إعلان

يوم الزينة ..!!!! / ذاكو وينهو

أربعاء, 03/13/2019 - 02:05

كان صباحا جميلا من صباحات الصيف المعتدلة...طلعت الشمس متلفعة بملاءة شفافة من سحب يونيو الاستطلاعية....في الجانب الغربي بقايا قمر دهمه الفجر ف
ي مجلس أنسه قبل أن يرحل إلى مضجعه في البحر الاخظر...لقد بات والشمس في صحن سماء تلطفه هبات من رياح المحيط.... بين وقت وآخر تحتجب الشمس وراء السحاب حياء...ولم لا ولما يختف بعد ضجيع البارحة.....
قال محمود رحمه الله....
يحكى أنه كان للبلاد رئيس حنون ...عطوف على رعيته ....وكان لا يهدأ له بال حتى يزورها في ديارها وإن شطت وحالت دونها الحوائل العظام... وقته المختار حين يشتد الحر وتنهك الخلائق و يصوح النبت ولا يبقى في شبر هشيم يرعى....حتى قال قائل الناس إن بالرئيس مرضا أعجز أطباء الروم وحير حكماء الهند وأذهل سحرة إفريقيا....وإن دواءه هو السموم والترجل في الهاجرة على رمضاء القرى المنسية في مهامه التيه والضياع....
كان في كل مرة يلقي خطابا طويلا....ويحث على الانترنت والبيض المسلوق....ويحذر من الطلاب العائدين من الجامعات الاجنبية..
قال محمود : كنا أيامها جماعة من الساقطين...لا نحافظ على شرف ولا مروءة...نتحين زيارات الرئيس لولايات الوطن ....فنندس في تلك الجموع قابلين بمؤخرات السيارات وإهانات وإذلال السائقين.... بعضنا يختلق أنه من المخابرات جاعلا من تنكره في لثامه الأسود بطاقته المهنية ..وبعضنا يوهم أنه من الصحافة أيام كان الناس يخافون حتى كتابات المتطفلين المتعثرين من أدعيائها وكنت منهم أبتز صغار الموظفين وبعض العامة.. عندي مصورة من "مصورات الحجاج" التي يحضرونها من مكة للأطفال...وأهل بعض تلك المناطق يصدقونني بمجرد سماع صوت تحريك دوائر الألعاب فيها...دفعني الخزي مرات إلى إيهام بعض الشيوخ والعلماء أني أصورهم وأسجل كلامهم بمجرد أن أوجه إليهم جانبها الخلفي فيذيعون ما شاء الله من أسرارهم ويشتطون في تضخيم مكاناتهم وتاريخ قبائلهم...وطرح مطالبهم على الحكومة..... لم أنس ذلك الشيخ الذي اقتنصته بقذارة وهو يشرح لبعض الطلبة حكم جواز التداوي بالنجس (الدم)...فتدفق علي ملحا ان أبلغ كلامه للحكومة وأذيعه في الراديو وأنا أعده وهو يدس في جيبي رزما نقدية ويقول: من أعطي من غير سؤال لا يرد ...لا يرد الهدية إلا اللئيم ...لم يكن المسكين يدري أنني أوسع جيبي حتى يسهل ابتلاعه للرزم الكثيرة...ما كان يدري أنني حقير...كنا ننجح حسب تخلف المجتمعات المزورة...على كل حال كنا نركب مجانا ونأكل الطيبات مجانا لا ندفع إلا كرامتنا وكبرياءنا ثمنا لهذه السياحة المباركة ...هي إذن ليست باهظة الثمن ...
و ذات يوم بدأ الرئيس خطابه أمام سكان قرية لا يهتدي إليها المطر إلا بعناء شديد وربما أجل زيارتها إلى موسم آخر...يومض البرق فتطل السحابة من هودجها وتجيل الطرف في الأرض فتقول للرعد احملني بعيدا هذه يا عزيزي من الأجاديب....لكن خطاب الرئيس بدأ...نعم أيها الناس ..بدأ خطاب الريئس... صاح منسق الربط حاثا الجماهير على الصمت والهدوء والانضباط.....جلس وجهاء الحي قريبا من الرئيس وقد كوروا رؤوسهم بعمائم سود وتركوا أعلاها عاريا للشمس.. أوصاهم ملاكهم السياسيون بالمبالغة في التعبير عن استحسان كلمة الرئيس وبيان صدقه في ما يقول.. أوصوهم غافلين أنه إذا كانت مفردات الرؤساء هي حركات أيديهم وتكشيرا دائما هو ألم ولادة عسيرة لمفردات تظل تتدحرج في تضاريس حناجرهم الوعرة حتى يطرحوها وكاد يلجمهم العرق , فإن لأهل البادية حقولهم التعبيرية الخاصة........