إعلان

من يوميات حطط / إبراهيم محمد أحمد (الأندلسي)

اثنين, 10/02/2017 - 20:15

بمناسبة يوم المعلم

 

اليوم الثاني 

دخل حطط في صباح اليوم الموالي وبدأ رحلة استكشاف داخل كل جوانب المدرسة من مرافق و أقسام و مكتب المدير تساعده قدرته على الانكماش و التمدد.
بدأ المدرس تنظيم الطلاب في الصف
و لأن حطط كان أقصر الجماعة فقد فاز حسب تصوره بالمركز الأول
و عليه أن يكون أكثر هدوءا 
بدأ يتفحص وجه المدرس وشكله
كان رجلا طويلا بقياس الرجال تعلوه سمرة خفيفة طويل الوجه أسفع الخدين لحيته خفيفة و يضع نظارات
كأنهما بقايا كؤرس الشاي و كان يلبس دراعة زرقاء خفيفة هي الأخرى يظهر تحتها سروال  قديم مربوط بنسع طويل يكاد يلامس التراب
و الأطفال يعرفونه جدا فله استخدامات مختلفة منها ما يكون مؤلما
دخل الأطفال إلى قاعة كبيرة و كلهم يعرف مكانه فبقي حطط يتفحص  المقاعد الفارغة
في آخر القاعة طاولات ثلاث متهالكة تميل يمنة و يسرة و بعضها يشده الجدار 
و أمام الطاولات علب صينية تلك العلب السحرية التي لا يعلم إلا الله
ما بداخلها فمرة يكون شايا وقد يكون تمرا و قد تكون تحتها دجاجة  أو حمامة
و أمامها فرشت حقائب على أرضية القاعة
كان ذلك قبل وجود رابطة الآباء و ودادية التميز 
تذكر حكايات والده عن مدرسة علب ادرس و الجيل الأول حيث كانت المقاعد زائدة على الحاجة و كذلك الأدوات و كان الوالد يعض أصابعه حين يتذكر ذلك الزمن الجميل و يردف أنه رأى قضيبا من مقعد المدير داخل بكرة دوارة عند البئر المجاورة و رأى أعرشة مدعومة ببعض مقتنيات المدرسة من ألواح خشبية  و قضبان و أنه رآها في أدوات السقي و غير ذلك.
جلس حطط مع زميل جديد على طرف  علبة صينية و باتجاه  القبلة جريا على ما عوده الوالد حفظه الله عليه
عند دخول المساجد لكن ذلك كان عكس اتجاه الأقسام جميعا فالسبورة وضعت في الاتجاه المعاكس و في كل الأقسام
استدار حطط بطلب من المدرس و بدأ الدرس الأول
بسؤال دوار 
كم تعرف من الحروف يا بني ؟ 
و كل يجيب حسب قدرته و جاء دور حطط ذلك الدور الذي حاول بكل الوسائل أن لا يكون طرفا فيه فقد أغمض عينيه
حتى لا يرى المدرس و بذلك لا يراه المدرس أيضا
لكن صوت المدرس أيقظه من حلمه الصغير
ضيفنا العزيز حطط  ماذا تعرف من الحروف ؟
فقال حطط الخروف 
ضجت القاعة بالضحك فقال المدرس الحروف  ال ح ح
وكرر السؤال مرات و مرات
ما اسمك يا بني فقال :حطط 
و ما اسم الوالد فقال: هرصبوب
و ماذا تعرف يا بني هل تعرف أسماء المدن أو الولايات ؟
هل تعرف أسماء الفرق و اللاعبين عندها انفرجت أسارير  حطط و قدم لمحة عن الدوري الإسباني و الإيطالي و الانكليزي و أجاد و استرسل و شاركته القاعة. 

كان المدرس صاحب تجربة كبيرة فقد مر بمراحل كثيرة في حياته حيث كان مزارعا قبل عقدين في شمامة و مارس التجارة وراء النهر و يعرف التعامل مع جميع الأصناف.
قال في نفسه ماذا لو جربت طريقة جديدة و هي ربط الحروف بما يحبه الأطفال ستكون مسلية حقا
بدأ المدرس تطبيق خطته على السبورة لكنه كان يخطئ في نطق أسماء الفرق و اللاعبين أحيانا فتضحك القاعة
من غرابة المدرس و حياته و كيف أصبح مدرسا دون أن يعرف روماريو و مارادونا و ابلاتيني ولا يعرف المسكين البرصا

