من يوميات حطط (الجزء الأول / الحلقة - 06) / إبراهيم الأندلسي

أحد, 07/21/2019 - 18:06

كان حطط مولعا بكرة القدم؛ شأنه في ذلك شأن جيل بأكمله،
بل إنه عرفها قبل أن يعرف المدرسة و المحظرة ،و كان مدرس المدرسة قد افتتح الحديث معه عن اللاعبين،
لم يكن حطط كغيره من الأطفال يعرف أن للكرة أحذية خاصة، بل إن أهل القرية يلعبونها حفاة فذلك أجمل و أسهل.
حضر حطط مع أصحابه و أجيال أخرى  ؛منهم من بلغ  السادسة و  من بلغ العشرين.
كان زعيم المجموعة يوقفهم في الصف ،و يقسمهم هذا يمين و هذا يسار ،و هكذا حتى يتم تقسيم الجميع و قد يُعطي اثنين مقابل واحد يتقن اللعب .
لا توجد فرق ولا جهات و لا أسماء لها و لا يهم من غلب في نهاية المطاف.
دخل حطط مع فريقه كان الجميع يتبعون الكرة فلا هجوم ولا دفاع،
وحده حارس المرمى و قد يتقدم حتى يصبح جناحا.
لا توجد محددات للملعب سوى خط خطه الزعيم برجله ،و مرة يوجد حكم و أحيانا لا يوجد.
لعب حطط مدافعا صغير القامة يكاد لا يلمس الكرة ،و إذا ضربها لا يحركها بعيدا ،لكنه كان مسرورا فهذه أول مرة يجرب حظه داخل مجموعة .
لم يكن هناك  وقت ،وقد لا تكون هناك أشواط ،غروب الشمس هو الوحيد  الذي يحدد نهاية المباراة.

ظلت المباراة هادئة و بلا أهداف، هجوم  هنا و آخر هناك ، و كرات ضائعة  حتى جاء مبروك؛ و كان من أكبر اللاعبين صاحب بنية قوية ،و هو معروف بالعنف و الضربات القوية.
و المدافعون يعرفونه و يحاولون التعامل معه بحذر شديد، فكم من لاعب فقد سنا و آخر اعوجت أصابع رجله ،أما الجروح و الكدمات فتكاد تكون عامة على كل من لعب ضده يوما من الأيام.
تقدم مبروك و الصفوف تنفلق أمامه كما يفعل طلاب معهد بتلميت أمام مجنون المقاطعة الجنوبي ،ذلك الرجل صاحب بسطة الجسم الذي إذا ضرب تلميذا يدور رأسه إلى الخلف ،و قد لا يعود.
وصل مبروك إلى حطط فأراد اعتراضه فوقف أمام الكرة ،و مد رجله الصغيرة لكن رجل مبروك التي  كانت كالمغرف الكبير أخذت معها الكرة و رجل حطط
الذي طار أرضا.
واصل مبروك حتى سجل الهدف،
فلاحظ الزعيم أن حطط لم يقم من مكانه ،فاجتمع الصغار و بدأ الزعيم صفع حطط حتى أفاق من غيبوبته،
كانت ساقه قد تكسرت تماما.
و لم يعد بإمكانه  الوقوف.
توقفت المباراة ،و حُمل حطط باتجاه القرية و  فرّ الجبناء من الأطفال،
و بقيت زمرة قليلة لا تعرف الخوف ،
و لا تعرف ما يمكن حدوثه ،أوصلوا الصغير إلى مجموعة من الرجال.
فحملوه إلى ذلك الطبيب التقليدي المعروف ،حيث صنع له جبيرة من العيدان و القماش و الصمغ العربي،
و قدموا طعاما لحطط ليصبر على الألم و لاعبوه حتى نام .
و بدأت المشاورات فهرصبوب مسافر إلى إفريقيا،  فهذا موسم الجباية على التجار الذين قدم لهم خدمات قبل أشهر  ،و هو لا يفوت الفرص،
و العائلة تقودها  تلك المرأة التي لا يفيد الكلام معها .
استدعى الرجال انيبقق ،فهو على الأقل رجل ،و ربما يكون له نصيب من حكمة الرجال و حنكتهم.
جلس انيبقق يراقب الوجوه و يشرب الشاي ،و هو يستمتع فهذه أول مرة يجلس مع هذه القامات ،و أول مرة يخاطب كرجل.
تُرى ما الذي تغير ؟
و هل يسخرون مني؟
تساءل مرات لكنه كان واثقا أن هناك سببا ما .
سأله أحدهم عن حطط فقال :
ذهب  يلعب الكرة.
قال الرجل:
ماذا لو وقع له مكروه ؟
قال انيبقق لا يمكن ذلك أبدا،
لن أقبل أبدا  مادام والدي مسافرا،
فأنا من يدافع عن العائلة.
قال رجل غير حكيم كان جالسا غير بعيد :
لقد انكسرت ساقه فاحجب الشمس أو اقلب الأرض إن استطعت فأخوك بقية مصيبة ،و لو غادرتم القرية لنزلت عليها الرحمة ،و عمها الرخاء!.
وقف انيبقق وقد امتلأ غضبا، و خرجت رغوة من فمه ،و احمر وجهه 
و بدأ يتفرس الوجوه.
حاًول الحكماء  أن يجلس ،و لن يكون غير ما أراد ،فهو رجل و أبوه من المجموعة ،و أفضاله عليها كثيرة و مشهودة ،و منها الحماية و الدعم ،و اسمه فقط له وقع خارج القرية.
و قاطع شيخ وقور الجميع قائلا:
يا بني  قل ما يرضيك فنحن نقبل به،
 و آخر يتمتم رحم الله هرصبوب ما أعدله.
انتظر الجميع كلمات انيبقق ،و اشرأبت الوجوه إليه ،و ساد صمت مهيب ! لكنه ظل صامتا و عيناه تدوران و الرغوة تزداد في فمه.

