إعلان

حدثت "الغظفه" فقالت

أحد, 10/31/2021 - 01:41

(في تأبين فقيد الوطن الوالد المؤسس أحمد ول أبا ول أمين "Pepe")
فجعت وأنا خارج البلاد برحيل والدنا وفخرنا أحمد ول ابا ول امين أحد أبرز رموز وبناة ومؤسسي موريتانيا وأثناء تفكيري من أين وكيف ابدأ الحديث عن شخصية بحجم "Pepe "وكيف  لأصاغر الأصاغر من امثالي أن يكتبوا عن شخصية من أكابر الأكابر  بحجمه  إذ هاتفتني من التاريخ  سيارة "Pepe " قائلة" أنا من سيتحدث عن سيدي أحمد ول ابا ول أمين" فحدثت "الغظفه"  فقالت: 
لم يدر في خلد ملاك المصنع الذي صنعت فيه ولا قبطان السفينة التي صدرت على متنها إلى إفريقيا ولا الوكالة التي ركنت فيها إلى جانب أخواتي السيارات من نوع لاندروفر أنني بمجرد وصولي إلى انواكشوط " شلت راص انعامه " حين وقعت في سهم سيدي وفخري أحمد ول ابا ول امين ول محمد ول محمذن  ول محم ول ابوبا ول ماهي ول سيدي الفال لامه باته منت سيدي ول محمد ول ألمين ول محم ول ابو الحس ول المزضف ول سيدي الفال .
واذا كان الجد الأعلى ل "Pepe " العلامة  محم ول ابوبا قد لقب ب "عرگاب العلم" لكونه عرگُب حكما لعلماء منطقته   فقد عرگُبت أنا باقي السيارات لكثرة ما أسدى سيدي على متني من حسنات وجبر للخواطر حتى أطلق السكان  علي لقب " الغظفه" بكل ما يحمله ويعنيه هذا اللقب من معنى لدى الموريتانيين من إعجاب وامتنان لمن تحلى بصفة " لغظوفيه " عندهم  فلا يمكنني إحصاء من حملت من عائلات من وإلى العاصمة ومن طلبة من وإلى معهد بوتليمت ومن ميت إلى لحده  في ستينات  وسبعينيات القرن الماضي حيث لا طرق معبدة ولا سيارات متوفرة.
 خلال حديث الراكبين عن تاريخ "Pepe " علمت أن والده توفي عنه  ولما يتم سنته الثالثة من العمر الى الدار الآخرة  فقال عنه خاله الولي الصالح محمذني ول سيدي ول محمد " من " علما  انه سيكون " ناقة صالح " وسيجري الله على يده من منافع المسلمين مالا يعد ولا يحصى" وفعلا لا يمكنني حساب ما كنت شاهدة عليه من خدمة "Pepe "للناس  وسعيه في مصالح المسلمين  فقد جعل مني دابة تصبح على الحسنات وتمسي عليها وبمجرد أن اشعر بالمفتاح يعمل في المقود اعلم أنني بصدد رحلة  لوجه الله الأكثر فيها أنها للغير فالأقل نصيبا في خدماتي وأكثرها تأجيلا هي مصالح سيدي الخاصة وعائلته المباشرة .
كنت شاهدة على مسار سيدى "Pepe " الوظيفي فكان أول إداري في الخمسينات وعمل واليا وحاكما وقائد منطقة وكان أول رئيس للمحكمة العليا وتقاعد مديرا عاما للخطوط الجوية الموريتانية في أوج ازدهارها وعطائها وكان رحمه الله من الذين ساهموا وشاركوا في بناء كيان موريتانيا المستقل في ستينات القرن الماضي  واشرف في جميع المناطق التي عين فيها إما حاكما او واليا على تشجيع التمدرس في صفوف أهل البادية حيث نقلته إلى مختلف " الفركان" والقرى والتجمعات السكنية فلم تثنه رحمه الله وعورة الطريق ولا أجواء المناخ الحارة في غياب التكييف في السيارات آنذاك من تحقيق الهدف المنشود وهو إقناع الموريتانيين بضرورة التمدرس وأهمية التعليم وقد تجلى ذلك في بنائه على نفقته الشخصية لبعض أقسام أول مدرسة في قرية التاكلالت التي تم بنائها على نفقة بعض أبناء القرية الشخصية وكان سيدى "Pepe " من ضمنهم . 
في كل رحلة لنا كان هدف  "Pepe " الاسمى هو دعاؤه الخالد بالفوز ب "رضا مولانا الأعظم" فلم تعرف عجلاتي معه إلى الحرام طريقا ولم أيسر لمرتكبه سبيلا فقد جعلني وقفا على منافع المسلمين ومطية للدار الآخرة. 
لا يمكنني أن أنسى توقفنا الدائم في لفريك أمام خيمة القاضي ألمين بن سيدي رحمه الله  ودخول "Pepe " إلى القاضي وتفقده لأحواله وهو ما خلده القاضي بقوله واصفا برور"Pepe "  :
 يعرف كد اللي اهمني @
وكل انهار وذا ماشي
يكعد فوكي واشمني @
واسول عن معاشي
ولما سئل القاضي عن مواصفات البرور التي ينبغي ان يكون عليها المسلم حتي يؤدي حق والديه اشار الي "Pepe "  قائلا" البرور ذ هو" 
