إعلان

جبريل صال : كلمة أبت إلا أن تقرأ و قصيدة أبت إلا أن تستمر​

جمعة, 08/25/2017 - 03:00

ولد جبريل زكريا صال في 23 من ابريل عام 1939 بروصو، ترارزة جنوب غربي موريتانيا، تنحدر عائلته ذات الأصول البولارية من منطقة هايري مبار في  لبراكنة  جنوب غرب موريتانيا، بين بوكي و كيهيدي . تابع دراساته الابتدائية في روصو، أطار ثم بوكي و جزء منها بدكار. ما بين عامي 1953 و 1960  تابع دراساته الثانوية في اعدادية كزافييه كابولاني بروصو ، المدرسة الشهيرة و التي خرجت النخبة الأولى في موريتانيا قبيل الإستقلال. تابع دراساته حتى وصل الباكلوريا التي لم يوفق في الحصول عليها، عام 1960  بدأ مشواره كمدرس متدرب. ليقرر الإلتحاق بمدرسة الشرطة  عام 1961 و يصبح مفتش. درس بالمدرسة الفيدرالية للشرطة بدكار ثم بالمدرسة العليا للشرطة في سين سير في منطقة قريبة من مدينة ليون بفرنسا.

عام 1965 أصبح المفتش صار مفوض شرطة ، مارس مهمته كمفوض في روصو و زويرات و اطار و نواكشوط قبل أن يصبح  قائد الفرقة المتنقلة في منطقة الشرق. كانت أول بدايات صال مع الشهر في  شهر اكتوبر من عام 1967 حينما كان مفوض شرطة في روصو، كان الليل من يقرض شعره و يقرضه الشعر، و كان الإلهام يسامره. بدأ بإرسال شعره إلى ليوبول سيدار سينغور رئيس الجمهورية السينغالية أنذاك، الذي نصحه بأن يترك شعر القافية و يكرس نفسه لشعر الأفارقة السود القائم على الإيقاع و الصورة. آخذا بعين الاعتبار هذه التوصيات واصل صال كتابة الشعر و إرساله إلى سينغور  الذي كان يقيم دوما نصوصه بنقد بناء. عام 1970 و بدعم من أول رئيس للجمهورية الإسلامية الموريتانية السيد المختار ولد داداه نشر صال مجموعته الشعرية الأولى من خلال الشركة الوطنية للصحافة و النشر و التي أصبحت لاحقا تسمى المطبعة الوطنية. أثناء تواجده في زويرات عام 1972 قرأ في الصحافة الفرنسية عن وجود مسابقة شعرية : مسابقة جزيرة الشعراء بليون ، التي شارك فيها بنصين سيحصد بهما بعد شهرين الجائزة الشرفية للمسابقة.

أصبح فيما بعد مديرا للمدرسة الوطنية للشرطة، ثم مديرا جهويا للأمن في منطقة ادرار، ثم مديرا للشرطة القضائية، فمديرا للأمن العام، ثم مديرا للمصادر البشرية و اللوجستيك في الإدارة العامة للأمن الوطني. بين عامي 1968 و 1979 شارك في جمعيات عامة متعددة للمنظمة الدولية للشرطية الجنائية إنتربول  في مناطق متعددة من العالم (إيران ، المكسيك، السويد، كندا ، بلجيكا…). عرف مرحلتين انتقاليتين هامتين في مسيرته المهنية :

الأولى كانت بين عامي 1975 و 1977 حيث التحق بوزارة الثقافة (على سبيل الإعارة) ثم تيني يوسف غي ليعمل على تحضير مهرجان فنون السود الذي تم تنظيمه عام 1977 في لاغوس بنيجيريا ، المهرجان الذي تمت فيه قراءة بعض نصوصه ، في هذه الفترة كان صال قد نشر مجموعته الثانية و الثالثة (1976 سويتو، 1977 المقبرة المتواصلة) و كان ذلك أيضا بدعم من رئيس الجمهورية حينها المختار ولد داداه.

