إعلان

من يوميات حطط.. الجزاء الأول.. (الحلقة 14) / إبراهيم الأندلسي

سبت, 07/27/2019 - 17:46

بعد شفاء حطط التام من ازيانة ، و عودة الأمور إلى نصابها، أراد الوالد هرصبوب الترويح عنه فذهب به في رحلة الوالد السنوية، و هي رحلة بين أهل البادية يتلقى فيها الهدية أو المعونة أو المداراة على رأي الفقهاء، و منهم من يقول بحرمتها لأنها بغير طيب النفس، لكن هرصبوب كان على رأي ابن حزم الأندلسي ،فهل دخلوا قلوب الناس ؟

و إن كان مجرد الظن فهل ظنهم يغلب ظننا أم  أن لهم بركة؟
خرج هرصبوب مساء يحمل صغيره و يداعبه بلطف ،فلو مسه بإصبع لكان كبعير الراعي الذي نحر ،فكان من تازبوتة هرصبوب و أكل منه.
و صل هرصبوب ليلا فجلس و ابنه قرب شجرة ،فخافت العائلة المُضيفَة منه ،و أرسلت الشراب و الشاي و سألهم طفل أنتم كم عددكم؟
 فقال هرصبوب ثلاثون رجلا .
قدمت العائلة كل ما لديها من العيش و الحليب فأكل كل ذلك ،و في الصباح أسقط عليهم الخيمة، فسأله حطط لماذا ؟
فقال كي لا يعرفوا  عددنا و خوفا من العين .
واصل هرصبوب الرحلة فنزل على حي كبير، و جلس قرب شجرة فأتته التعزريت من كل خيمة ،و كان ضائعا فقد بات بلا عشاء حسب ما أخبرهم.

أخذ الهدايا من جميع أنواع المواشي و القماش الذي عقده كحزام فوق سرواله، و قرر المبيت في حي آخر
و كان يطلب فوق ما أعطاه الحي السابق ،و حطط في هذه الرحلة يتعلم ليكون خليفة والده في المستقبل، و أكثر فهو يدرس المدرسة و المحظرة، و قد يكون عالما أو خطيبا ذات يوم.
و هي أمنِية عند والده .
رافقته كثيرا و هو يرجو أن تتحقق،
و بعد شهر عاد الوالد وحطط محملين
بهدايا قيمة ،و يسوقون قطيعا من الغنم و أشياء أخرى.
قالت طنين إن رجال الحي إذا سافروا و قدموا يوزعون شيئا على الجيران، و هي تحب أن يُذكر الوالد في المجالس و أن يُعد من الكرام.
فقال هرصبوب :
جارنا محمذن رجل معقد ، يظل مع كتبه يسألها عن الحلال و الحرام ،و لن يأخذ منا شيئا، و جارنا بلال زوجته داعية تعلم  النساء ،و هي تعتقد أننا نسلب الناس بسبب الخوف، والله هو الذي رزقنا هذه البسطة فما العيب في استخدامها.
و جارنا عزوز رغم أنه مدرس في الشرق و لا يذهب إلى عمله ،و يأكل راتبه بغير حق ،يشتمنا و يظلمنا كما يروى في الحكايات أن سارق العلانية يقطع يد سارق السر.
لم  يبق غير مريومة الأرملة ، و رغم أنها قنوعة إلا أنني و خوفا من الحقوق سأعطيها   جديا  .
بعث الجدي إليها مع انيبقق ،و اختبأ خلف المتاع ،فقالت يعلم الله حاجتي إليه ،و لكنه أكبر من دانق و رددت آيات كثيرة.
ذهب انيبقق و أخبر هرصبوب، فغضب و قال قلت لكم إنهم كشمامة
خذ خيرها و لا تعطيها شيئا.
عُد و جئني بالجدي فقد اشتقت إليه،
و و الله لقد أحزنني فراقه ،فما فارقت 
شيئا عطاءً في شبابي و أيام قوتي، فكيف و قد شاب رأسي و ضعف بصري و عندي   ذرية  ضعفاء.

عاد الجدي سالما ،و لكنه لم يلبث أن مات ،فقال هرصبوب رأيت ضعفه لذلك أعطيته ،و لكن أن يموت عندنا خير من أن يموت عندهم.
ذكرت طنين للوالد فعل فلان و فلان و كرمهم و أنهم يذكرون في المجالس
قال مَن يا بنيتي؟
فقالت حاتم الطائي و كعب ابن مامة و هرم بن سنان و عبد الرحمن بن عوف و عثمان بن عفان و 
و فلان و فلان.
قال يا بنية اذهبي و تحسسي أخبار هذه الأسماء ،و من أي القبائل؟ 
و أين يسكنون ؟
فرغم قناعتي و عدم إظهار فاقتي للناس إلا أني سمعتهم يقولون إن هرما هذا يفرح إذا سُئل،
و أنا أُحب إدخال الفرح عليه. 
و أحب زيارة رفاقه فقد يجد فيهم هذا العجوز المتعفف حاجته، فلعلهم لم يسمعوا بأسرتنا و ضعفها.

ضحك حطط كثيرا ،فسأله الوالد عن غبائه فقال حطط:
عثمان هذا قرأناه في المدرسة، فهو صحابي و كذلك ابن عوف هم من العشرة المبشرين بالجنة.
فقال هرصبوب منعتنا أيها الغبي من عطاء اثنين ،فلا تمنعنا من البقية.
ليتني لم أعلمك  فقد أغلقت رحمة الله في وجهي اسكت .
و بات هرصبوب ينتظر الصباح لزيارة حاتم و كعب ابن مامة ،فقد
يجد عطاء يفوق ما أحضره في رحلته الطويلة ،و ما يُنسيه تعب الحرث
و حلال العرق.