قال بعد أن هدأ قليلا:
تعلمون أن حطط مريض ،و أنه يحتاج رعاية خاصة حتى يقوم بالسلامة،
من هذه الرعاية الغذاء و الدواء و التعليم،
في جانب التعليم نريد امرابطة تدرسه في الخيمة كل يوم ؛حتى لا ينسى ما حصل عليه فهو بحمد الله
كتب با بو بي بًا.
و مُدرسا من المدرسة يقدم له الدروس فهو في السنة الأولى من الابتدائية.

أما الرعاية الصحية فهي مراقبة الطبيب له ،و كثرة زيارته، و استجلاب
أدوية مهدئة.
أما ما يخص التغذية فهي بسيطة و خفيفة .
الإفطار
 و لا بد من بقرة أو اثنين و امبسكيت و ابتي بير

أطاجين يكفيه كيلان من لحم الغنم 
و البطاطا،  و إن زدتم فهو أفضل فنيته ليست حسنة ،و الأحسن أن تشاركه أخواته عله يأكل أكله المعتاد.

الغداء و إن أمكن الكسكس مع كيلين أو ثلاثة من اللحم ،و بدون الكرشة فهو لا  يُحبها.
و العشاء أرز أو معكارونة باللحم و يكفيها كيل واحد.
إن داومتم على هذا أربعين يوما يمكن أن ينجبر كسره، و يشتد عظمه.
أما جانب الدية؛ فالرِّجل ربع الشخص البالغ ،و نصف الصغير ،كما يردد الوالد حفظه الله.
بهذه الطريقة أضمن نفسي و والدتي،
أما البنات فعليكم التحدث إليهن،
و ابتسم انيبقق لأول مرة.
تمتم رجال ما أعقل هرصبوب .

كانت احريش و طِنين قد كمنتا لمبروك ،حيث يعين حلاب أهله و عند عودته إلى بيت أهله يحمل اللبن ، شربتا لبنه جميعا و كل واحدة ضربت ساقا من سيقانه ،فوقع مغشيا عليه،
لكن صيحته نبهت الجيران ،ظن البعض أن هذا فعل الثور فهو شرير،
و حملوه بعد أن  أفاق إلى الطبيب
ليجبر الساقين .
لكن مبروك فضل عدم الحديث فربما
تعاودانه إن نبس بكلمة.
حُمل حطط إلى أمه التي حلفت أن لا ترى طفلا يمشي إلا كسرت ساقه،
فكان الأطفال يجلسون عند مشاهدتها.

رفض المدرس الذهاب إلى الخيمة ، حيث لا توجد الحزازة ،و رفضت المدرسة خوفا على نفسها  من انتقام البنات.
و لا يزال البحث  متواصلا عن مدرس و امرابطة،
و الله  وحده يعلم المصير إذا تأخرت الطلبات الأخرى.