النَّصر / إبراهيم الأندلسي

اثنين, 12/24/2018 - 20:03

اريك هوفر 
فيلسوف الأخلاقية  الاجتماعية الأمريكي. ألف عشرة كتب وحصل على وسام الحرية الرئاسي في فبراير عام 1983 عن كتابه الأول، "المؤمن الحقيقي" الذي نشِر في عام 1951،  تلقي إشادة من العلماء والناس العاديين على حد سواء.
الوفاة: 21 مايو 1983

من  مقولاته المشهورة:
" إذا لم تحوِّل عدوك المنهزمَ إلى صديقٍ فأنت لم تنتصر في الحرب "

أركان مقولة الفيلسوف أريكْ هوفر 
ثلاثة هي النصر و العدو و التَّحويل الذي يربط بينها أو إعادة الصياغة.

مفهوم العدو مفهوم واسع و مُتشعِّب الأطراف و متداخل المعاني ،
فمن هو العدو ؟
و ما هي العداوة؟
و ما هي أسبابها؟
و هل كل عداوة تُنتج حربا؟
يرتكِز مفهوم العداوة في ظاهره السطحيِّ غالبا على الأطماع و الأغراض الذاتية للأفراد ، و أمراضهم النفسية المتعلقة بهم، و قد ينشأ من محاولة تحجيم المنافسين و هي غريزة موجودة عند الحيوانات أيضا، سواءً كان التنافس على الغِذاء أم على الغرائز الأخرى كالتكاثر و السيادة المُطلقة على القطيع ، أو على مساحة جغرافية برية كانت أو بحرية فكل ذلك تتم مُشاهدَته عبر المُراقَبة و الدراسةَ.
و هناك العداء بين القطعان ككيانات مستقلة لها خصائصها التي تُبنى على القرابة أو التّعايش السابق، و قد تُبنى على الميول و التوافق.
و هناك العداء بين القطعان مختلفة الأصناف سواء كان على الغذاء أو على السيطرة على أصناف أخرى تُعتبَرُ جزءًا من الملكية الحقيقية أو التخيُّلية الظنية.
لكن العَداء المقصود في مقولة الفيلسوف أريك هوفر هو العداء بين الإنسان و أخيه الإنسان، 
فما هي دواعِي هذا العداء ؟
يحاول السياسيون و أصحاب القرارات المصيرِية دائما خلقَ تفسيرات مقبولة عند العامة لتبرير عداء معين في وقت محدَّدٍ لأهداف قد تكون اقتصادية ، و قد تكون اجتماعية ... و قد تكون سياسية و قد تكون تصديرا لأزمة داخلية كنوع من إلهاء العامة، و توجيه أولوياتها إلى شعارات براقة، كالوطن و العِرق و القومية، و الدفاع عن التاريخ العظيم، و قد تحمل قيَّما مُثلَى كالإنسانية و الحريات و حماية الأقليات و المستضعفين...
لكن العداء الذي يصل إلى إشعال الحروب الطاحنة المحمية بغطاء ثقافي مُدافع عنها لا يكون هدفه في الغالب مصلحة الإنسان و لا حمايته بقدر ما هو إشباع لغريزة التّسلط و التّحكم ، و إقصاء الآخر، الآخر المُختلف من حيث الثقافة و العرق و الشكل و الدين...
الحرب هي الأخرى مفهومها واسع جدا ، و يزداد اتِّساعا كلَّ يوم، فإن كانت في السابق البعيد محصورةً في قتال بين فئتين مختلفتين كمجوعات أو كدوّلٍ ، فهي اليوم تكاد لا تُعرَفُ لكثرة أشكالها و ألوانها، فهناك الحروب الاستخباراتية، و حروب المعلومات و الحروب الاقتصادية، و التفجير الاجتماعي ،و الحروب البيولوجية ، و حروب الاستهداف السياسي و التّشويه الإعلامي ، و الحروب بمفهومها المباشر...
و تظلُّ الحرب بكل صوَّرها هي استهداف الإنسان لأخيه الإنسان ، بسبب الضّعف أو الجهل أو التأخر عن مَصافِّ الدُّول الأخرى، و هذا يجعل مجموعة القيَّم داخل دوَّلٍ تعتبِرُ نفسها ماسكةَ زِمام الحضارة و الرُّقيِّ
محلَّ نقاشٍ و موضعَ تَعجُّبٍ كبيرٍ، 
إذ كيف لمَن يدعِّي التَّمسُّكَ بالمبادئ الإنسانية أن يكون صاحب أكبر أخطاءِ الحروب على مَرِّ التاريخ؟
و أن يكون صاحب السبق في استخدام أسلحة الدمار التي تؤثر على الحاضر و المستقبل البعيد و البَعِيدِ جِدا  ؟
تلك أسئلة جوهرِيَّةٌ تَرفضُ حضارةُ اليوم الإجابة عليها إجابةً تَحمِل أقلَّ نوعٍ مُمكِن من القَبول، تماما مثل عجز مفهوم الديمقراطية عن إيجاد تفسيرٍ مَنطِقِيٍّ لحقِّ الفيتو الذي يُناقض جوهرَ الديمقراطية ، و يَضربها في نُخاعها الشوكيِّ، 
أليس الفيتو هو إعطاءُ امتيازٍ مُستَحَقٍّ للقوةِ العسكرية؟
ألا يُؤسس الفيتو لغَبنٍ يبذُرُ في نفوس الآخرين المُستهدفين به بذورَ حربٍ قادمة حسب توارث الانتقامِ؟