عام 1975 حط الرحال بواشنطن حيث نشرت مجلة سود العالم بعض نصوصه مترجمة إلى الإنجليزية. تم تكريمه عام 1976 في مسابقة أدبية نظمت بواغادوغو وذلك حينما أرسلت المديرة الكاريزماتية المعروفة للمركز الثقافي الفرنسي بنواكشوط السيدة ديلاروزيير بعض نصوصه إلى هذه المسابقة. من وقتها بدأت الرقابة الحكومية  تسليط الضوء عليه.  على إثر نشره قصيدة بعنوان : واسطة    في جريدة الشعب الرسمية، التي كانت تطلب إليه باستمرار بعض نصوصه للنشر. تم على إثر ذلك حظر نشر نصوصه في موريتانيا بحجة عدم تماشيها مع وطيفته كمفوض للشرطة. في العام الموالي و 8 من فبراير عام 1978 بالتحديد تم استقبال جبريل صال من طرف الرئيس سينغور الذي جعله على اتصال بمستشاره الثقافي بيير كلاين. الأخير من جانبه ربط بين صال و  مجموعة من دور النشر  الإفريقية الجديدة في دكار و اختار هو نفسه النصوص التي ستكون في العمل القادم. مجموعة جبريل صال الرابعة و التي حملت عنوان : العيون العارية سترى النور في دكار.

المرحلة الانتقالية الثانية المهمة في حياة جبريل صال المهنية كانت الفترة ما بين عام 1982 و 1994 حيث التحق (على سبيل الإعارة) باللجنة الإقتصادية لدول غرب افريقيا ( CEDEAO) كمدير لقسم الشؤون الاجتماعية و الثقافية آخذا من لاغوس بنيجيريا مقر إقامته  ما أتاح له تحسين لغته الانجليزية، و طيلة فترة شغله المنصب قام بمهام في مناطق مختلفة من غرب افريقيا. بعد العودة من هذه المهمة التي استمرت 12 عاما تمت ترقية صال ليصبح مفوضا ساميا للشرطة، خمس سنوات بعد هذه الترقية تمت إحالة صال للتقاعد، شهر ابريل عام 1999. كانت 5 سنوات صعبة حيث عاشها عطلة اجبارية في قريبته هايري مبار   مدعية السلطات أنها ليس بحاجة لخدماته في الوقت الذي كان فيه جبريل صال من أعلى المفوضين رتبا و أكثرهم كفاءة في موريتانيا تلك الحقبة.

استفاد حينها من الشراكة بين قريبته و بلدية سين بنوا دي سولت في اندر بفرنسا، حيث نشر مجموعة جديدة بعنوان : أخاديد الأمل ، و كان صال سعيدا حين علم أن نصوصه تقرأ و تنشر في موريتانيا و ذلك من خلال المركز الثقافي الفرنسي حيث تم تنظيم مؤتمر حول أعماله حضره جمع من الأساتذة المحاضرين و كذلك بعض الأساتذة الذين درسوه و دعوه إلى فصول تدريسهم. قصيدته : القرية كانت موضوع امتحان بالجامعة . و قصيدته : الهاتف الجوال ، تتواجد الآن في كتاب السنة أولى ثانوية. كما تجدر الإشارة إلى أن صال حاول مع المسرح أيضا حيث كتب قطعتين مسرحيتين إحداهما كانت تعالج مشاكل الجوار عندما كان بزويرات و الآخرى صرخة  مدمن تعالج موضوع المخدرات .

كما كان له عديد أعمال أخرى من ضمنها : صوت الملائكة الذي تم نشره عام 1975 في الصفحة الأدبية لليومية السينغالية : ل سولي . كتب جبريل صال من وقت لآخر باللغة البولارية لغته الأم لسنتين أو ثلاثه، معترفا أنه بتلك الخطوة اكتشف الحرية في أن لا يكون فرنسيا كما كانوا يدرسونه دائما في المدرسة في نفس الوقت جعلته تلك الخطوة يكتشف الإمكانيات الأدبية في لغته الأم.

خبير سابق مرخص من محاكم نواكشوط جبريل صال عمل في نهاية حياته المهنية كخبير بشركة التأمين و إعادة التأمين (اتلانتيك لوندون غايت) بنواكشوط، متزوج متقاعد ، ساكن ركنه  في قريته هايري مبار حيث يستمر في الكتابة و يزرع حديقته و يناضل في الجمعية الموريتانية لحقوق الإنسان. أب ل 11 .

