عبد الله العالي
(تدوينة)
بلاد #المغرب : كيف أصبحت كلمة #القِبلة مرادفا لكلمة #الجنوب ؟
"القِبلة" بكسر القاف هي الكعبة، كما ورد في معجم الدوحة التاريخيّ للغة العربية الذي يوضح أن أقدم شاهد على استخدام الكلمة يعود إلى أكثر من خمسين سنة قبل الهجرة النبوية أي سنة 573 ميلادية، وذلك الشاهد مضمن في أبيات منسوبة إلى عبد المطلب بن هاشم القرشي يقول فيها، إبان غزو أبرهة الحبشي للحجاز، : "إنْ كُنْتَ تَارِكَهُمْ وقِبْلَتَنَا .. فَأَمْرٌ مَا بَدَا لَكْ."
وفي السنة الأولى من الهجرة النبوية، أصبحت الكعبة هي القبلة أي الوجهة التي يتجه إليها المسلم أثناء الصلاة، امتثالا للآية القرآنية: "قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ".
ويستدل المعجم المذكور بنص لإبن قتيبة من القرن التاسع الميلادي لتحديد معنى القبلة في علم الفلك : "الِاتِّجَاهُ نَحْوَ الكَعْبَةِ الَّذِي يُحَدِّدُهُ الحِسَابُ الفَلَكِيُّ بِنَاءً عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِالنَّجْمِ القُطْبِيِّ الجَدْيِ، وَيَتَحَدَّدُ هَذَا الِاتِّجَاهُ بِمَعْرِفَةِ سَمْتِ القِبْلَةِ لِكُلَّ بَلَدٍ."
وعلى هذا الأساس، قد يتطابق، في بعض البلدان، التوجه نحو القبلة مع قصد الجنوب. ولكن هذا ليس حال سكان المغرب الأقصى الذين يولون وجوههم شطر الشرق أثناء الصلاة.
لذا يتساءل المرء، كيف أصبحت كلمة "القبلة" مرادفاً لكلمة "الجنوب" منذ ما لا يقل عن تسعمائة سنة في هذا الركن الشمالي الغربي من القارة الإفريقية؟
ألا نجد محمد إبن تومرت، إمام الدعوة الموحدية، يتوعد، في القرن الثاني عشر الميلادي، قبائل الصحراء الواقعة جنوب المملكة المغربية الحالية وهي عشائر كانت، حينها، وفية لحكم خصومه المرابطين؟ ألم يخاطبهم قائلا: "ويل لأهل السوس وجيرانهم كزولة الكست ولمطة وأهل القبلة كافة"؟
ألا نجد، قبل ذلك، أن أكبر شخصية تاريخية من "أهل القبلة" بمفهوم إبن تومرت -وأعني بتلك الشخصية أعظم أمراء دولة المرابطين يوسف بن تاشفين- أوصى إبنه وخليفته على بن يوسف "ألا يهيج أهل جبل درن (الأطلس) ومن من ورائه من المصامدة وأهل القبلة"؟
ألا نجد، لدى الموريتانيين الحاليين، أن مقابل كلمة "الجنوب"، في لهجتهم الحسانية، هو "الگبلة" وأنهم يطلقون على سكان المنطقة الجنوبية من بلادهم تسمية "أهل الگبلة"؟
إذا كيف حصل هذا التطور الدلالي لكلمة "القبلة"؟
إليكم الإجابة التي أتحفنا بها الباحثان السوري سهيل زكار والمغربي عبد القادر زمامه في تحقيقهما ل " كتاب الحلل الموشية في ذكر الأخبار المراكشية" الذي حرره مؤلف أندلسي مجهول من أهل القرن الثامن الهجري. يجزم المحققان أن عبارة "أهل القبلة" الواردة في وصية يوسف بن تاشفين تعني "أهل جنوب الغرب (أي المغرب)" وأنها، في الأصل، «اصطلاح شامي، جُلب إلى المغرب وطُبق فيه، ذلك أن قبلة أهل الشام إلى الجنوب»
