إعلان

تِزِكْرَارْ السِّتيِّ (الجزء الثاني) / يعقوب بن اليدالي

سبت, 04/01/2023 - 01:12

****
يبدأ المراهقون تنمية مهاراتهم في مجال التقليد بعد سن البلوغ، ويبلغون ذروة "لحمار" في حدود العشرين،  ويعتزلون تلك الهواية في سن الثلاثين، وغالبا  لا يتجاوز عدد فكاهيي العصر الواحد اثنين أوثلاثة، وتعقد الجلسات الترفيهية في إطار العصر ولايحضرها الصغار، وقد يتابعها خلسة بعض كبار السن من وراء حجاب، فالخيم كانت آنذاك هي سكن معظم الأسر، وتجدر الإشارة إلى أن المحاكاة التي يقوم بها أولئك المراهقون لا تدخل في مجال أكل الغيبة المنهي عنه شرعاً، فالشخصيات التي يتم تقليدها تضحك من ذكرها عن ظهر غيب ولا تكرهه، فهو مجرد إسقاط افتراضي لطبيعة الشخصية في الواقع، ويدخل في إطار الترفيه والإحماض، وقل أن يخلو منه حي من الأحياء الإيكيدية، وبنو ديمان حجازيو الهوى كما هو معروف. 
 
بات الفتى بل بن ديد يفكر في طلب صديقه، ولما اجتمع أعضاء عصر لسياد للسمر، افتتح الجلسة قائلا: إن اعتزال عصر الوسط لإمامة مسجد انيفرار، وخلافة "لمغيسل " لهم يعتبر حدثاُ تاريخياً بارزاً،  ولا يمكن أن يمر دون أن يتم تخليده في رواية افتراضية طريفة، يلهو بها السمار ويتناقلها الأجيال، والأهم أن تحوز على رضى الشيوخ،  وبما أن القرآن الكريم معظم منزه عن اللعب واللهو، وقياساً على مقولة  أهل التصوف إنه لو صحت الصلاة بشيء غير القرآن لصحت بحكم ابن عطاء الله، فقد فكرت في إقامة "تزكرار" من ديوان الشعراء الستة الجاهليين، فضحك أعضاء لسياد وأشادوا بالفكرة غير النمطية، ثم أردف بل قائلا لقد قمت بانتخاب مختارات شعرية تتناغم مع طبائع الشخصيات التي تم اختيارها، ثم قرأ المنتخبات الشعرية على أصدقائه فطربوا لها ، واتفقوا على انسجامها مع الشخصيات المختارة، ثم اتفقوا جميعا على التكتكم على الموضوع، حتى يتسنى لصديقهم المبدع التاه بن حلاب استكمال حفظ المقطعات، والتفكير في طريقة كوميدية لأداء تزكرار بالشعر. 

 لم يمض وقت طويل، حتى طلب التاه بن حلاب من أصدقائه القيام بنزهة ليلية خارج الحي، ثم أدى "لبروفات الأولى" أمامهم ،فدخلوا في موجة عارمة من الضحك، ثم أضاف كل من بل بن ديدِ وعبدو بن بك بعض المقترحات الفنية واللمسات الطريفة، واتفقوا على أن يواصل التاه التدريب حتى يتمكن من أداء تزكرار عن ظهر قلب. 

في الليلة الموالية، اختار لسياد خيمة "تاتي بنت الولاية" لأداء تزكرار الستي، وكان السبب في ذلك هو أنها رحمها الله كانت بمثابة الوسيط المؤتمن بينهم مع الشيوخ، كما أن موقع الخيمة الاستراتيجي يمكن أغلب ساكنة الحي من متابعة عرض مسرحية لسياد الجديدة .  

وقف التاه بن حلاب يرتدي دراعة بيضاء واعتمر رداء أسود أداره حول رأسه بهدوء تام،  ثم بسط الهيدورة، وبدأ محاكاة أغباد الشيخ القارئ سيد محمد بن النجيب، وهو يقرأ الأبيات التالية من  لامية امرئ القيس:  

ألا عم صباحاً أيها الطلل البالي  * وهل يعمن من كان في العُصُر الخالي 
وهل يعمن إلا سعيد مخلد * قليل الهموم ما يبيت بأوجال 
وهل يعمن من كان أحدث عهده * ثلاثين شهراً في ثلاثة أحوال 
ديار لسلمى عافيات بذي خال ** ألحَّ عليها كل أسحم هطَّال
  وتحسب سلمى لا تزال ترى طلا * من الوحش أو بيضا بميشاء شملال 
وتحسب سلمى لا تزال كعهدنا * بواد الخزامى أو على رسّ أو عال 
ليالي سلمى إذ تريك منصباً * وجيداً كجيد الرئم ليس بمعطال 

ما إن انتهى المقطع الأول من المسرحية، حتى دخل زملاؤه في موجة هستيرية من الضحك، والتحق بهم العديد من الشباب، وأخذ المبدع التاه يهيء الاكسسوارات اللازمة لمحاكاة الشيخ الحافظ امحمد بن اسنيد ، ثم كبر فحسب الناس أن أهل لمسيد قد أعادوا صلاة التراويح، ثم شرع يترنم برائية الملك الضليل الجميلة: 
 
سما لك شوق بعدما كان أقصرا * وحلت سليمى بطن قو فعرعرا 
كنانية بانت وفي الصدر ودُّها * مجارة غسان والحيّ يعمرا 
بعيني ظعن الحي لما تحمَّلوا * لدى جانب الأفلاج من جنب تيمرى 
فشبهتهم في الآل لما تكمشوا * حدائق دوم أو سفيناً مقيراً 
أو المكرعات من نخيل ابن يامن * دوين الصفا اللائي يلين المشقرا
سوامق جبار أثيث فروعه * وعالين قنواً من البسر أحمرا 
حمته بنوا الربداء من آل يامن * بأسيافهم حتى أقوَّ وأوقرا 
وأرضى بني الربداء واعتم زهوه * وأكمامه حتى إذا ما تهصرا 
أطافت به جيلان عند قطاعه * تردد فيه العين حتى تحيرا 

يتواصل بإذن الله

يعقوب بن اليدالي