إعلان

التعريف ببعض حكام مدينة المذرذرة في عهد الاستعمار الفرنسي

أحد, 07/14/2019 - 02:20
الصورة: رسالة بخط الحاكم تيفينيو.

سيدي أحمد ولد الأمير

 

 

النقيب جان بابتيست تَيْفِينْيُو (Captaine Jean–Baptiste Théveniaut) المولود سنة 1870، إداري فرنسي وصاحب تجربة إدارية وعسكرية متنوعة. 
عمل ضابطا في الجيش الفرنسي في مدغشقر ثم في مالي حيث شارك في البعثة الاستعمارية الفرنسية المكلفة بترسيم الحدود بين الجزائر وموريتانيا ومالي بداية القرن العشرين، لكنه اختلف مع بعض الضباط المكلفين بنفس المهمة فاستقال سنة 1905 من وظيفته العسكرية ليصبح إداريا مدنيا وتم تعيينه في تلك السنة الإداري المتصرف في الترارزة الشرقية وقاعدتها بوتلميت حيث تعرف خلال مقامه في بوتلميت على الشيخ أحمدُّ بمبا أثناء نفيه في بتلميت. وفي تلك السنة قام بتنظيم وحدات الجمالة. وما لبث أن عين حاكما في المذرذره سنة واستمر بها حتى 1908. 
وخلال فترة تيفينيو بالمذرذره تم عقد مؤتمر عام للشيوخ والزعماء الموريتانيين في مدينة لِگْصَيْبَه المعروفة في الوثائق الفرنسية باسم بودور وهي مدينة سنغالية على ضفة النهر إلى الشرق من اندر بينهما 215 كلم. وكان ذلك المؤتمر تحت الإشراف المباشر للحاكم الفرنسي بإفريقيا الغربية أرنسيت روم (Ernest Roume) الذي كان قد تم تعيينه واليا عاما لفرنسا بإفريقيا الغربية من سنة 1903 إلى سنة 1907 وهي وظيفة بمثابة رئيس حكومة أو أكبر حيث كان يدير من مكتبه في دكار ثمانية دول هي: موريتانيا والسنغال ومالي وغينيا كناكري وساحل العاج والنيجر وفلتا العليا والتوغو والداهومي. وقد توفي روم سنة 1941. 
وكان لقاء روم بوفود القبائل الموريتانية سنة 1906 عند بودور أو لِگْصَيْبَه كما في نظم القاضي محمذن بن محمد فال الديماني امَّيَيْ علما (توفي يوم السبت 25 مايو 1966م) الشهير في التاريخ؛ حيث يقول في حوادث العام الرابع بعد العشرين (أي1324 للهجرة أي 1906 ميلادية):
وَفِيهِ لِگْصَيْبَه اسْتَقَلَّتْ زُمَرَا ۞ مِنْ فِتْيَةٍ وَشِيخَةٍ وَأُمَرَا
وَكَانَ فِي تِلْكَ الْجُمُوعِ "رُومُ" ۞ وَالنَّاسُ لَا يَدْرُونَ مَا يَرُومُ
وقد تحدث الشيخ سيدي محمد بن الشيخ أحمدُّ بن سليمان الديماني (توفي يوم الجمعة 28 رجب 1339هـ المواقف 8 إبريل 1921م عن 63 سنة) في رسالة له تتعلق بما جرى أثناء دخول المستعمر الفرنسي من تطورات ووقائع عن مؤتمر بودور أو لِگْصَيْبَه وما جرى فيه، وكيف قام حاكم المذرذره تيفينيو قبل انعقاد المؤتمر باستنهاض المجموعات القبلية لحضور هذا المؤتمر الجامع الحاسم.
ومن المعلوم أن تيفينيو كان قد طلب خلال إقامته في المذرذره من أعيان المنطقة تزويده بنصوص مكتوبة عن تاريخ المنطقة، فكان من بين ما حصل عليه ما أعطاه له الشيخ سعد بوه بن الشيخ محمد فاضل القلقمي (توفي في يوليو 1917) من نصوص وما أعطاه له الشيخ سيدي محمد بن الشيخ أحمدُّ بن سليمان الديماني من نصوص وكان الأخير قد كتب له رسالة في الأنساب مفيدة (قمت بتحقيق هذه الرسالة ونسرت في مجلة الوسيط في عددها الرابع الصادر عن المعهد الموريتاني للبحث العلمي سنة 1995)، وهي نصوص سينشرها الترجمان الجزائرية إسماعيل حامد (المتوفى بالرباط بالمغرب في 10 ديسمبر 1932م) تحت عنوان: نصوص من تاريخ الصحراء القصوى: وقد جمع فيها إسماعيل حامد خمسة نصوص وقدم لها وترجمها وألحق بترجمته إياها أصولها العربية وبعضها معروف ومتداول مثل: شيم الزوايا وأمر الولي ناصر الدين وكلاهما لمحمد اليدالي، وأنساب تشمشة لوالد بن خالنا الديماني. وقد نشر إسماعيل حامد مع هذه الكتب رسالة في التاريخ والأنساب للشيخ سيدي محمد بن الشيخ أحمدُّ ورسالة للشيخ سعد بوه في شأن المستكشفين الفرنسيين الذين دخلوا منطقة الگبلة وإينشيري وآدرار في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي. 
وفي سنة 1908 غادر تيفينيو المذرذره حيث تم تحويله إلى السنغال وهناك تم تعيينه حاكما لانجربل، وتزامن ذلك مع النفي الثالث للشيخ أحمدُّ بمبا وظل تَيْفِينْيُو في منصبه ذلك حتى تمت إقالته سنة 1913 بسبب بعض تدخلاته السافرة في سيرورة العلاقة بين الفرنسيين وأتباع الطريقة المريدية وهو تدخل لم يكن رؤساؤه في الإدارة الفرنسية بالسنغال يرضون عنه. وقد توفي تَيْفِينْيُو في 6 ديسمبر 1956.