وكما كنت  حبسا على "passagers " كما كان يحلو للبعض نسبتهم الي قائلين " باصاجت الغظفه " كنت كذلك مخصصة  لحمل  تموينات من  المواد الغذائية والصدقات والهدايا والهبات التي كان يحملها علي سيدي باستمرار إلى من استأمنني على كتم أمرهم وحفظ سرهم وسأحتفظ بذلك للغظفه.
تواصل "الغظفه" الحديث عن "Pepe "  فتقول  
بلغت أوج عطائي في سنوات الجفاف الذي ضرب موريتانيا في أواخر ستينيات وسبعينيات القرن الماضي  وهي فترة عرفت بسنوات الرمادة والجفاف الذي لم يبق ولم يذر فقد حولني سيدي إلى خلية نحل لا تفتر عن العمل ليل نهار حيث لعبت دور سيارة نقل مجانية من و إلى التاكلالت أنقل الطلاب و"الديماسه" والمواد الغذائية الضرورية ورسائل الموظفين إلي الأهالي في التاكلالت .في تلك الفترة صرت وبحق اسما على مسمى غظفه وأنا فعلا غظفه كيف لا وانا سيارة  "Pepe "  والأثر يدل على صاحب الأثر.
طوال مقامي مع سيدي عانيت من منافسين شرسين تزاحما معي على لقب "الغظفه" في حياة  "Pepe " هما  دار "Pepe و"  لبنة دراعته"  فكلما توقفت بالركاب أمام منزل سيدى وأنا افتخر بما أسداه على متني من مكارم أتفاجأ بأن المنزل قد تحول إلى قصر للضيافة تسكنه مختلف القبائل والعائلات وتخرج منه مختلف الأطر والدكاترة وكل احد منهم يظن أنه الأفضل والأعز لديه وكان قلب  "Pepe "  يسع الجميع . 
اما لبنة   "Pepe "   فلم تكن " الفظه " تمضي فيها أكثر من الوقت الذي تدخلها فيه فيد سيدي تخرجها حالا   ليقسمها في الحال على مستحقيها من أقارب وجيران وغرباء وشعراء وسائقين وغيرهم .
تضيف الغظفه قائلة :
عند الساعة  الثانية  زوالا من يوم الخميس الموافق للواحد والعشرين من شهر "ربيع الاول " إرتقى سيدي "Pepe الي ما كان يعمل طوال حياته من أجله وجهزه وصلى عليه في جامع ابن عباس مفخرة العصر والأوان  شيخنا العلامة اباه ول عبد الله حفظه الله ورعاه.
 وفي ليلة الجمعة الموافق للثاني والعشرين من شهر ربيع الأول انطلق موكب مهيب من جامع ابن عباس ليشيع "Pepe إلي مثواه الأخير ب "تنيخلف"   وإن كنت  قد حزنت لأنني لم أحمل  سيدي  ومالكي إلى روضة من رياض الجنة بإذن الله  حيث صرت جزءا من التاريخ  إلا إنني شعرت بوجودي في كل سيارة من تلك السيارات التي إنتظمت في ذلك الموكب فأصحاب هذه السيارات هم إما أن يكونوا  ممن حملت ذات يوم  على متني أو أبنائهم وأدركت أنني وان كنت  سيارة قد  تم إهلاكها وانقضى عمرها الافتراضي محاسبيا  إلا أن "الغظفة " بقيت خالدة في الأذهان  لم تمت ببركة مالكها "    Pepe وسعيه و"ما هي بأولى بركاتكم علينا يا آل أبي بكر" .
توقفت الغظفه عن الكلام متأثرة ويبدو أن الصبح قد اقترب وقررت قطع الاتصال فسألتها : لقد تحدثت عن مختلف المحطات التي جمعتك بسيدك ومالكك إلا محطة واحدة تعتبر من أهم المحطات وأكثرها تميزا في حياة والدنا وأهمية عنده وهي علاقته المتميزة والروحية بشيخنا ووالدنا السيد أحمد ول عبد الله ول اباه رحمهم الله فقالت الغظفة:  
فكان ما كان مما لست أذكره@  فظن خيرا ولا تسأل عن الخبر 
ثم غيرت الموضوع قائلة نحن في شهر ربيع الأول شهر المولد النبوي الشريف والفجر قد اقترب فلنعط السيرة النبوية حقها ثم قالت 
رحم الله حسان ما أصدق قوله في سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه :
وكان حب الرسول قد علموا  @ من البرية لم يعدل به رجلا 
ثم أغلقت الخط وعادت إلى موقعها من التاريخ . 
برحيل والدنا  "peppe) يسدل الستار على جيل   من أهل التاكلالت  ساهموا  في تأسيس هذه الدولة وتركوا بصمات مضيئة ومشرفة  في تاريخ موريتانيا  الحديث.  
ولا أجد  أبلغ  من قول  الشاعر  في وصف  رحيل  سيدنا  ووالدنا  وفخرنا Pepe :
  إن عبد الحميد يوم تولى @ هد ركن ما كان بالمهدود 
مادرى نعشه ولاحاملوه @ ماعلى النعش من عفاف وجود
إنا لله وإنا إليه راجعون
منت اميحيم