كلمة د. بدي ابنو الموجهة إلى "سدنة الحرف" بمناسبة توزيع جوائز أول مسابقة شعرية لتخليد الرمز الوطني الكبير سيدي محمد سميدع "رحمه الله"

سبت, 08/29/2020 - 22:24

 

أخواتي الفاضلات، إخوتي الفضلاء،

 

يقول صديقي الشاعر الكبير أدي ولد آدب:

"كمْ شاعِرٍ.. خَطَّ فَوْقَ الـرَّمْل.. قــافِيةً
وبَثَّ أطلالَهُ.. شكْـوَى الهَـوىَ.. ذِكَرَا
فكُلُّ حَبَّةِ رَمْلٍ.. هـا هُــنا.. ثـَـمِــلَــتْ
بالشِّعْر.. فاسْمَعْ صَلِيلَ الرَّمْل.. قدْ شَعُرَا"
 
شكراً لسادنات الحرف ولسدنته، شكراً جزيلاً لكلّ المشاركات والمشاركين،

إنه الشعر والأرض والتاريخ، أو كما قال يوما المرحوم الشاعر الكبير محمد ولد عبدي "هو الشعب أرضٌ، هي الأرضُ شعبٌ، هما الشعر..."،  شكرا لكمْ ... فمعكم يلتقي التاريخ بالتاريخ، إنها قصائد عظيمة في ذكرى رجل عظيم، قصائد يعانق فيها الإبداع  معنى الفعل، يعانق القولُ التاريخي معنى الفعل التاريخي ووجهتَه في ذكرى رجل سيتحدّث بلاشكّ عنه يوماً تاريخ هذه الأرض كثيراً.       

 

أيتها الفاضلات، أيها الفضلاء،

 

كما تعرفون لم يعش طويلاً المناضلُ الرمز سيدي محمد سميدع - رحمه الله برحمته الواسعة – ، فقد توفي وعمره يناهز الأربع وعشرين سنة. إنّه زمن قليلٌ إذنْ وتاريخٌ عظيم. لم يكن لديه متسعٌ من الوقت  لما ليس جوهرياً، لذلك اهتم بما عليه أن يفعلَ في الميدان وقدّم أقصى ما يمكن أن يُقدَّم ورحل. كان عليه أن يكسر الصمت في تيه الصحراء الرتيب وفعلَ.

لقد عَرفَ كيف يمنحُ أجيالا من مجايليه ومن الأجيال اللاحقة الشغفَ بالحق والعدل... فبتلك القدرة العجيبة التي أوتيها قلّة، منحَهُمْ الرغبةَ في امتلاك التاريخ بدل الارتهان له، منحهم الرغبةَ في تغيير الواقع بدل الخضوع له.

يصوِّرروائياً الشاعرُ الكبير أحمد ولد عبد القادر المراحلَ الأخيرة من مسار بابا الحكيم - الشخصية الرئيسة في روايته "الأسماء المتغيرة" - كمراحل مسكونة بذلك الوعي الذي اكتسبه الحكيم من معياشته أواخر الستينات للمدّ التعبوي الذي كان سميدع وهجه الأول. وسيكون أيضا بابا الحكيم شاهداً على الرحيل المبكر للمناضل الأيقونة. هكذا يقود تاريخ الألم الأسماء المتغيرة، يقود بالحرف وبما خلف الحرف الطفل موسى الذي أصبح سلاّك إلى أسماء منسية كثيرة. وبعد ما يناهز القرن من تقلب النكبات والأسماء، تفصل وضعية الطفل الضحية عن وضعية الأب الحكيم، أدرك الحكيم مع سميدع أن الحرية الفردية لا يمكن اكتسابها دون الحرية الاجتماعية، أن الحرية هي اسم آخر للعدالة، فبهما يمكن أن تُنجب الأسماء المتغيرة اسماً ثابتاً يخرج على سياط "الحجّابين" المحليين والجنود الغزاة. قال الحكيم وهو يودّع هذه الأرض “يا إلهي لشدّ ما تعذّب أبناء الأرض. نعم تعذبتُ فوق طاقة تحملي”، قالها بعد أن ساءل كثيراً مقاطع حاصة من مرثية أحمد ولد عبد القادر لسميدع :
"وما تنال سهولُ الأرض من دمنا
 سيســـتحيل أزاهـــيرا وأغـــــصانـا
تُخفي الترابُ بذورَ النبت تأكــله  
والنـــبت يخـــترق الأجـــواء ريــان"
          

قلةٌ هم الذين يعرفون كيف يمتنعون عن مجاملة الواقع والتاريخ، ويمتنعون عم مجاملة الغزاة والطغاة دون أن يستقيلوا من الواقع والتاريخ. سميدع هو الاسم العلم لتلك السنوات المحورية القليلة، بلْ لتلك السنوات اللانهائية، الأبدية، فقد سجّلَ بهدوءٍ رغم حصار المكان والزمان، سجّلَ بهدوءٍ  رغم قلّة ما منحه القدر من عمر، رباعية الحاء والراء والياء والتاء. إنها تلك الأحرف التي ستلهم أجيالاً وستمنح الآفاق الزرقاء ألواناً جديدة لم تعهدها، ونغماً سحرياً لم تكن تأبه له، وشجواً رسولياُ يجمع شموخ القتاد والباوباب بكبرياء النخيل وبصبر المجابات وحكمة مجمع البحر والنهر وبنبوئية الصحراء الشاسعة. وهو وأسماء أخرى غير كثيرة أصرّوا على أن تبقى التلال وفيةً لشرف التلال، وعلى  أن تستعيدَ البطاح عنفوان البطاح ... وهو وأسماء غير كثيرة منحوا الحدسَ الجماعي أحرفَ سرٍّ أصبحنا بها نرى في الأفق وعداً آخر وربابةً لم تُعزف بعد وشمساً بمستوى الشمس.

 

أخواتي الفاضلات، إخوتي الفضلاء،

ختاما أتمنى أنْ نقرأ الفاتحة معا واقفين على روح المرحوم سيدي محمد سميدع رحمه الله برحمته الواسعة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا.

 

أشكركم،

بدي ابنو