الشاعر والقصيدة/ الفعل

ثلاثاء, 09/24/2019 - 00:58

محمد المحبوبي (*)

(تدوينة)

ظل الشاعر العربي على مر التاريخ متكلما رسميا باسم أمته، وقائما بأعمالها، ورسولا موفدا للسلام والخير والمحبة.. لكن مع أعطاب الحياة المعاصرة؛ أصبح الشاعر يتدثر في أحاسيسه المُفْرطة، ويركن لانفراداته الساجية!

وهنا يتضح أن الحديث لا ينصرف إلى جيل شعراء السلم الذين خرجوا على المساطر التنزيهية كنزار قباني، وغازي القصيبي، وعمر أبي ريشة، وعلي العجمي.. فقد أشهروا كلماتهم في كل النكسات! وإنما أعني هنا الجيل الذي عايش عودة الجدران الكبرى، وتنامي خطاب النهايات، وطغيان مشاهد الخوف الشامل!

ما ينتظره كثير من الشاعر اليوم أن يتخلى عن "الدورة الذاتية" وعقيدة "الرومانسية المثالية" وأن يتجاوزها إلى القضايا المشتركة العمومية. هذا ما يستوظفون من الشاعر.. ولكن متى تخلى الشاعر المعاصر عن دوره؟!

أعتقد أن الشاعر المعاصر حاضر في كل تفاصيل الأحداث.. وقد تجاوز منذ زمن شكاوى الهجر، وبوح الظل، وحاكمية "اتقو ألسنة الشعراء" وكل نظريات الاجتماع الكلاسيكي - إلى مواكبة مستجدات الساعة، والتعاطي الحضاري، والاشتغال على القصيدة الكونية.. القصيدة/ الفعل.. التي ترصد الطفرات الجديدة وتراعي باهتمام المصلحة العليا ولا تستطيع أن تعيش سوى الأمل! مصورة أمام كل واحد منا الحياة في زمن المُهانين؛ كحورية من عرائس الماوراء قد انبجست منها بدائعُ الأنوثة الندية وفاحت من أعطافها أشذاء الغيوب الخضراء!

رومانسية الشاعر المعاصر وجع أمته في رسوم أنثى رؤوم، ودموع بني جلدته في تقاسيم ناي مؤانس، وتأمل الإنسانية في سرحات وراء الغمام!

الشاعر المعاصر مهما بدا غارقا في دموع قومه، وجراح مبادئه؛ فإن في داخله همسَ أغنية جميلاً يحلُم باليوم الذي يَجنح فيه العالم للسلم وتخلو المشهديات من استخدام العنف في شقاء البشرية..!

الشاعر قد يتحدث بلغة الصمت.. ولا تسمعه إلا الأرواح الكليمة!

لا يُطلب من الشاعر وهو سفير المحبة أكثر من أن يرسم عالما أَجْلَى إشراقا، ولوحات مستبشرة لرفاهية الإنسانية، وأن يترنم بريشته الزرقاء: أننا ما خلقنا لكي نقضي على هذا الكوكب أو على بعضنا ببعض.

 

____

(*) شاعر وديبلوماسي موريتاني  قدير