كان القسم غير متجانس لا في الأعمار و لا في الأحجام
فسعيد بلغ  العاشرة لكنه كان في البادية حيث لا توجد المدارس و قد سجل بدوره هذه السنة.
كان سعيد من المشوشين فمرر كرة مضرب إلى التلميذ الجديد حططو طلب منه أن يحاول رميها نحو السبورة
فإنها تختلف عن  كرة الجلد المربوطة بخيط كسروال المدرس فهي قادرة على العودة و بسرعة إلى مكان الانطلاق.
لم يتردد الضيف في الأمر فضرب الكرة على السبورة
في وقت وافقت التفاتة من المدرس فعادت الكرة مرات و مرات و ضربت هذا و لمست ذلك.
قرر المدرس أن يؤدب الضيف الجديد فلو ترك الحبل على الغارب لضاعت هيبة التدريس و لتجرأ غيره على مخالفة الأوامر و النظام.
تقدم خطوات باتجاه حطط و أمسك أذنه اليمنى و رفعه بها
و لطمه بيده الأخرى ثم ضربه برجله ليسقط المسكين على جنبه  فوق  أرضية القاعة  فهذه هي الطريقة الأولى من سجل عقوبات المدرس و فوقها درجات لها مسميات مخيفة.

كانت صيحة الطفل المسكين حطط قد دوت في المكان فحضر المدير و مدرسون و المراقب كانت أذن الطفل قد تورمت و خده ينتفخ و لا يستطيع الوقوف.
رفع المدير بصره إلى المدرس الذي زادت ثقته  بنفسه
و هو يمسح نظاراته غير عابئ بشيء.
فقال أتدري ابن من هذا ؟
قال المدرس و ما يهمني في ذلك ؟ قال المدير سيهمك لو عرفت فقد يكون هذا آخر يوم في حياتك.
تلعثم المدرس حياتي رهن بهذه الحشرة الصغيرة.
فقال المدير نعم 
حضر أعيان من القرية و مسنون و فكروا في طريقة للخروج من المأزق الكبير فالمدرس ضيف و غريب على القرية و الفعل الذي قام به مخالف للقانون و العرف
وعائلة الطفل أشرار و قادرون  على فعل أشياء تفوق التخيل
فقرروا أن إخفاء المدرس أول شيء يجب فعله و لكن أين ؟
فالعائلة خبيرة في قص الأثر و شم الروائح و منها من لا تصده الأبواب

الأمر الثاني محاولة إرضاء الوالد و استمالته فقد يصيب غضبه كل طاقم التدريس و التلاميذ
نزل الحكماء على رأي عبدات الدركي المتقاعد فخطته محكمة و مقنعة 
قال عبدات و قد عادت إليه هيبة السلطة و الحنين إلى الزي العسكري إن أفضل طريقة أن نطلب قدر الجيران قدر الضيافة الكبير ذلك القدر الذي غاب فيه كبش و كبشان و ثلاثة ذات مرة  أمام عينيه فرؤية القدر تدخل السرور على هرصبوب فلطالما أدى  وحده حق القدر فهي سنة دأب عليها
هذا من ناحية و من ناحية أخرى فإن وضع القدر على نار خفيفة سيبعد الشك و يكون أحسن مكان لإخفاء المدرس الخائف
 ترجل المدرس و رفع سرواله كمن يدخل البئر و نزل طائعا داخل القدر و كان في القدر قليل من الماء و تحته نار خفيفة
و جاءت اللحظة المشهودة وهي استدعاء هرصبوب و توطئة الحديث له و تخفيف غضبه.
حضرت العائلة بكل أفرادها و كان الولد قد استطاع الوقوف لكن الخدوش و الورم ظاهران عليه
و قف الوالد صامتا و كان ان يبقق قد بدأ جولة البحث عن المدرس
و الأخوات  و الأم كذلك
كان الموقف مخيفا فمن يتوقع ردة فعل الرجل في الحالات العادية
فكيف في حالة التعدي على حقوقه
قررت الأم  في بيانها غلق المدرسة بشكل نهائي و تجريف الأقسام
و حافظ الوالد على  توازنه في انتظار نتائج بحث ان يبقق
عن المدرس فهو مفتاح اللغز
عندها أعطى المدير أوامره للتلاميذ بالذهاب إلى البيوت إلا  أن طنين و احريش منعتا ذلك فكل واحدة تزبد و ترعد و تذود في ناحية و هي تحمل أغصانا شائكة و جاء أهل القرية يمشون و حاكم المقاطعة و الدرك و الحرس 
و ما زال الموقف غامضا داخل سور المدرسة فالمدرس فوق النار و المدير تحت الوقوف الجبري لهرصبوب و الأطفال محاصرون من طنين و احريش و الوالدة تريد تجريف المنطقة و السلطة تقف على تلة قريبة .