إعلان

الرقص بين الضحك و الجنون / إبراهيم الأندلسي

أربعاء, 11/21/2018 - 23:27

يقول افريدريش نيتشه:
"هناك خياران: إما الضحك و إما الجنون، لكن زماننا الباهر
 يوفر لنا الإمكانية  الثالثة : أن نرقص!"

السؤال الأول:
ما هو الجنون ؟
تتلعثم أغلب اللغات ،حين تتحدث عن الجنون! لذلك تتعارض الأقوال عنه من حيث الكُنه و المظهر و الحقيقة و التوصيف.
فالجنون عبقرية عند مجتمعات معينة، وهو عدم فهم عند مجتمعات أخرى ، و يصل حد المعجزة عند الغالبية، و هو عند بعض العقلاء و الساذجين نقص و خلل بنيوي في العقل و التركيب ، يُسببه القصور و الموروث و حتى بوادر الفشل.

الخيار الثاني الضحك :
أما الضحك فهو مسرح طويل حدوده مترامية بين طرفين متناقضين: السُّخرية و الإعجاب ، لذلك قد يكون مجاله الأكثر بينهما .
و السخرية في حد ذاتها  قد لا تكون بسبب النقص و ازدراء المَشهد أو الرأي أو الفرد، و لكن لعوامل داخلية منها الكبت و الحزن و الحسد و حتى القصور الذاتي و العجز.
أما الإعجاب فقد يكون بالمظهر أو المضمون أو الأداء و قد يكون تقليدا لإعجاب آخر يتحكم فيه الإعلام و السياسة و الصفوة القادرة على التأثير بأشكال مختلفة.

الخيار الثالث :
الرقص
سماه الفيلسوف نيتشه إمكانية ،ربما لأنه يريد جعله مرحلة وُسطى يتناوشها الخياران السابقان فمن المعقول و المتاح أن بعض الرقص من الجنون أو وَثيق صلة به، و من المتبادر أن الإعجاب أيضا قد يدفع هو الآخر إلى صنف ما من أصناف الرقص و الفرح، و بهذا يكون الرقص عنصر الترابط بين الخيارين، أو ما يمكن تسميته بالعقدة بينهما،
فما هو الرقص؟
يحتل الرقص مرتبة الصدارة في ترتيب الفنون ، و هو في عالمنا اليوم وظيفة مُدِرَّة للدخل و باب واسع من أبواب الشهرة و النفوذ ، فهل هذا الصنف هو ما يقصده الفيلسوف نيتشه بمقولته؟
بالطبع لا ، فهذا رقص وظيفي أو فن من فنون الجمال و الدقة و التركيز و عنصر من عناصر استعراض القدرات الكامنة في جسم الإنسان و مُخيلته  ، سواء أصاب أو انحرف .

الرقص المقصود ربما هو انسياق الجماهير وراء اتجاهات مُتعارضة تماما، و كلما انتصر أحدها على غيره ربطوا به مصائرهم و انتماءاتهم، و حين يُستبدل أو ينهار يكونون مع المُتغلِّب أو الأكثر سلطة و اتباعا و ثراءً

و الخلاصة أن الجنون و الضحك و حتى الرقص الواقف بينهما أمور داخل الإنسان تتحكم حسب نيتشه في جعله يحدد بنفسه المسارَ الأنسب له ،و الأجدر بالسلوك و الأصوب حسب تفكيره و تقريره، لكن كل هذه العوامل جعلته يقف في مساحة التردد بين الخيارين ، تلك المساحة التي وَلَّدها الخوف من السقوط ،و الزمنُ بمعنى العوامل المحيطة و القدرات، وهو بذلك الوقوف يحسم خياراته بعدم المجازفة، في حين تُجرب قلةٌ خيارَ الجنون كي تمنح باقتحام  الخطرِ   لأكثرية المترددين خيارا أفضل نحو التقدم أو الثبات على أقل تقدير، بينما يبتسم أو يضحك  التشكيك
دون أن يبرح مكانه  أو يمُد يده مجرد مدٍّ إلى مرحلة التردد غير البعيدة.
فأين يجد القارئ نفسه ؟