إعلان

"اللحلحة": فقه اللغة، وفقه السياسة

اثنين, 06/22/2020 - 14:24

 

أدي آدب

 

يتفنن الموريتانيون في ابتداع مصطلحات للظواهر الاجتماعية المُسْتجدّة، سلبيها وإيجابيها، مثل إطلاق "اللحلحة"، على ممارسة التزلف -المبالغ فيه- لذوي السلطة والمال والجاه؛ حيث أصبحت هذه الظاهرة شبه مهنة، تتزاحم فيها مناكب من ينتحلون صفة نُخَبَ الساسة، والمثقفين، مع مناكب نافخي أبواق الدعاية والدعاية المضادة، من كل من هبَّ ودبَّ، من مؤجِّري حناجرهم، وأقلامهم، أو عارضيها للتأجير، على الأقل.
واليوم أقف على أطلال فصاحة اللهجة الحسانية الموريتانية، نابشا - في فقه اللغة- علاقة هذا اللفظ بأصوله الدلالية في العربية الفصحى.
ولعل المفارقة الأولى هي أني لم أجد معنى الحذلقة اللغوية ضمن معانيها الأصلية.
والمفارقة الثانية، أنها تدل على الثبات على الأمر؛ ففي معاجمنا: (لحلح الْقَوْم ثبتوا مكانهم فَلم يبرحوا)، وهذه كارثة، لأن الثبات على الباطل ليس محمدة.
مع أن المفارقة الثالثة هي أن "اللحلحة" عندنا يتفاعل فيها "الثابت والمتحول"، فمهما ثبت عليها مُمْتَهِنُها، فهو يتحول ويترحل من "مُلَحْلَحٍ" له إلى آخر، وهذه الازدواجية الدلالية متحققة في المعاني الأصيلة للكلمة؛ فإذا كان هناك معجميا: (لحلح القوم ثبتوا)، فهناك أيضا: تلحلح.. ولحلح (فلان عن المكان: تزحزح).
وأخيرا تتجلى خاتمة المفارقات؛ وهي أن الموقف في هذه الممارسة يظل محرجا، وناتجها -مهما غلا- يبقى هزيلا، حيث تقول معاجمنا: إن (اللحْلح: الْمَكَان الضّيق)، (وخبزة لَحْلَحٌ يابسة).

أما بعد محاولة تأصيل الظاهرة في "فقه اللغة"، فلا بأس بالتعريج على مقاربة خاطفة لتأطيرها ضِمْنَ "فقه السلوك"، وهنا تستعيد الذاكرة "كاف" الوزير الأديب: محمد فال ولد بلال، الرئيس الحالي للجنة الوطنية للانتخابات، الذي رمى -به- حجرا، حرك المياه الراكدة في بحيرة" اللحلحة"، من منظور أخلاقي، حيث قال:
"حَدّ اغْنَـــــــــــاه الله أوَسَّاهْ***اكدْ ارِيــــــــــحْ مْن اتْلحْليحْ
ماهُ دايرْ تَعْيـــــــــــينْ ارَاهْ***ولَا دايــرْ ترْشِيـحْ إريــــــحْ"
وقد تواطأ على إجازة هذا البيت الشعري الحساني كثير من عمالقة أدباء موريتانيا، وذات رحلة جوية طويلة نسبيا، وجدتني- بعيدا، بين السماء، والأرض- أدندن حول الموضوع المُثار، عبْر قراءة مختلفة بعْض الشيء، لكنني استحيت من التطاول على مقام الكبار، فتركت المحاولة مُسَجَّاةً في مذكرة الهاتف... حتى عَنَّ لي اليوم تدوين هذه الخاطرة، فرأيتها فرصة سانحة، لبعث هذا النص المتواضع من مرقده، حيث عاتبني بعض الأصدقاء على وأده، قائلا: كيف تجيب "إذا الموؤودة سئلت بأي ذنب قتلت"؟
محاولتي:
تَعْيينْ وترْشيـــــحْ النَّـــــــبيهْ***بِتْلحْـليـــحْ.. إجـيحْ.. أتْفُ بِيهْ
حُقوق الخَبير.. النَّــــــــزيهْ***وِاصَحَّحْ.. كاعْ.. الْمَاهْ اصْحيحْ
واطِيحْ.. بمُـــولاه.. أبَدِيـهْ***امْن العَيْن.. افْلَــيْدَ اطَّـــــايــــيحْ
وارِيـحْ.. بالَمْـرُوَّ.. يَخْلِيهْ***والدِّينْ.. وباهْل الشـــخْص.. ارِيحْ
واعُودْ الَّا بُــوق السَّفِيهْ***مَدْحُ رِيحْ.. وتَجْـــــرِيحُ رِيــــــــحْ

وكَافْ الـــوزيرْ المَعْنَ فِيهْ***عَنَّ نَـــاقدْ كلْ اتْلحْــلــــــــــيحْ
يَغيرْ اشْيَنْ نوْع َامَّاسِــــــيهْ***اتْلــحْلــيحْ اعْلَ لَمْبَــيْطِــــــيحْ

"حَدّ اغْنَـــــــــــاه الله أوَسَّاهْ***اكدْ ارِيــــــــــحْ مْن اتْلحْليحْ
ماهُ دايرْ تَعْيـــــــــــينْ ارَاهْ***ولَا دايــرْ ترْشِيـحْ.. إريــــــحْ"