صاح أحد الأعيان بعد إشارة خفية من عين جليس بعيد وبدأ التثمين والتمجيد لكن بلغته الخاصة ...يا للهول !! رقص الرجل ثم ازداد حماسه ...كأنما اهتدى إلى عبارة فاتته أوفى وأنسب ... فعض سبابته ...حرك يده بعنف كلامس جمر..أحدثت اصابعه فرقعة كالرعد...وكانت الكارثة !!! دعا الرجل باحتراق العضو الحميم لأم الرئيس( مصغرا) وأشفع ذلك بعبارة : ما اصدقك... بحسانية اصيلة لم يهذبها حظ من ثقافة ولا مدنية... بهت الوزراء والقادة وكبار رجال الدولة.....اضطربوا...ارتعدوا....فزعوا ...نظروا إلى أقدامهم....مستنجدين بالمجهول........فدعوا الله مخلصين له الدين ..ونذروا النذور ....نظر بعضهم إلى أظافر يده وقد سمع من بعض عجائز قومه أن النظر إليها يصرف الضحك المباغت في الأوقات الحرجة.....وطلب بعضهم من جليسه أن يغرس أظافره في فخذه نشدانا للألم... فما أحلى الألم في هذه اللحظات القاسية...
لكن شيخا آخر أعلى مقاما من سلفه وأبلغ لسانا وألحن بحجته فجأ الرئيس والقوم بما لا يخطر على البال...تقدم كجسم كارتوني متحرك...فلأول مرة ألبسوه دراعة مصمغة من بزاه يستطيع لو شاء أن ينسل منها وتبقى مسموكة بغير عمد....تقدم تتبعه امرأة تهز طرف ملحفتها فوق رأسه وتسلل ثديها الأيسر منبطحا كضفدعة عجوز... فارتفعت الزغاريد وهدر الطبل ولعلع الرصاص إجلالا لشيخ القرية ...تقدم يتبختر بخطى فيها توابل كبر منتهية الصلاحية ...مشى السبطرى ,مشية يبغضها الرئيس وجنده إلا في هذا المقام ..لم يدبج قصيدة كشعر المتنبي في سيف الدولة..لم يقل ما قاله ابن هانئ للمعز : ما شئت لا ما شاءت الاقدار@فاحكم فانت الواحد القهار@ وما يفعل الرؤساء بدواوين شعر كاذب لا يفهمونه؟؟؟؟..تقدم شيخ القرية..وكان الزلزال ...كانت المأساة الملهاة حقا...صاح وأفرغ كنانة بلاغته وفصاحته وجاء بأمر عظيم.... فكر....قدر ....دبر...عبس...بسر...ثم أقبل و أبدع ....فحص الأرض بقدمه ...ثبتها عميقا ..استغاث بعانة "آلويمين" (مصغرة) يستمطر بها العبارة اللائقة بالرئيس والمرضية لفاعل القوم السياسي ...ثم زعم أنه ببركتها اهتدى إلى معجزة بيانية يثبت بها صدق الرئيس و بعده عن الكذب.. صاح بصوت فخم غليظ فيه الشعور بالعظمة والوثوق من النفس ...قال : أقسم بسرة أمي (ثم نفى أن يكون الرئيس قد أخرج ريحا).... بأسلوب التصغير....وبحسانية لا كناية فيها ولا تورية... شرع وزير الاسلام يحلب لحيته بعنف..ليغير شكل خطوط ابتسامة حمقاء تراوده عن نفسه..نزع الحارس الشخصي للرئيس نظارتيه بسرعته وأزال أجساما وهمية عن عينه في حال من الارتباك والخوف والاضطراب...حاولت إحدى الموظفات الساميات وأد ضحكة فلم تقدر رمقها الرئيس فحولتها بفشل إلى عطسة....وزير التخطيط ارتعش وشعر بالمغص حتى غلبه القيء من فرط حبسه للضحك ... ...أخذت الوفد الرسمي كله الرجفة وشعروا جميعا بالحاجة المفاجئة إلى دخول المرحاض....ولا مرحاض إلا الخلاء...عض الرئيس شفتيه...مسحهما بلسانه ..وخص السفلى بعضة طويلة يغالب هو الآخر ابتسامة مشاغبة تريد أن ترتسم......ثم تماسك وشكر القرية على حسن الاستقبال....وأسر إلى بعض خلصائه قائلا : هذا أمر خطير ...ما زالوا في هذا المستوى ؟؟؟!!!....فاشار عليه بالتركيز على محو الامية....قال محمود رحمه الله أنا لا أسلم على موظفي محو الامية لأني اشم فيهم ريح الرئيس...