إعلان

اللوحة الشعرية عند إبراهيم ولد بكار....

ثلاثاء, 08/17/2021 - 23:03

يعد إبراهيم ولد بكار ولد إسويد أحمد من أبرز شعراء تكَانت التي يتميز شعراؤها عن غيرهم من حيث ارتباطهم بالأرض و جمال تصويرهم لها و عمق تجربتهم في استنطاق صورها...

يمثل إبراهيم، الذي يطلق على نفسه ،تارة، اسم ابراهيم ولد إبراهيم، شخصية عصامية متمردة.. و سامية النفس...

فمن أين اكتسب هذا الشاعر هذه الصفات؟

إبراهيم تركيبة خاصة:

يجمع الرواة على أن إبراهيم هو نجل الأمير المجاهد الشهيد بكار ولد إسويد أحمد ( 1818- 1905), بطل معركة بوكَادوم و دفين راص الفيل في تكَانت... و أن إبراهيم من أم نمادية.. أي من انمادي.. هذا المجتمع البدائي العروبي الذي يعيش متنقلا يقتفي أثر الطريدة أينما حلت و المتميز بحب العزلة و الاعتماد على النفس و حب التفرد... مستعيضا بحيواناته المكلبة عن الاعتماد على البشر...

نشأ ابراهيم في هذا المجتمع.. و يقول بعض العارفين بسيرته إنه درس القرآن حتى أكمله حفظا و يشهد لذلك اقتباسه منه في شعره...

إحلمتْ آن بغلَ جيلي

متنعمْ و الحاله زينه

"و ما نحن بتاويل

الاحلام بعالمينَ"

فهذا ينسب إليه كما ينسب إليه:

ي السايلني عن ميمونه

راه تكَره ساحل كَيمي

" عمَ يتساءلون

عن النبإ العظيمِ"..

فقد اقتبست القطعتان من آيتين قرآنيتين.. دون أن تغيرا فيهما شيئا... و هذا يدل، من ناحية، على احترام النص المحكم و من ناحية أخرى يدل على براعة الشاعر في تطويع النص الحامل للنص المقتبس... و يعتبر ذلك من النادر لدى الشعراء في القديم و الحديث.... فشعر إبراهبم، هنا، رشح بالقرآن... يقول شيخنا الشيخ محمد فاضل:

و نفرح بالأذكار شوقا لربنا

و كل إناء بالذي فيه يرشح...

نماذج من شعر إبراهيم ولد بكار:

تعتبر قطعة " إمريميده" من أشهر شعر إبراهيم... و يظهر فيها الطابع الملحمي.. و الحماسي... كما يظهر فيها ضمير الجماعة الذي اشتهر به شعراء القبائل عندما يتحدث أحدهم باسم قبيله و مفاخر قومه... كما يظهر في قصيدة بني تغلب للشاعر الجاهلي عمرو بن كلثوم:

... متى ننقل إلى قوم رحانا

يكونوا في اللقاء لها طحينا

يكون ثفالها شرقيَ نجد

و لهوتها قضاعة أجمعينا...

يقول إبراهيم:

إلا انسلو لمدافع

يبكَانَ ثقل الفتنه

و امنين صالح يُدافع

إتركَ فمرو دنيتنا...

و لكن غرضَي النسبب و الغزل يكادان يطغيان على النماذج المنسوبة إليه... و من أشهرها :

1- قطعة " تلطف بيَ يوم ال نصبح..."

فقد قدمت هذه القطعة لوحة مفصلة عن آن من آناء الزمان... و هو وقت الصباح و و آن الهجير و آن غشو الليل... و موسم التمور عندما يموج طلاب البلح يطوفون به " كجيلانَ عند قطافه

تردد فيه العين حتى تحيرا..." أول حلولهم بالوادي.. و هم لا يزالون في خضم تعب السفر و أمتعتهم في رواحلهم ... يتنقلون من مكان لآخر بحثا عن مستقر إلى حين.. و فجأة يظهر في الأفق نوء كثيف و البروق تلمع من تحته.. فتختلف التكهنات بشأنه.. من قائل إنه صار على وشك الهطول و من قائل إنه قد انتهى و صفا الجو منه...

و بين هذا و ذاك تشرئب نفس الشاعر إلى دعاء القريب المجيب... و التنويه بحب ذلك الوكر على تلك النفس الشاعرة بخلو المكان من قاطنيه... و تغيب عين صاحب الوكر و أثره حتى لا يكاد يتحدث عنه أنيس و لا داع و لا مجيب..