_______
الصورة المرفقة: رسالة بخط الحاكم تيفينيو.

 

لويس آنْتُونيِنهْ: إداري فرنسي واسمه الكامل لويس فرانسوا آنْتُونيِنهْ (Louis François Antonin). تولى إدارة منطقة المذرذره سنة 1908 بعد تحويل حاكمها تَيْفِينْيُوهْ المذكور في التدوينة الأولى إلى السنغال. ويبدو لي أن آنْتُونيِنهْ استمر حاكما بها حتى سنة 1915 على الأقل، بدليل رسالة عندي نسختها الأصلية ويعود تاريخها لسنة 1915، وقد بعث بها أمير الترارزة أحمد سالم ولد إبراهيم السالم (توفي 28 ذي الحجة 1348 هجرية الموافق 25 مايو 1930 ودفن بالميمون)، بعث بها للوالي الفرنسي بمدينة سان لويس السنغالية لويس أوبيسيي (Louis Jules Albert Obissier) الذي كان نائب الدولة الفرنسية في أرض البيضان من مايو 1914 إلى 20 نوفمبر 1916. ويذكر ولد إبراهيم السالم في تلك الرسالة أنه لما عزم على كتابتها مر بالمذرذره فوجد السيد آنْتُونيِنهْ مريضا (انظر الصورة المرفقة).
وستتم ترقية آنْتُونيِنهْ بعد مقامه في المذرذره بزمن حيث سيصبح نائب الدولة الفرنسية في أرض البيضان في مدينة سان لويس السنغالية من 22 يونيو 1933 إلى 7 أبريل 1934، وبعد ذلك سيكون حاكما عاما لفرنسا بغينيا كوناكري.
ومن أشهر ما قام به آنْتُونيِنهْ خلال وجوده في المذرذره أنه كتب سلسة من التقارير الاستخبارية لأغلب أعلام المنطقة من زعماء ورؤساء، وتوجد نسخة من هذه التقارير بالأرشيف القومي بدكار، ولدي نسخ منها. 
وتظهر في الصور المرفقة مقتطعات من تقرير آنْتُونيِنهْ عن القاضي محمذن بن محمد فال اميي علما (توفي يوم السبت 25 مايو 1966م) وهو تقرير في أربع صفحات، وهو محرر في 20 ديسمبر 1912، ويظهر توقيع هذا الحاكم في أسفل ثالثتها، كما توجد بعض ملاحظاته عن اميي في صفحات التقرير، وهو نفس الإجراء الذي قام به آنْتُونيِنهْ في جميع تقاريره، وكنت قد تعرضت لبعضها في مقال لي منشور على الشبكة بعنوان. 
ومن أهم ما وقع من الأحداث بمنطقة المذرذره في فترة آنْتُونيِنهْ معركة الگويشيشي في 28 نوفمبر 1908، والگويشيشي موضع بمنطقة الزبار غرب المذرذره وقعت به معركة من معارك المقاومة بين أحمد ولد الديد (توفي في 30 أكتوبر 1944 ودفن عند بكافه وهو بئر من آبار قبيلة تاگنانتْ) ومعه البعض من الترارزة وأفراد من قبيلة الرگيبات وبين الفرنسيين بقيادة الرائد ربول (Lieutenant