كتبه : مانويل بن غوشه

ترجمة : عبدالله أحمدمحمود

حقوق الترجمة محفوظة لموقع كلتريم

من نصوصه الشهيرة : سويتو ستصبح حرة

سَويتُو سَتٌصْبحٌ حُره

 

لذكرى ستيف بيكو ونلسون مانديلا

أنا إنسانُ كلِّ الألوان

كُلِّ الأوجاع

كُلِّ المعاناة

كُلِّ الشّقَاءِ

أنا إنسانٌ مِنْ كُلِّ الجهاتْ

غليظُ الشّفاهِ…مَفْتولُ العَضَلاَتْ

يَا طَالَمَا كَدحْتُ فِي فِلاَحَةِ الأرْضِ بِسَاعِدَيّ

بِمِعْوَلِي فَضَضْتُ بَكَارَة الحَقْل

وَنَفَذْتُ إلى أعمَاقِ الأرْضِ

لِأَنثُرَ بُذُورَ الإخاء في جَدَاولَ مِن أمَلْ

جُبْتُ تُخومَ الأرضَ مُعَانِدا كُلَّ الأحقاد

يا إلهي! كَمْ أنا مُنْهكٌ

سأبوحُ لكَ أيَّهُا الإنسَان

على قبري سأنقش اقتباسِيَ الأخير

مِنْ وَخْز الجُوعِ والظَّمَإ والألم والخوف

تَصَلَّبَتْ أصَابعي

صِدْقًا لَسْتُ بِكَاتِب

يكفيني فقط أن تعلموا أني نجوتُ

من قسوة الألمْ..من ذُلِّ الهزيمة…ومن مرارة الظلم

والنشوةِ السَّادية للْأعْدَاء

أولئك الذين يَضيرُهمْ وُجُودي وإرادتي

يكفينِي فقط أنْ تعْلمُوا

أنّيَ حَارَبْتُ الخَفِيَّ واللاَّمُدْرَك

رَغمَ تواطؤ الزَّمِنِ الهُلاَمِيّ

وأنّي شَهدْتُ ظِلّيَ يُوَارَى الثَّرَى

أنا إنسانُ كلِّ الألوان

كلِّ الأوجاع

كلِّ الصرخاتْ..كلِّ الآهَاتْ

أنَا بنُ الصَّبَا الهادئِ فِي رِيَاح الشَّرْق

والنّسيمِ العليلِ في رياحِ الغَرْب

أنا بنُ الحَرُورِ العَاصِفِ في رياح الشَّمَال

والسَّمُومِ النَّافِحِ في رياح الجنوب

وُلدْتُ تَحتَ زَخِّ المَطَر

تَحتَ لَهِيبِ الشَّمْسِ وصَرِيرِ الرّياح وصَقِيع البَرْد

وُلدْتُ في غَياهبِ الظُّلْمِ

حيْث يُشيّدُ الأبارتايْد قلاعا للطّاعُون

كأنَّ نُورَ القمرِ المُنْثَالَ عَلَى جَبْهَتي

أذْكَى في القَلْبِ توْقًا الى استعادة ما سلب الظلامُ

مِن بَريق وَجهيَ الشَّاحِبْ

أقسِمُ بالله

وبِاسْمِ كل القدِّيسين

أقسِمُ بِاسْمِ أبِي

أقسِمُ بِاسْمِ أُمِّي

أنْ أنتزعَ لنفسي مَوْطأَ قَدمِ فِي هَذا الوجُود

أقسِمُ أَنْ أبْقَى نَاسِكًا حَتَّى آخِرِ نَفَسْ

عن استباحة حُرْمَةِ إنسَان

أقسِمُ بالله

أنْ أبْقَى كَمَا أنَا فِي جَوْهرِي البَشريِّ

وَفِيًّا لِإخْوَتي فِي الأرْضِ

أقسِمُ أنْ أقُولَ: لاَ!

أنْ أقُولَ لا لكل ما يحطُّ مِنْ جَوهرِي البَشريِّ

إذْ أنَا الوُجُودُ المَنفيّ

والرُّعْبُ الألِيفُ

حَتى آخرِ فَصْلٍ في المأساة

أنا إنسانُ كلِّ الألوان

أنا بنُ الطَّاعَةِ

أنا بنُ الامتثال

أنا بنُ كُلّ الأعْرَاق

وُلِدْتُ تحت صَهَدِ الشّمس الحارقة

وُلِدْتُ تحت لهيب جحيمٍ

في لَمَعَانِ ألْفِ سَرَاب..

