إعلان

من يوميات حطط... الجزء الرابع (الحلقتان 109 و  110) / إبراهيم الأندلسي

ثلاثاء, 07/09/2019 - 03:00

___

 

بدأت الاستعدادات لحفل خطبة احريش كبيرة أبناء الزعيم هرصبوب العظيم ، حفظ الله عليه قوته.

استدعى هرصبوب أبناء عمومته في مشارق الأرض و مغاربها، و استدعت أم حطط كل أقاربها و صويحباتها من كل فج.

و حضرت الوفود تلو الأخرى، فاختار لهم گود لخلاط و تم استجلاب الخيام و الأثاث، و غص الوادي بحركة لم

يشهدها من قبل في العصور الغابرة.

كان التنظيم على أحسن ما يكون و كان الضيوف يحظون بكرم و رعاية منقطعة النظير، فقد وصلت إعانات قيمة إلى هرصبوب من القرى المجاورة، و كان ينحر يوميا ما يقارب العشرين من الإبل.

كان انيبقق هو مراقب الخزائن، و حطط في استقبال الضيوف ، و طنين و الوالدة في حضرة النساء.

و جاء اليوم الموعود صبيحة الخميس، قدم الخطيب و هو راكب جمله الأورق بين أبناء عمومته و أعمامه، و والده شيخ سقط حاجباه على عينية، و لم يتعاهد شعره في حياته.

ضرب الطبل في كل خطوة، و تم لعب الدبوس ، و غير ذلك من الألعاب البهلوانية العظيمة،و ظل الوفد يقترب ببطء بسبب الأفراح و الألعاب، و كأن هذه مناسبة القرون، فهي مختلفة عن غيرها من المناسبات، كانت البسط تُغطي  مساحة أكبر من بعض دول القارة الإفريقية، و قد صففت أنواع من الزهور و الورود  لم يرها الناس قبل اليوم، و قد اتخذت ممرات مظللة، على جوانبها أنابيب صغيرة تقطر عطرا، و قد علقت عناقيد العنب، و أنواع الفواكه تتدلى على رؤوس المارين، و في مرحلة من ذلك الممر تم تقسيم حلل ملكية موشاة بالذهب الخالص على وفد الخطيب، لتميزهم عن غيرهم من الناس، كان المشهد كرنفالا عالميا، حضره رؤساء دول و سفراء و شعراء و فنانون ، و قيل إن فرقا أوروبية دفعت لهرصبوب، لكي ترفع أعلامها هناك.

و سط هذا الاستقبال المهيب، جلس هرصبوب جلسة الملك على عرشه و قد سرح لحيته و تعطر، و حاول الوقار ، قدر ما استطاع.

صمتت الأصوات، و بدأت المراسيم الرسمية للنطق بلفظ الخطوبة، عندها انطلقت المدافع في السماء و صعدت البالونات الممتلئة بالحلوى و كانت تُضرب بالمدافع فتسقط سحابا على الأطفال و الطفيلين.

سأل هرصبوب أحد المساعدين بجانبه، هل حضر أعضاء سدنة الحرف الأدبية؟ أم  لا؟

فقال المساعد رأيت اثنين منهم فقط

فقال هرصبوب عليك بإحضار البقية، فلا بد من حضورهم، فهم الذين سيكتبون هذه الحادثة للأجيال القادمة ، فهذا العرس شامة في جبين الزمن ، ستظل عقدة للآخرين طول حياتهم.

كان العريس يجلس جلسة الأمير، و يستمتع بأحسن يوم طلعت عليه شمسه، من كان يُصدق أن يفوز بهذا المكان و هذا المركز النادر.

 

________

الحلقة 100

 

تواصل حفل خطوبة احريش بحضور المدعوين و الكتاب، و كثير من سكان الولاية، فكان المشهد نادرا.

تقدم الخطيب حسب طقوس العائلة ليغسل أقدام هرصبوب في طبق ذهبي ، و يمزج ذلك الماء بشاي و عطر و يشربه الخطيب ، على شكل رشفات يُقسم بعد كل واحدة منها على قسم معروف، و منها:

أن يحترم عائلة الأنساب و أن تكون احريش عمامة له و أن يُجيب حين تتم دعوته في الحرب و السلم، و أن لا يتأخر بالمعونة، إلى غير ذلك من مدونة العائلة التي تتسع مع الغرباء إلى ثمانين قسما، و مع أبناء العمومة إلى أربعين. تقدم و غسل أقدام هرصبوب كان شبان يصبون الماء من أباريق فضية على أقدام هرصبوب ، و كان يُحلق  بلحيته في الفضاء، فقد كاد أن يغلب عليه الضحك، و هو أمر غير مقبول في مشهد كهذا.

جلس الشاب بين يدي هرصبوب، و هو يرتجف و يرتشف، فقد علم يقينا أن القرب ليس خيرا من البعد، و لكن أحسن الخيارات هو الهدوء و الهدوء.

شرب ذلك الماء و وقف و قبل يمين هرصبوب، و جيء بصحن من الدقيق المعجون ليدخل فيه وجهه كاملا، و بذلك يستطيع صناع التماثيل أخذ صورة له بصهر النحاس، فذلك هو قانون البصمات في تراث العائلة، بعدها قام الشاب إلى مكانه، دون أن يمسح وجهه، فرفع اليدين إلى مستوى الوجه في حضور الأنساب من سوء الأدب.

زغردت تنديمة متعددة المواهب فهي طبيبة العائلة، و رئيسة قسم الموسيقيين، و بدأ لعب الدبوس، و إنشاء الأدب الشعبي المستت

و هرصبوب باسط ذراعيه، يعد الشعراء بالعطايا و الهدايا، و قمة التكريم، أن يبيت أحدهم في جيب سرواله، فسينام نوما هادئا لأسبوع على أقل تقدير.

بدأ سلام العريس على أبناء عمومة احريش، كان السلام حارا، فبعضهم يختبر صحته، فيجذبه إليه، وبعضهم يقيس طوله وعرضه، و انتهى المشهد بموافقة أبناء العمومة.

ثم صمت كل شيء، لأن الكلمة النهائية للوالد هرصبوب العظيم، و لكنه أصابه حياء لم يعتده في حياته، فنادي حطط، و جعل له منبرا كبيرا وقف حطط، و كان شعر رأسه يشكل هلالا في مقدمته، و نجمة خماسية في مؤخرته، وقف حطط واثقا من نفسه، و حمد الله و أثنى عليه، و بالغ في ذكر بطولات هرصبوب، ثم قال إن النسب رفعة، و إن هذا الشاب محظوظ فعلا، فلم يحظ أحد بهذا القرب من عائلتنا، و قد وافقنا على أن يعيش معنا، لأننا بحاجة إلى احريش، و إن جاء بأهله فمرحبا.

ثم أخذ الكلام الأخ الأكبر انيبقق و ذكر رحلته إلى شمامة، و كيف كانت صفعاته كافية لترويض المخالفين، و أنه لا يهمه المال، أما دموع أخته، فمسببها لن يجد أرضا تحميه و لا مكان يؤويه،كان العريس يفهم الخطاب و متعلقاته

لكن الرجوع أخطر من الإقدام. عند نهاية الكلمات قدمت العائلة

ثوب جدها الثامن كهدية عرفان، لعائلة الخطيب، و ستبدأ هدايا الخطيب ، وإعطاء المهر المناسب.