إعلان

من ذكريات "الحجيج الشنقيطي" في القرون الماضية

ثلاثاء, 08/14/2018 - 09:12

سيدي أحمد الأمير 

بمناسبة الحج الذي تمر بنا ذكراه العطرة هذه الأيام، ينبغي التذكير أن ظروف حج سكان هذه البلاد كانت في غاية الصعوبة، بل إن بعض فقهاء ا أفتى بسقوط هذا الركن الإسلامي المشروط بالاستطاعة لأن أهل هذه الصحراء الشنقيطية يشق عليهم عليهم هذا السفر ويلاقون فيه من المعاناة ما لا يوصف. فالسفر من بلادنا إلى الحجاز في القرون الماضية لم يكن عرضا قريبا ولا سفرا قاصدا، لكن ذلك لم يثن أبناء هذه الأرض البعيدة عن أداء تلك الشعيرة. وهذا نظم  للشيخ سيدي محمد بن أحمد بن سيد أحمد البلاوي التيشيتي ويذكر فيه طرق الحج من بلاد شنقيط ونوعية المصاعب التي يعانيها الحجاج، وصاحب النظم أحد أبناء مدينة تيشيت التاريخية وتحديدا من أولاد بله. ويبدو أنه مر وهو في طريق البر بمنطقة الساحل الأفريقية ثم وصل السودان وأخذ سفينة شراعية بين بورت سودان ومدينة جدة، ولاقى من الصعابات برا وبحرا ما لا يطاق. فالناظم تحدث في البداية عن أن ما يشاع من سهولة السفر إلى الحج في تلك الأيام غير صحيح:
يا طالب الحج من السودان ۞ لا تغترر بالزور والبهتان
إذ كل ما تسمع من مديح ۞ طريقهم ليس على الصحيح
لأنها قد زخرفت بالكذب ۞ فصيرت مثل نضار الذهب
ويبدو من خلال النظم أن مدة السفر كله من بلادنا حتى الحجاز ثمانية أشهرـ ويبدو أن النصف بين الحجاز وتيشيت يقع عند مدينة برقة الليبية: 
وإن تسل عن طولها فهي ثمان ۞ من الشهور باتضاح وبيان
ونصفها برقه وذا قد حددا ۞ لكل من من عند تيشيت بدا
لكن نصفها الأخير أفضل ۞ فقل له نعم وبئس الأول
وقد عانى الحاج سيدي محمد التيشيتي معاناة من أهمها التواصل اللغوي فقد وجد صعوبة في التواصل مع المجتمعات التي مر بها:
ولست تقضي منهم أوطارا ۞ حتى تشير لهم مرارا
ولم تكن العادات الغذائية لتلك الأقوام ملائمة للحاج الشنقيطي الذي تعود على اللبن واللحم وجعلهما أساس غذائه:
وأكل لوبيا وقلي الدخن ۞ أو ذرة وأكل سمن عفن
وقد تحدث عن ظروف السفن الشراعية التي لا توجد بها دورات مياه ويتعذر فيها قضاء الحاجة فقال بعد وصف كل ذلك:
فالبحر لا يركبه إلا الذي ۞ ليست له مروءة فلينبذ
لكن الحاج سيدي محمد التيشيتي استقصى عن وسائل السفر في عصره والتي كان على رأسها السفر البخارية فقال: 
واستثن من ذا سفنَ الدخان ۞ فإنها في البحر كالبنيان
ليست ترده الرياح ردا ۞ ولا تهزها هزيزا شدا
ولا تضيع غالبا فيها الصلاة ۞ لعظمها ووسعها مع الثبات
فلا يحس راكب بسيرها ۞ وسط البحار لا ولا من ضيرها
والنظم كله في 56 بيتا من الرجز وهو في غاية الطرافة.

المرفقات: صفحات النظم الثلاث.