إعلان

السياسة فرائس في خيوط العِشق / إبراهيم الأندلسي

سبت, 12/01/2018 - 02:27

يقول أستاذ علم النفس أوليفر ساكس: "الدعاية السياسية لا تخدع الناس، لكنها تساعدهم على خداع أنفسهم."

السياسة موضوع كبير و متعارض مع ذاته و مُتشعب و معقَّد، و حتى تفسيراتها يُعارض بعضها بعضا ، ذلك أن زاوية النظر و مكانه و لغته و عصره يتداخلون مع غيرهم في صياغة مفهومها و تفاسيرها الكثيرة.
سماها بعضهم ساحة الأكاذيب، و آخرون أطلقوا عليها فنّ الممكن، و من يُسميها نُظُم القيادة، و هكذا تتأرجح بين المادحين و المُشككين و المغرمين و المُتعصبين و غيرهم.

و أساليب الدعاية السياسية تُشبه الأخطبوط فهي تمُدُّ جناحا أو رجلا في كل جهة ، حيث يجتمع المدني و الديني و الاجتماعي و الموروث العرقي و الخرافات و الأوهام و التخويف و الترويع ... مع بعضهم .

تُعرف حملات الدعاية السياسية بالمواسم أو فصول التلاقي و التصالح
مع الذات و المجتمع و مواسم التقارب و الوُعود و لين الكلام و حسن المظهر وهي كذلك فترات اعترافنا بالأخطاء و التقصير و تقديمنا مبررات و شروح لذلك مع التأكيد أن زمن تلك الأخطاء ولّى غير مؤسوف عليه إلى غير رجعة.
و السؤال المطروح 
هل تخدع الدعايات في مواسمها تلك غالبية الناس؟
أم أنهم يُسايرونها فقط؟
و إذا كانت تخدعهم فعلا فلماذا يتكرر ذلك الخداع مرات و مرات؟

يرى كثير من المفكرين أن غالبية الفنون وُجدت لسَدِّ  ثغرات الفراغ و الجُمود و إحداث حراك خارجي ظاهر و داخلي مكبوت، و أن كل المواسم و الحملات لابد أن تجد من يسايرها، لأنها تحمل ما يمكن أن يكسِر الروتين و الرتابة و التشابه الزماني و المكاني الجاثم غلبةً  على الصدور و الأفكار.

لكن المفارقة الغريبة في مقولة الفيلسوف النفسي أوليفر ساكس هو استعداد الناس للخداع ، و قابلية الخداع الكامنة في أعماق النفوس، فكيف إذا تحولت تلك القابلية إلى مساعدة ذاتية لخداع الذات نفسها 
و كأنه نوع من الرياضة أو ممارسة اللعب المكشوف على النفس و العقل معا، و تجاوز مُعطيات الحواس و الإدراك .
لعل المساعدة التي تُقدمها الدعايات السياسية في مقولة الفيلسوف النفسي أوليفر ساكس هي محاولة داخلية لتبرير تكرار قبول ذلك الخداع ،
و تحويل الدعاية إلى مُنتصِر خادِع ،استطاع تجاوز مُدركات العقل، مع أن الحقيقة تختلف عن ذلك عند البعض على أقل تقدير.
و الظاهر أن للدعايات نسبة من الصواب و القبول تختلف حسب المتلقي، حسب توجهاته و أطماعه و طموحاته و حتى أحلامه و أوهامه، أو على الأقل إعادة مشاهدة عرض آخر و لو بتغيير بعض الممثلين فقط ، فقد لا تتشابه اللوحات حد التطابق، مما يفتح شهية التسلية في أشد الأحوال سوءًا.