حيثُ الأرْضُ عطشى

واللظى لفحُ جحيم

والسّرابُ مَدُّ البَصَرْ

حيث لهيب الرَّمضاء يَفُتُّ الصَّخْرَ ويُذِيبُ الحَصَى..

يمتصّ العَرَقَ ويشرب الدّماءْ

فِي جنان مِنْ بِدْعِ الخَيَالْ

في جنان مِنْ نَسْجِ الأَمَلْ

أتُوقُ لاسْتكشافِ مَوْطنِ الإنْسَان

لأَرْمُقَ بفُضولٍ سَفْسَطةَ القلق

والانْحلاَلِ

والإعْيَاء

والهَلْوَسَة

ضَحِكتُ مُرَائياً فِي حُزْنٍ وخَيْبَةِ أمَلْ

سَمِعْتُ صَلِيلَ السَّلاَسِلِ وحَشْرجةَ الآلام الصادرةَ من أعماق أحزاني

أنا إنسانُ كُلِّ المُعَاناة

مُبْعَدٌ عِندَ مُفترَقِ طُرُق

مثقلٌ بالهُمُومِ والأحْزَان

فِي هذِهِ الأمكنةِ المُكتظَّةِ بِالبَشَرْ

أنَا إنسَانٌ مُتَوَرّطٌ..مجروحٌ..ومَغْدُور

يَبْهرُنِي اللاَّمَعْقُول… بِكَلِمَات مُتَلَعْثمَة

يُنَادِينِي الوَاقِع

لَسْتُ نَادِمًا علَى أيِّ شَيْء

عِشْتُ عُهْرَ حياتي مِثلَ الآخرين في “الغيتوهات”