Jean Reboul). وكان ولد الديد بعيد النظر خبيرا في الروغان وعارفا بالمنطقة وتضاريسها فاستفاد بمهارة فائقة من كل هذه العناصر. فكمن في كثبان الزبار الساحلية التي تفصل الشاطئ الأطلسي عن سهل آفطوط. وقد مكنه ذلك الموقع الإستراتيجي من مراقبة حركة الجيش المهاجم. فاستطاع مع رفاقه بحكم تسديدهم الدقيق وإتقان الرماية أن يثخنوا الرماة السنغاليين بداية بالقتل. وقد قتل الضابط الفرنسي الرائد ربول برمية أصابت رأسه وهو يتقدم نحو المقاومين. 
وفي سنة 1909 طلب آنْتُونيِنهْ من ساكنة المذرذره الجمال، فصارت تلك السنة تعرف بالمنطقة باسم "دورتْ آزوازيل" جمع "آززال" أي الخصي وهو الجمل الأكثر استعمالا للركوب. وقد طلب آنْتُونيِنهْ ذلك الطلب كرها وغصبا من السكان لحمل المؤونة التي كانت تنقل إلى مختلف المراكز العسكرية الفرنسية داخل البلاد.
وفي سنة 1910 كانت مكاتبة الأمير أحمد ولد الديد. 
وتسمى سنة 1911 بالمنطقة "عام شرطة الجدري" وهو أول تلقيح عصري تعرفه موريتانيا وخاصة منطقة الترارزة. وقد خاف منه الناس وكانوا –جهلا وخوفا- يلوذون بالفرار أمام الفرقة الفرنسية التي تقوم بالتلقيح. ويعطون لهذه العملية الطيبة تفسيرات عديدة أهمها أن الفرنسيين يريدون تسميمهم.
كما عرفت هذه السنة 1910 زيارة العقيد باتي (Le colonel Henri Hippolyte Patey) للمذرذه وغيرها. وباتي ضابط فرنسي سام عين مفوضا عاما لموريتانيا في يناير 1910م وغادرها في مارس 1912م. وفي زمن العقيد "باتي" تم ترسيم نظام المساعدين العسكريين "گوميات" (Goumes) وقد اعتمِد في اكتتابهم على عناصر من القبائل الحسانية. وشكلت ثلاث مجموعات من "گوميات" واحدة بآدرار واثنتان بالترارزة. وتشكلت أربع فرق من الجمالة (Méhariste) إحداها في آدرار وأخرى في الترارزة وثالثة في تگانت ورابعة في العصابة. وعهد إليها بحراسة مداخل البلاد ومخارجها ومراقبة نشاط المقاومة. بينما تم تكليف شيوخ قبائل الزوايا بمهمات استخبارية وبتوفير وسائل النقل من جمال وثيران وحمير وغير ذلك مما يسهل عمليات تحرك الجيش الفرنسي. وقد ذكر القاضي اميي في تاريخه المنظوم زيارة العقيد باتي للمنطقة بقوله:
وعام تسع قد مضى في موكب ۞ دكتور للشرطة تحت المنكب
وذو الخطوط الخمس جاء والورى ۞ تسير من أمامه ومن ورا
وهم على السير ذوو إقبال ۞ وهْو بذاك السير لا يبالي.