تلطف بي يوم ال نصبح

فوكير ألي بغرامو شح

إدبش لكَياطين امطرح

مزالو فعكَاب الكلفه

تتخالف دوارت لبلح

فزوال اتكَل الخلفه

يطلع نو اكبير امَرَح

و البراكَه تحتو ردفه

بين ألي إكَول النو إصلح

ؤ بين ألي إكَول النو إصف

عفوك يا عظيم الجاه

مغلاه أوكير إبان إحف

ؤ معود غلايو ما لاهي

ترتد امن أخبارو نتف...

فعلا.. لن يتحدث متحدث عمن حبب الوكر... لأن النص حسب بعض الآراء يمثل رثاء لذلك الانسان الغائب عينا و الغائب ذكرا...

يقول ابن عبدون الأندلسي:

الدهر يفجع بعد العين بالأثر

فما البكاء على الأشباح و الصور....

2- قطعة الصبر عن ( منه):

يصرح إبراهيم في هذه القطعة، إن صحت نسبتها إليه بأسماء أعلام إنسانية و مكانية... و يبدأ من ذلك بذكر ( منه).. التي نفد صبره عنها عندما ظهرت له أماكن شكلت "منبها شرطيا" ( كما يقول باقلوف) لتذكرها.. مثل اتويكَرنيت و سواد جبل أغشكَوكَيت.. و يبين أن صبره عنها مشروط بالنأي عن أماكن تذكر بها... يقول:

أفات الصبره عن منه

ي العكَل امنين اتويكَرنيت

بانت.. و إدور إبان إنَ

من تل اكحال أغشكَوكَيت

صبري عن منه باش اتريد

فخلاكَي ي الحي المجيد

ألا ف انتم اف وكر ابعيد

امن اغوديت ؤ فيه اهنيت

و ال بعد انواشيد إزيد

بيه إعلي مول التيليت

و إعود أغوديت إمركَ ليد

غير امنين إعود أغوديت

إنشوفو و إنشوف إنواشيد

و ال فيدي شوف أغلمبيت...

أفات الصبره....

3- صراع الجبل و الكثيب في قطعة:

و اللهِ ما مَركَ تشواشْ

إعليَ ي الحي اللطيف

الحمره و إحسي أرماشْ

و اكَريكَيره نوبت لخريفْ

و أحزملي من ذاك أزِوازْ

الخرزه و المنكَر و إحزازْ

كديتْ كَبو ف امنين انحاز

مسو عن لبياظ اتشكريف

كَاعد لو من شركَ أبراز

لاحكَ ف الزيره لغراذيف...

فالمنظر المؤسف عند إبراهيم يتمثل في هروب جبل كَبو عن بياض الكثيب المهدد له.. و لئن نجا جبل كَبو فإن جبل أبراز قد اصطاده الكثيب و بدأ يبتلعه حتى وصل فيه درجة الاختناق...

فالصراع ببن عوامل التعرية و شموخ الجبل الأرعن هو ما يؤسف الشاعر الذي لربما رأى نفسه تجسيدا لذلك الصراع... كما استطرد الشعراء، يوما، في وصف مشهد طبيعي و صوروا معاناتهم من خلال معاناته... يقول النابغة الذبياني:

... أسرت عليه من الجوزاء سارية

تزجي الشمالُ عليه جامد البرَدِ

فارتاع من صوت كلابٍ فبات له

طوع الشوامت من خوفِ و من صرد...

فوصف معاناة الثور الوحشي الذي ينزل عليه مطر قاس و هبتْ عليه شمالٌ زعزعٌ .. و إذا به، و هو في تلك الحالة لا يستطيع حراكا من البرد و الجوع، يسمع صوت صياد له كلاب ضارية... فبات بين الخوف و البرد.. مما أقر عين الشوامت به... تماما كما النابغة المتوعد من النعمان بالقتل و المقطوع الرزق من هداياه و مع كل ذلك يتسلط عليه الوشاة و الحساد... فيشمت به أعداؤه...

فهل كان الأمير إبراهيم في هذا الموقف؟

لا شك أن ارتباطه بأرض تكانت في شماليها، حيث مضارب أخواله في مجال يمتد من (تيشيت) إلى ( لمريه) يجعله يجد نفسه في ذلك المكان و يتعاطف معه لدرجة التلاحم...

و في الختام...

لا نكاد ننهي الحديث عن شعر الأمير و نماذجه حتى نلفت انتباه قرائنا الكرام إلى أننا لم تستوف هذه النماذج من التعليق و التحليل.. كما أننا تركنا، لدافع منهجي، الحديث عن مقطوعات له أخرى لا تقل أدبية عما أوردناه... و حسبنا أن نكون قد نفضنا الغبار عن شعر أمير متمرد صاحب نفس كريمة... اقتدى بأبيه في كل ذلك... فهو عدي في اقتدائه به... " و من يشابه أبه فما ظلمْ..."

سيدي محمد متالي