مُدَوّرًا حَبَّاتِ سبُحَاتِى فِي التَّعفّنِ والعُبُودِيَّة

تَحمَّلْتُ السِّياطَ وكَدَحْتُ بِمَشقّةٍ دُونَ تَوقَّف

فِي الأَخِيرِ خَدَّرُونِي لِيُهِدّؤوا أعْصَابِي

وصَادَرُوا كلِمَاتِي

هَاُهمْ أؤلاَءِ مَنْ صَادَرُوا تَفْكِيرِي

هَاُهمْ أؤلاَءِ جَرّاحُوا ضميري

محتفلين مُسْبقًا بِمَوْتي عَلَى وَقْعِ نَاقُوسِ انْحِطاطِهِم

أنا إنسانُ كلِّ الألوان

كُلِّ المُعَانَاة…كُلِّ الجِرَاح

أنا إنسانُ كُلِّ الآفاق

البَحْرُ مَلاَذِي

أصْلُ المَاءِ المَالِحِ عَرَقِي

تحَدّبَاتٌ لاَ مُتَنَاهِيَةٌ لِلأمْوَاجِ في صَوْلاَتِها عَلَى البَرِّ

طَّحَالِبُ وَخَليطُ أعْشَابِ البَحْر فِي مَمْلَكةِ القنافذِ

تجّمعُ الأبرامِيس وأسماكِ القِرْش

تَصْفيقُ عُجُولِ البَحْر ذاتِ المناخِيرِ كالبَرَاكِينِ المُتَفَجّرة

وَهَا أنَا ذَا مِن جديد أخطبوطًا بأذرُعِ مُبَعْثرَة المِمَصَّات

أنَا عَيْنُ “السِّيكْلُوبْ” أَمَامَ عَظَمَة العَدَم

يبْتلِعُ الـمُـحِـيطُ الشَّمـْسَ ويَلْفِظُ الظَّلاَم

أنا المُتَطَفّل

وهَا هَوَ ذَا اللَّيْل

هَاهي ذِي الرَّاحَة

وَغَدًا يَبْدَأ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ جَدِيد

عبثٌ..عدَمٌ هِي الحيَاةُ

مِنْ حَوْلِي رَعْشَةُ رَذَاذٍ وَهَبّةُ نَسِيم

صُيَاحُ دِيكٍ وَصُفَّارَاتُ إِنْذَار

ابْتِسَامَاتٌ وَغثيَان

مَعْركةٌ مِنَ الصَّبَاحِ حَتَّى المَسَاء

مَعْركةُ الإنْسَانِيَة

مَعْركةُ يَوْمِ الحِسَاب

لكِنْ قَبْلَ يَوْمِ الحِسَاب

قَبْلَ هذه الاسْترَاحَةِ الأخِيرَة

لَدَيَّ مُتّسَعٌ مِنَ الوَقْتِ كَيْ أكُونَ

إنْسَانَ كُلِّ الألْوَان

إنْسَانَ كُلِّ الأعْرَاق

إنْسَانَ كُلِّ الظروف

عَبْرَ العَثَرَاتِ أرُيدُ تَلَمُّسَ يَدِ الرِّيَاح

كَيْ تُدَاعِبَ شَعْرِيَ المُجَعَّدَ

نَعَمْ أَقْسَمْتُ بالإخْلاَصِ لِأَرْضِي

آهِ! لَوْ بِاسْتطاعتِي تَقْطِيعُ الزَّمَنِ الرَّاكِد

فِي البِلاَدِ البَعِيدَةِ لِلْأحْلاَمِ المَجْهُولة

آهِ! لَوْ بِاسْتِطَاعَتِي التّنَازُلُ فِي أوْج العَاصِفَة

لَوْ بِاسْتِطَاعَتِي تَلَقّي الرَّكَلَاتِ بِصَمْتْ

لكنّي سَأَخْتَارُ تَمْزِيقَ المَرَاسِيمِ وانْتِهَاكَ الإِمْلاَءَات

سَأَخْتارُ أَنْ أَحْيَا حُرّا

أنَا إنْسَانُ كُلِّ الآلاَم

كُلِّ المَوَاكِب…كُلِّ الدّيَانَات

إنْسَانُ كُلِّ الاضْطهَادِ…إنْسَانُ كُلِّ الإكْرَاهَات

أريدُ إيقَافَ مستغلّي النَّاس

أريدُ شِفَــاءَ جِــرَاحَ النَّاس

أريدُ قَتْلَ قَتَلَةِ النَّاس

أريدُ إيقَافَ العَرْبَدَةِ وَمَنْعَ بَهجةِ مَصّاصِي الدّمَاء

أريدُ  مَنْعَ مُتْعَةِ مُغْتصِبي الضّمِير

أريدُ  الدِّفاعَ عَنْ إخْوَتِي المُسْتغَلّينَ

حَتّى آخِرِ رَمَق

لاَ!…للرّقَابَةِ المُتَنكّرَةِ فِي زِيِّ التَّحَرُّرِ

لاَ أريدُ أنْ أكونَ أضْحَوكة الحرّية

فِي الإلْغَاءِ المُوجِع

والاسْتِلاَبِ المُتَوَاطئ لِهُويتِي

غَدًا سَيكَونُ يوْمًا عَظيمًا

غَدًا ستكُفُّ الأجْسَادُ النَّائِمَةُ

