إعلان

الخوف / إبراهيم الأندلسي

أحد, 12/16/2018 - 16:33

قول برتراند أرثر ويليام راسل ‏ إيرل راسل الثالث، الفيلسوف و عالم المنطق و الرياضيات والمؤرخ و الناقد الاجتماعي البريطاني :

‏" الخوف هو المصدر الأساسي للخرافات، وأحد أهم مصادر القسوة، لذا فالانتصار على الخوف هو بداية الحكمة ! "

الخَوف كلمة بحجم جبالٍ، صوتها ينطلق مِن طبقة الفزع الكُبرَى و ينتهي بالكَتم و القَطعِ، الخوف عالَمٌ مَجهولُهُ أكثر من مَعلومِه ، و ساحاته تتوسّعُ بلا حدود و لا اتجاه.
الخوف من ماذا؟ 
الخوف من المعلوم بصوَّرِه التي تفوق الحَصر و الخيالَ، أم من المجهول الذي يتفاعل طردا مع العالَم اللانهائيِّ ؟
يبدأ الخوف عادة من ساحة المُشاهدَة و يتكاثر بالتصوُّر و التَّخيل الذي يدخل في عالم المُشاهدة بشكلها المُطلَقِ، ثم ينتقل الخوفُ إلى السَّماعِ فيتقبَّلُ و يُصدِّق الحكايةَ و القصةَ و الخرافةَ، و يتصوَّرها السَّماعُ و يَعتقد صدقَها دون تَردُّد، و في مرحلة لاحِقة تُسعِف القراءةُ و المُطالعةُ عالَمَ الخوف فتزيد صوَّرَه و مجالاته و تُعمِّقُ وَقْعها في النفس لما للكتُبِ من قيمة سابقة في مُخيِّلةِ الشعوب و الأمم.
و الخوف يَخلق أنواعا أخرى من الخوف تختلِفُ عنه في الشّكلِ و المَضمون و المَجالِ، و لذلك فدراسته
في غاية التّعقِيد و الصُّعوبة.
و ينقسِمُ الخوفُ حسب مصدره إلى أنواع كثيرة، فالخوف من المَعلومِ المَعروفِ يتحدد حسب تأثير ذلك المَعلومِ و ضرره النفسي و الحسي و الاجتماعي و السياسي و الديني ...
أما الخوف من المَجهول فيتبع نوعية التصور الغائمة و القاتمة عن ذلك المَجهول ، و بذلك تكُون ساحة تفاعلِه أكبر ، و سرعة تشَكُّلِهِ و تغيُّره أوسع، لأنه لا يَعرف الشَّكل و لا الحجمَ و لا يقبَلُ المَقاييسَ و لا المسافات، و يرفض الحُدودَ و السّدودَ و الحواجز ، و من هنا تنمو الخرافةُ بشكلها المَصنوع و المُبتَكَر، و شكلها البدائيِّ الساذج، و شكلها الثالث الذي تخلقهُ طُرُقُ النَّقلِ و الرِّواية ، و ضَعفُ التوثيق و التّدقيقِ و التّمحِيص.

فما هي الخُرافَة ؟
و ما هو تأثيرها ؟
و هل لها أصلٌ ثابت؟
و كيف نواجهها؟
و مَن تَخدُمُ ؟

تعريف الخرافة عند الفلاسفة واسعٌ و عائم، فالخرافة عند بعضهم هي العالَم الذي تتعذر مُشاهدته، و عند آخرين كل ما لا يجدون القدرة على تبريره و تفسيره، و عند البعض ثقافة الآخر، بما تحمله كلمة الآخر من صدام و أحكامٍ أولية مُطلَقة شكَّلها الماضي و الرواية و الإعلام و زمرة 
المُغرضين و المخالفين.
هناك شِبه اتفاق على الجانب السادج من الخرافة ، و الذي لم تسلم منه الشعوب المُتقدِّمة المُمسكة بزمام القوة و الاقتصاد العالمي.
 أما الخرافة المَبثوثة لأغراض دينية أو سياسية أو اقتصادية ... فهي محمية حتى بأقلام مثقفين  يعلمون في قراراتِ أنفسهم زيفَها و الهدفَ منها، و هي ثقافة جديدة يُطلقُ عليها "صناعةُ الجهل " ،و الطريف أن من ضحاياها ساسة و مثقفون و مُفكرون و صفوة الأطباءِ و المهندسين و كثير من العامة.
أما علاقة الخوف بالقَسوة فهي علاقةٌ طَرْدِيُّةٌ، مثل الفِعلِ و رَدِّ الفعل و قاعدة التَّناسُبِ بينهما لكن في اتجاهاتٍ مُتعارضةِ،فاللينُ وَليدُ اللين كما تقول القواعد الفلسفية و الفكرية فَمَن لا يَملِكُ الشيءَ لا يُعطِيه، و كذلك القسوة وَليدة قسوة خارجية أو داخلية أو تخيُّلِيةٍ  مُتحكِّمة. 
و إذا اعتبرنا الخرافة سالبةً بأنواعها التي ذكرنا سابقا؛ الخرافة الساذجة ؛و الخرافة المصنوعة ؛و الخرافة المتشكلة من سوء النقلِ و الرواية
فهل للخرافة وَجْهٌ آخر أكثر إيجابية و سلمية من سابقيه ؟
لولا الخرافة لما وُلِدَ الخيالُ ، بشكله القصصي المُمتعِ، و جانبهِ المُوجِّهِ و المُؤطِّرِ، و الخيالُ العِلمِيُّ المُبتكِر.
و هذا الجانب الإيجابي من الخرافة يتِمُّ دائما إنكارُه و تجاهُلُه رغمَ وُجوده و فوائده العظيمة و الجليلة.

الخوف عند الفيلسوف "برتراند أرثر ويليام راسل ‏ إيرل راسل الثالث"
هو ذلك العنوان الكبير الذي نُعلِّقُ عليه جانبا كبيرا من القسوة ، و ذلك السَّد المنيع الذي بتسوُّره نصل إلى الحكمة و ربما النضج الفكري و العقلي، لكن صراع الجوانب المجهولة من هذا الخوف يجعل الحكمة مُعلَّقةً في السرابِ مما يجعل الحصول عليها من شبه المُستحيلات في واقعنا المُعاصر المُتشابك و الغامضِ.
قال الفيلسوف : إن الانتِصار على الخَوفِ هو بدايةُ الحِكمة، و الخوف هنا مصدر عام ، و الانتصار عليه بشكله العام ؛ معلومه و مجهوله، إن حصل صدفةً فهو مُجرَّدُ بدايةِ الحِكمة ، فهل يدخُلُ هذا في رأي "أينشتاين" بتعقِيد البسيط و المُعقَّد بدَلَ تبسيطهما و الذي هو الهدف من العِلم و المعرفة و العبقرية.

لعلَّ الكاتب الفيلسوف يقصد أن الانتصار على أيِّ نوعٍ أو جانب من جوانب الخوف في ميدان من ميادينه هو بدايةُ الحِكمة في ذلك الميدان، و هو انتصارٌ على القسوة في ذلك الاتجاه المعيَّنِ  ، و لعلَّهُ كذلك يقصد بالخُرافةِ التَّصوراتِ الجاهزة المُعرقِلة لعجلةِ النّموِّ و التّطوُّر، و التي تتَعارضُ مع أبسطِ مُقتضيات العقلِ و المَنطقِ ،التي تحمِل نوعا من القبول عند غالبية المُفكرين و سدنة الثقافة.