«أَحِنُّ لِلزَّمَنِ الَّذِي وَدَّعتُهُ!»

اثنين, 05/18/2020 - 03:15

(قَصِيدَةٌ عَلَى مَقَامِ ضَادِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ)

 

ـــــ شعر يحيى الشيخ ـــــ

 

 

نَطَقَ الْغَرَامُ بِحُبِّ لَيْلَى مُذْ غَذَا

 قَيْسُ الْهَوَى بِغَرَامِهَا مَفْتُونَا

فِي التِّيهِ يَرْحَلُ هَائِمًا مُتَوَلِّهًا

بِالشِّعرِ يَلْهَجُ تَائِهًا مَجْنُونَا

وَكَقَيْسِ لَيْلَى الضَّادُ لِي وَجُنُونُهَا

 يُحْيِي جُنُونِي فِي الزَّمَانِ قُرُونَا

لُغَةٌ يَغِيبُ قَرِينُهَا مُتَخَفِّيًا

بَيْنَ اللُّغَاتِ فَلا تَرَاهُ قَرِينَا

تَفْنَى اللُّغَاتُ وَحَرْفُهَا مُتَوَهِّجٌ

 مَنْ خَطَّهُ أَضْحَى بِهِ مَسْكُونَا

اُكْتُبْ لِتَعْرِفَ أَنَّ يُمْنَاكَ الَّتِي

 كَتَبَتْ يَمِينًا أَكْسَبَتْكَ يَقِينَا

وَاقْرَأْ كَأَصْحَابِ الْيَمِينِ تِلاَوَةً

 لِتَرَى الْجِنَانَ وَقَد جَلَسْتَ يَمِينَا

وَلَكَمْ تُقَبِّلُنِي اللُّغَاتُ فَلا أَرَى

 فِي ذَوْقِهَا قُبَلاً وَلَوْ تِسْعِينَا!

اَلضَّادُ لِي لُغَةٌ مَتَى نَطَقَتْ بِهَا

 شَفَةُ اللُّغَاتِ غَدَا الْكَلامُ رَزِينَا

تُتْلَى بِهَا الْآيَاتُ كُلَّ دَقِيقَةٍ

مُذْ عَهْدِ أَحْمَدَ تَرْفُضُ التَّلْوِينَا

اَللهُ شَرَّفَ أُمَّةَ الْأَعْرَابِ إِذْ

بالضَّادِ أَوْحَى وَاصْطَفَى الْمَأْمُونَا

لَوْ شَاءَ بَاتَ الضَّادُ مُنْكَسِرًا كَمَا

 فَنِيَتْ لُغَاتٌ وَانْتَهَى مَدْفُونَا

لَكِنْ تَعَظَّمَ مُذْ غَدَا التَّنْزِيلُ فِي

طَيِّ الْحُرُوفِ كِتَابَنَا الْمَكْنُونَا

فَأَتَى الْكَلاَمُ مُحَصَّنًا بِجَلاَلِهِ

 وَمُبَجَّلاً لاَ يَقْبَلُ التَّلْوِينَا

وَحَبَاهُ بِالنَّحْوِ الْجَمِيلِ صِيَانَةً

كَيْ لاَ يَشِبَّ مُهَجَّنًا مَشْحُونَا

هَلْ كَانَ لِلْعَرَبِ الَّذِينَ تَقَدَّمُوا

 ذِكْرٌ يَظَلُّ مَدَى الزَّمَانِ حَصِينَا،

لَوْ لَمْ تَكُنْ لُغَةُ الْعُرُوبَةِ فِيهِمُـ[و]

 ضَادًا وَعِلْمًا فِي الصُّدُورِ مَصُونَا؟

لُغَةٌ تَدَاوَلَتِ الْعُلُومَ وَأَحْسَنَتْ

وَغَدَتْ بِفَضْلِ رِجَالِهَا تَلْقِينَا

عَطَبٌ بِهَا، قَالُوا وَلَيْسَ لَهَا غَدٌ

كَلُغَاتِ هَذَا الْغَربِ كَيْ تَحمِينَا

وَتَرَى أَمَازِيغًا وَكُرْدًا إِنْ أَتَى

 دَاعٍ يَسُبُّ إِلَهَنَا وَالدِّينَا

وَيَقُولُ: يَا عَرَبًا لَكُمْ لُغَةٌ هَوَتْ

زِدْتُمْ بِهَا فِي شَعْبِنَا تَمْكِينَا!

هَيَّا اخْرُجُوا مِنْ أَرْضِنَا وَتَعَلَّمُوا

لُغَةَ الْأَعَاجِمِ وَاهْجُرُوا وَادِينَا!

يَا خَيْبَتِي وَالفُرقَةُ الزَّرْقَاءُ فِي

 دَمِنَاِ يَدٌ كَمْ تَعْشَقُ السِّكِّينَا!

هَذِي الْعُرُوبَةُ تَنْحَنِي فِي ذِلَّةٍ

 مِنْ بَعْدِ عِزٍّ اِنْتَهَى مَلْعُونَا

نَهْوَى لُغَاتِ الْغَرْبِ نَخْطُبُ وُدَّهَا

وَنَقُولُ لَمَّا نَخْتَفِي: آمِينَا!

