القُرى ضيفَها القِرى ... أما لي قرىً فيها؟ أما ليَ من رفد؟
تخيرن في أم القرى فِلَذاتها ... فأصبحن فيها والحظوظ على وعد
ولم يبق لي إلا يتيم أبينه ... أأرغبُ فيمن هُن فيه على زهد؟
يتيمٌ؟ وشاتي شارف ما تَبِضّ لي ... فيا ليت شعري ما عسى يتمه يجدي؟
يتيم؟ فهلا غيره إنَّ عندنا ... أغيلمة أضووا من الجوع والجهدِ
وما العذر للشيماء حين تقول لي: ... أمثلك - يا أماه- في سعيه يكدي؟!
أيسعدن من دوني؟ وأرجع مثلما ... أتيت، انا وحدي، وما وريت زندي!
ـــــــــــــــــــــ
عجنت شجوني بالرضى فأسغتها ... وعدت وفي حضني رضيعُ بني سعد
لتعلم جاراتي بأني أنا التي ... جمعت تفاريقَ المكارم في مهد
وألقمت ثديَيّ العلى فغذوتها ... فلا مجد إلا من علاي ومن مجدي
وأوطأت نعْلَيّ البواسق فانحنتْ ... سماوات ربي وانطوى الكون في بُردي
وفي مقلتَيّ النيران تأنّقا ... وها هو مرجان المجرات في عِقدي
لتعلم جاراتي بأني أنا التي ... سبقت، أنا وحدي ولا سبق من بعدي!
يسابقني سعدي إليّ ولا أرى ... فهل في بني سعد مزيد على سعدي؟

يتيمك يا أم القرى يوم ينثني ... إليك كريما واسع الحلم والرفد
تكاد السماوات العُلى في جبينه ... تقبل خد الأرض في ذلك الوهد
ويوم تباهين القرى كلها به ... ألا فاذكري أن الفتى جاء من عندي!

ويا طيبة العهد الذي اخترق المدى . .. كأن ليسَ من قبلٍ، كأن ليسَ من بعد
إذا نفحت أنواره فيك عطرها ... وفاح شذياَ في الخزامى وفِي الرند
وصرتِ لمن يعشو إلى النور قِبلة ... وفاء إليك الناس وفدا على وفد
وأرهفت الدنيا لقولك سمعها ... وبُدّلتِ إقبالا من الهجر والصد
ويوم يدوي صوته في فجاجها ... وأبراجها صيتا يجلجل كالرعد
حداء علا في هِمْتَرامِكْ 1 مُغَرّبا ... وجاز بلاد الصين والسند والهند
ورفرف في هام الذرى اسم محمد ... لواء يقول: الفوز والنصر من جندي
تباشير ألا تحزنوا إن نصره ... قريب إذا ما قيل يا أزمة اشتدي
أيا طيبة العهد الذي اخترق المدى ... ألا فاعلمي ان الفتى جاء من عندي!
ــــــــــــــــــــــ
وَيَا أمة فازت به دون غيرها ... تضمختِ حمدا، رتلي سورة الحمد
هو الفرح المغموس في بسمة الضحى ... هو الفرج الآتي على صهوة المجد
إذا رُسِمت في الخافقين "محمد" ... صدى قُبْلة عظمى يعيد بها المبدي
يفيض نمير الحب من نفحاتها ... تباريح من شوق اليه ومن وجد
إذا ما حُميّا حبه لعبت بكم ... ألا فاعلموا أن الفتى جاء من عندي!
ألا عطروا الأنفاس باسم محمد ... وقولوا : سلاما يا رضيع بني سعد
وصلوا عليه وانفروا في ركابه ... خفافا على عهد من المهد للحد
سلام عليه يا لحرقة شوقه ... بعيدا على قرب، قريبا على بعد
----
قُرئت هذه القصيدة في أمسية أدبية بالنادي الأدبي بالمدينة المنورة يوم الاثنين 26 جمادى
الأولى 1439 ه 12 مارس 2018
ــــــــــــــ

1 هِمْتَرامِكْ : مدينة في الولايات المتحدة، يشكل المسلمون أغلبية مجلسها.