و بالعودة إلى المقولة السابقة 
فَمَن هو العَدوُّ المُنهزِم؟
ليتمكَّن المُنتصر من تحويل العدوِّ -الذي تمَّ التَّغلُّب عليه- إلى صديق فذلك  يعني أولا أن الهزيمة لم تكن قاسية جدا بالشكل الذي تُسجِّلُ في ذاكرةِ المُعاصرين صورا مأساويةً و أحداثا انتقاميةً بالغةَ السُّوء،
و ضربُ أمثلةٍ  بالحرب العالمية الثانية ليس ممكنا لقُربها ، و لعدم تغيُّر مواقع القوة حتى الآن ، هذا من جانب الحرب و الهزيمة، و الجانب الثاني أن تكون العداوة ليست بسبب الدين أو العِرق لأن تلكِ العداوات تجد وسائل استمرارها دائما.

مفهوم تحويل العدوِّ المُنهزمِ في حربٍ معيَّنة قد يُفهَمُ أنهُ مَسخُ أو تذوِيبٌ، و هذا نوعٌ من الوصاية أو الاستعمار بشكله الثقافي و السياسي، و هو في هذا المفهوم استمرارٌ بشِعٌ للحرب و بصورة أشدّ خبثا و إذلالا، و المفهوم الثاني أن يكون التحويل بإرضاء العدوِّ السابق، و تقديمِ تنازُلاتٍ و امتيازات تجعله يُغيِّرُ رأيَه ، فهذا قد يكون مُمكنا و أكثرَ تأثيرا، و لكنه يطرح  أسئلةً  أخلاقيةً على الطرفين و ستحملُ إجاباتُها  إحراجا كبيرا لهما.

لماذا كانت الحرب إذا ، إذا كنا سنصبح أصدقاءَ  و شُركاءَ مُتَوادِّين ؟
و هل استنفدنا جميع الوسائل السلمية قبل اللجوء إلى الخَيار المَريرِ و المُؤلمِ و القاسي  ؟
 و ما هي الرسالة التي سنبعث بها إلى أرواح أولئكَ الذين سقطوا في الميدان دفاعا عن قِيَّمٍ  و أهدافٍ  مَغلوطةٍ  تمَّ  تجاوزها  بكلِّ بساطةٍ و سهولة و وَقاحَةٍ  ؟

و في النهاية فإن صيَّاغةَ  صديقٍ جديدٍ  من عدوٍّ سابقٍ  قريبِ العداوة 
-حيث مازال وَقعِ نعالها مَسموعا -تُعدَّ نجاحا باهِرا، و عودةً محمودةً إلى فضاءِ الإنسانية الجميلِ، و عاملا من عوال الاستقرار ، و إبعادا حقيقيا للحرب ، و  مُحافظةً  على  المصالح  و المُمتلكاتِ و الأرواح، و تُعَدُّ  كذلك ترشيدا للوقتِ و الطاقةِ لِتوجيههما إلى ما ينفعُ البَشرية في حاضرها الآنيِّ و مُستقبلِها الواعِدِ.