والقلُوبُ المَجْروحَة عنِ الصّراخِ

والتّأوّه فِي البؤسِ

غَدًا سَينْبعِثُ الفرحُ مِنْ رَمَاد الرّعْب

غَدًا سَينْبعِثُ الفرحُ مِنْ رَمَادِ الكَرَاهية…مِنْ رَمَادِ احْتِقارِ الإنْسَان

أنَا إنْسَانُ كُلِّ الآلاَم

أخٌ لِكُلِّ البَشَر

صَديقٌ لِكُلِّ البَشَر

أنَا مُلْتَقَى كُلِّ الأفكَارِ المُثْلَى

مُنْذُ أوَّلِ الخَلْقِ وَحَتّى نِهَايَةِ المُعجِزَة

عِنْدَ مُلْتقَى المُفَارَقاتِ المُرَّةِ والمَلْعُونَة

عِنْدَ مُلْتَقَى النَّوَائِحِ المُنتَهَكة

تَحْتَ سُور العِفّة

أريدُ أنْ أسُدّ فُوهَة البُرْكَان بِراحَة يَدِي

لكيْ أوقِفَ الشرّ

أريدُ أنْ أفتحَ السُّجُونَ وأحِرّرَ المَحْكُومِينَ بِالْإِعدَام

لأنْهِيَ عَمَلَ السّيافِين

أريدُ أنْ أضْرِمَ النّارَ فِي السِّلاَح وأعلنَ مِيلاَدَ المُسَاوَاة

لكيْ يُزهرَ الفَرَح

وينْبثقَ الحُبُّ مِنْ جَدِيد

أريدُ أنْ أختِمَ بالشّمْع الأحْمَر أبْوابَ السّجون

أريدً أنْ أكسّر اللّيْل لِيولَدَ النَّهارُ قبْل أوَانِه

أريدُ أنْ أستأصلَ مِن الوُجود كلّ الشُّرُور

أريدُ أنْ أبْعَثَ ستيفْ بِيكُو حيًّا في سَوِيتُّو الحُرّة

وسطَ الرَّصَاص البَارِد للأبَارْتايْد المُحْتضَر

فِي أفياَء الحِكْمة الضّامنة لإفريقيا الأصَيلَة

فِي ظِلاَلِ شَجَرِ “الْكَايْلِيسَدْرَا”..فِي ظِلاَل الأيْكِ

وَفِي ظِلاَلِ شَجَرِ الدّومِ المُعمّرِ

غدًا..غدًا سويتو سَتُصْبحُ حُرّه..

نواكشوط ـ مايو (أيّار) ـ 1980

 

__________

 

إلى: أبُو كَتْيَلْ*

أَخِي…
أَكْتُبُ إِلَيْكَ مِنْ سَوِيتُو 
إِحْدَى كِيتٌوهَاتِ جَنٌوبِ إِفْرِيقْيَا 
الْحِبْرٌ لَيْسَ بَنَفْسَجِيًا
إِنّهُ أَحْمَر 
 بِلَوْنِ دِمَاءِ إِخْوَتِي 
الّذِينَ يٌكَافِحُونَ كُلّ يَوْم 
مِنْ أَجْلِ حٌرّيَةِ شَعْبِي 
مِدَادُ المِحْبَرَةِ دَمِي
وَسَهْمٌ القَوْسِ رِيشَتِي

طِفْلَ دِيمْبَكرُو…
مِنْ سَوِيتٌو حَيْثُ أَكْتٌب
نٌولَدُ بَالِغِينَ وَبِأَيْدِينَا السّلاَح
لِكَيْ نُحَرّرَ شَعْبَنَا 
طفل دِيمْبَكرُو…
فِي سَوِيتُو لَمْ يَعُدْ بِإِمْكَانِنَا المَوْت 
أَمْسَى المَوْتُ حَيَاتَنَا 
يُطَوٌقُنَا الأَبَارْتَايْد
لَمْ نَحْظَى بِطٌفٌولَة 
يَدُوسُونَنَا 
يَقْتُلُونَنَا 
يَمْنَعُونَنَا أَنْ نُوَارَى الثُرَى 
حَتًى أَرْضَنَا لَا تَحْظَى بِشَرَفِ احْتِضَانِ أجْسَادِنَا 
سَنُقَاتِل 
حَتٌى الْغَد 
حَيْثُ نُغُنِي نَشِيدَ حُرٌيٌتِنَا مُتَحَلٌقِينَ حَوْلَ النٌار

طِفْلَ دِيمْبَكرُو…
تَرَى اللٌطْخَةَ عَلَى الوَرَقَة 
هِيٌ مِنْ أَثَرِ دَمِ أَبِي 
الٌذِي اغْتاَلَهُ الأَبَارْتَايْد يَوْمَ أَمْس 
لَمْ أَبْكِي 
طِفْلَ دِيمْبَكرُو
قَبْلَهُ قَضَى آخَرُون
لَمْ تَبْقَى لدَيٌ دُمُوع لأَذْرِفَهَا

طِفل دِيمْبَكرُو 
أَنَا لاَ إسْم لِي 
أَنَا منْ سويتو 
وَأبْلغُ منَ العُمْر أرْبعَة عَشَر عَامَا
ابريل نيسان 1986

*أبو كتيل شقيق الشاعر

 

شعر:

جبريل زكريا صَالْ

 

ترجمة:

الحاج ولد ابراهيم

ملاي اعل ولد الحسن

 

المصدر: هنا