إعلان

الفلسفة.. العَالَم المُرتَبِكْ.. جوزيه ساراماغوو... / إبراهيم الأندلسي

ثلاثاء, 07/23/2019 - 01:08

33

 

جوزيه دي سوزا ساراماغو ‏ روائي برتغالي حائز على جائزة نوبل للأدب وكاتب أدبي ومسرحي وصحفي. مؤلفاته التي يمكن اعتبار بعضها أمثولات، تستعرض عادة أحداثاً تاريخية من وجهة نظر مختلفة تركز على العنصر الإنساني. 
الوفاة: 18 يونيو 2010م

يقول الكاتب البرتغالي 
جوزيه  ساراماغو :

"‏أيُّ عالمٍ هذا الّذي يستطيع إرسَال السّفن الفضائيَّة إلى المرِّيخ بينمَـا لا يفْعل شيئاً لوقفِ قتلِ إنسان ؟!"

حين يكون الإنسان أتفهَ شيء على سطح الكرة الأرضية في أي حضارة بشرية فإن ذلك لن يكون دليلا إلا على الخراب و الضّياع، و حين يُنظَر إلى الإنسان- باعتبار التنوع - أنه مُختلف فذلك يُشبه الدعوة العلنية إلى الصدام، و إحياء غريزة التنافس على الغذاء و الغرائز عِنْدَ الحيوانات، عندها تكون العودة إلى الوحشة تقدُّما، و العنصرية محافظة  على الأصالة، و الهدم قوة ، و الاحتقار انتخابا طبيعيا ،حينها تفقد اللغة و المبادئ دورهما ، و يَتِيهُ كُلُّ شيء، المعاني و القيَّم و الحرية و العطف و السلام و التجانس و التآخي ...
 و يغرق الإنسان في  وحْل هو من تطوع بجمع طينه و نِفاياته.

أتذكَّر بكاءَ بعض الذين يُلقبون بالمفكرين على تلَفِ بعض الآثار بعد زلزال مُدمِّر، و لما قيل لهم إن عشرات الآلاف ماتوا، كان ردهم  فاترا  باردا و قالوا لا يَهُم ليسوا بقيمة هذه الآثار العظيمة الخالدة .
المؤمنون بالحرية اليوم و المدافعون عن الحقوق في العالَم المُتحكِّم، يؤمنون بها فعلا و لكن لأنفسهم، و تظل تلك الخصوصية تضيق و تضيق حتى تنطبق على الفرد المُتحكم دون غيره،حتى من الأقرباء و الجيران.
‏السؤال اليوم ليس ما تُنفقه البشرية على الفضاء، و أنها كان يجب أن تُنفِقه لتقليص عدد الجائعين و المَرضى، و ليس عن صرف الأموال الباهظة على الرفاهية المُزَّيفة ، بل السؤال لماذا يصرفون على زيادة بقعة النار في العالم؟
على صناعة الدمار البيولوجي ؟
على تلويث الأرض و المناخ ؟

يطرح الكاتب البرتغالي سؤاله ببساطة شديدة، لماذا لا يفعل هذا العالَم شيئا لوقف قتل الإنسان؟
إنه سؤال  يحاول مخاطَبَةَ المسؤول عن تلك الفظائع باعتباره بريئا، و هي طريقة دبلوماسية لجعله يصيخ و لو للحظات ، و الحقيقة أنه لا يقف مكتوف الأيدي إزاء قتل الإنسان، بل هو الآمر و المُحفِّز على قتله في أكثر  الأوقات، و قد يكون الفاعل المباشر ، باليد و التمويل و التحريض و التعريض.
تطرح المقولة تعارضا واضحا بين العَالَم -بمعنى القوة المُتمكِّنة صاحبة العلم و التكنلوجيا و الوسائل- و الإنسان العادي بمعنى الضَّعف و البساطة و الخنوع أو قلة ذات اليد و الوسائل، هذا التعارض جعل العالَم الشمولي يُهمل ذلك الإنسان باعتباره مُنعَدِم القيمة و ليس مُلفتا لأيِّ نوعٍ من اهتمام السادة.

أيُّ عالمٍ هذا ؟
قد تحمل معنى،  أيُّ جنون ؟
أيُّ تهوَّر و تناقض ؟
أيُّ قيَّمِ و فضائل و أخلاق ؟

الحصيلة عند الكاتب البرتغالي تعني ، ليس هذا هو العالَم الذي حلمنا به و كنا نطمح و نساعد حتى يقف على أقدام ثابتة راسخة، إذا كان هذا شكله النهائي و هذه نتيجته البشعة، و هذه تصوُّراته القاتمة،  فهو عالَم لا نعرِفه بمعنى لا نقبله و لا ننتمي إليه.

هذا الكاتب الغربي واحد من أصحاب الضمائر الحية ، الذين يملكون حروفا قادرة على لَجْم القنابل ، على تجريف القيم الزائفة، على مُخاطبة الغارقين في سبات مفروض أو اختياري، إنه دقُّ ناقوس الخطر ، و محاولة لفت انتباه أصحاب عجلات القيادة حتى يُغيِّروا المَسارَ الخاطئ قبل فوات الأوان، و الوصول إلى نقطة لا نعرف بعدها اتجاه العودة.
القتل في المَقولة يحمل مجوعة هائلة من المعاني، القتل المباشر باليد أو صناعة آلات الدمار ، القتل بفرض سياسات غريبة تزيد العزلة و التهميش ، القتل بترسيخ الجهل و التخلف، القتل بالإهمال و الترك، وهي متتالية نهايتها نهاية تصوُّر تشكيل الكلمات في لغات العَالَم الكثيرة.
و السؤال المطروح هل مازال هناك من يستطيع سماع الآخر في عالم التطور و الفضاء الكبير ؟