وَنَظَلُّ نَطْعَنُ فِي الْعُرُوبَةِ غِيلَةً

 لَكَأَنَّهَا قَيْدٌ لَوَى أَيْدِينَا!

هَلْ كَانَ هَذَا الْقُدْسُ يَنْدُبُ رَاكِعًا

 لَوْ نَحْنُ كُنَّا لِلشَّرِيفِ حُصُونَا؟

أَوْ كَانَ هَذَا الْحُبُّ فِي أَرْحَامِنَا

 يَنْمُو وَيَسْقُطُ فِي النُّزُولِ جَنِينَا؟

وَيَمُوتُ فِي الْعَرَبِ الَّذِينَ تَشَرَّدُوا

 إرْثٌ تَبَدَّدَ مُذْ غَدَا مَرْهُونَا

لُغَةَ الْعُرُوبَةِ أَيْنَ ضَادُكِ إِنَّهُ

 مُذْ غِبْتِ شُرِّدَ وَانْتَهَى مَغْبُونَا؟

وَلَكَمْ أَفِيقُ وَلَمْ أَنَمْ فِي وَحْدَتِي

 إِلاَّ دَقَائِقَ كُنَّ خِلْتُ سِنِينَا

فَأَحِنُّ لِلزَّمَنِ الَّذِي وَدَّعْتُهُ

 لَمَّا حَلُمْتُ وَكُنْتُنِي هَارُونَا

فِي عِزِّ مَمْلَكَتِي الْقَصَائِدُ لاَ تَنِي

 وَيَزِيدُهَا ضَادُ اللِّقَا تَزْيِينَا

وَأَرَى بِهَا كُتُبًا تَفِيضُ قَدَاسَةً

 لَمَّا يُلاَمِسُ جِلْدُهَا الْمَأْمُونَا

وَأَرَى، أَرَى بَغْدَادَ تَلْعَنُ فُرْسَهَا

 وَالْبَرمَكِيَّ مُكَبَّلاً مَسْجُونَا

وَأَرَى اللُّغَاتِ، إِذَا تَحَرَّكَ ضَادُنَا

 رَفْعًا، تُشَكَّلُ فِي الْبِنَاءِ سُكُونَا

وَأَرَى بِلادَ الرُّومِ تَخْشَى لاَءَنَا

 لَمَّا نُجَرِّدُ سَيْفَنَا الْمَسْنُونَا

اَلْحُلْمُ لِي ضَادِي الَّتِي ضَيَّعتُهَا

 فِي الْحُلْمِ لَمَّا قَد غَدَوْتُ مَهِينَا

لاَ تَسْأَلِي رَجُلاً تَمَلَّكَهُ الْهَوَى

 هَلْ أَنْصَفَتْ لُغَةُ الْهَوَى مَحْزُونَا؟

إِنِّي تُسَائِلُنِي الْكَوَارِثُ جُمْلَةً

 لِمَ يَنْتَهِي ضَادُ الزَّمَانِ لَعِينَا؟

وَلِمَ الْعُرُوبَةُ فِي الْبِلاَدِ مَصَائِبٌ،

 لُغَةٌ تَضِيعُ وَبَيْنَهَا مَاضِينَا؟

إِنِّي أَرَى لُغَتِي تَمُوتُ وَكَيْفَ لِي

 اَلاَّ أَكُونَ بِجَنْبِهَا مَكْفُونَا؟

فَالْحُبُّ يُولَدُ نَاعِمًا وَإِذَا اسْتَوَى

أَبّدًا يَنِزُّ فَجَائِعًا وَشُجُونَا

تَعِبَ الْهَوَى، سَيَظَلُّ حَبْلُكِ وَاصِلاً

 أَبَدَ الزَّمَانِ كَمَا اشْتَهَيْتِ مَتِينَا!

وَيَزِيدُ مِنْ فَرطِ الْغَرامِ تَوَهُّجًا

وَيَزِيدُنِي فِيكِ الْهَوَى تَحْصِينَا

لاَ تَظْلِمِي الْقَيْسَ الَّذِي سَأَكُونُهُ

إِنِّي عَشِقْتُكِ ثُمَّ زِدْتُ جُنُونَا

وَإِذَا الدُّمُوعُ سَقَتْكِ سَوْفَ أَكُونُهَا

عِنْدَ اللِّقَاءِ مَآقِيًا وَعُيُونَا

عَلَّ الْعُرُوبَةَ تَسْتَفِيقُ وَتَشْتَهِي

وَصْلاً قَضَى زَمَنَ الْغَرَامِ حَزِينَا

إِنِّي الْمُحِبُّ وَعَاذِلِي لِي كَمْ بَنَى

 بَيْنَ السُّجُونِ لِعَاشِقِيكِ سُجُونَا!

أَنْتِ الْقَصِيدَةُ فَاطْرُقِي بَابَ الْهَوَى

حَتَّى تُعِيدِي لِلْهَوَى التَّكْوِينَا!

 

 

باريس، بتاريخ 16 ماي 2020م