إعلان

الدهماء ريم تعرب رواية "الحدود الأخيرة للإمبراطورية..." (تجربة عسكري فرنسي خدم في موريتانيا)

سبت, 10/05/2019 - 21:38

(تحت التحديث)

 

الملخص1.
...................
تعود الصورة على الغلاف للجنرال جان دي بوشي Jean du Boucher، (المولود 1910م)، التقطت له في دكار سنة 1932م، حين كان ضابطا. وقد توفي في السادس من أغسطس 1998م، عن عمر ناهز 88 عامًا، دون التمكن من الاطلاع على الكتاب في شكله النهائي.
وصل الضابط جان دي بوشي إلى موريتانيا 1933م (سنة بعد تخرجه من سين سير) قادما من داكار واستقر فيها حتى 1935م، ثم خدم فيها أيضا من 1958 الى 1960م، كقائد للقطاع الشمالي لموريتانيا، ثم عاد إليها سنة 1971م ضمن الدعم اللوجستيكي للقبطان "كوستو" لتصوير حطام باخرة "لامديز" في الحيز البحري لإيمراكن. وما بين 73م-75م، أشرف على بعثات استكشافية سياحية في صحراء موريتانيا.

تمكنت الكاتبة من تسجيل 150 ساعة مقابلة مع الجنرال، ومن الوصول الى وثائقه الشخصية بحرية، كما استعانت أيضا بمقابلات مع بعض "المهاريست" الفرنسيين و"كَوميات" السابقين من البظان التقت بهم في موريتانيا، وفي مخيمات اللاجئين الصحراويين

استكملت المؤلفة تحقيقاتها بالبحث في الأدب الاستعماري الصحراوي، وفي وثائق الأرشيف (الأرشيف الوطني في انواكشوط، أرشيف فينسين، مصلحة تاريخ القوات البرية) وبعض الإنارات والمراسلات الخاصة، ومقابلات ووثائق من شخصيات فرنسية، ومن شخصيات موريتانية: يوسف ولد محمد، محمد سعيد ولد همدي، محمد خونه ولد هيداله، محمد ولد محمد اندي، بوبكر سيكا سيلا، محمد سالم ولد ديكرو، الديه ولد الدَّاف، الطالب ولد بلخير.

كما أسلفتُ، فكتاب "التربية الصحراوية لكيبي أسود" يتتبع قصة ضابط فرنسي شاب شارك في "الفتح الاستعماري" لما كان يسمى في بداية الثلاثينات "الحدود الأخيرة للإمبراطورية" وتتمثل في الفضاء الفاصل بين آدرار الموريتاني والحدود الجزائرية المغربية، وهي الصحراء التي تسيطر عليها "قبيلة" كبيرة ومتمردة تدعى "ارگيبات"، وقد وضعت فرنسا حدا لمقاومة السكان البدو في آخر عملية مشتركة للقوات الفرنسية المغربية والجزائرية والموريتانية سنة 1934م.

في مسرح الاستعمار الصحراوي، تم إعداد مشهد تحتك فيه ثلاث حضارات، تتشارك الحياة اليومية جنبًا إلى جنب، من خلال ثلاثة أصناف من الرجال: "المهاريست" الفرنسي (الجمّال)، "الكَومي البيظاني"، والرامي السنغالي، هؤلاء كانوا أول أدوات الفتح الاستعماري، وظلوا حتى استقلال موريتانيا، يمثلون المراسي المثبِّتة للاستعمار على أراض البدو الرحل، تجمعهم شبكة من الوظائف توفر الرجال والأسلحة والمعدات والغذاء، والتوجيهات والأفكار.
تتألف وحدات "المهاريست" المسؤولة عن السيطرة على البدو من حفنة من الفرنسيين، ضباطا وضباط صف، مدعومين من فصيلين الى ثلاثة من الرماة السنغاليين، (رماة سود من مختلف الجنسيات يطلق عليهم اصطلاحا: "الرماة السنغاليون") وحوالي 80 من گوميات المحاربين البيظان، وقد أنيط بهؤلاء فرض السلام بالمفهوم الفرنسي على السكان.

"فرقة البدو الرحل" أكثر من مجرد فرقة استطلاع، هي في نفس الآن تضم مئات الأشخاص ينتجعون معا على امتداد السنة: "گوميات" وأسرهم وعبيدهم، طاقم خدمة الجيش من الرعاة السود والحدَّادين، وحتى "امرابط" يعلم الأطفال، وفي نفس الوقت يعلم الفرنسيين مبادئ العربية المحلية (الحسانية).. إلى ذلك ينضاف العابرون والتجار والمنتجعون في الجوار، ووجهاء قدموا ليقمسوا الولاء، ومخبرين من كل الأطراف.
- يتبع بحول الله -

 

الملخص..2
...............................................
وصل الضابط "دي بوشي" الى موريتانيا يحمل شغف مقاتل من أسرة عسكرية من أصل نبيل، داعب السلاح في الحادية عشرة من عمره، وهو خريج أكاديمية سين سير العريقة، يحلم بخوض حرب خارج حدود الإمبراطورية والانتصار فيها على العدو!

مثل هذا الحلم لم يعد متاحا في أوروبا بعد أن توقفت الحروب.. ولذلك فضَّل الضابط الشاب الانخراط في سلاح مشاة البحرية بدلا من سلاح الفرسان، مخالفا إرادة والديه.. كان يرى أنه وصل متأخرا، فقد أنجز اسلافه من العسكر أساس المهمة ولم يبق لصناعة المجد العسكري إلا مساحة من الصحراء الغربية تدافع عنها حفنة من البداة.

كانت فرنسا قد وضعت حدا للمقاومة في الشمال سنة 1934م، لكن في إطار صراع الطموح الاستعماري بين فرنسا واسبانيا، منعت اسبانيا فرنسا من "حق المتابعة"، أي حق متابعة المعتدين على فرنسا داخل الحيز الترابي الذي تستعمره اسبانيا، فتحول وادي الذهب إلى ملجأ للمقاومة الصحراوية، وهي المقاومة الموجهة في الأساس ضد الفرنسيين، في حين اكتفت اسبانيا باستعمار نقاط محددة على الساحل تزود من خلالها البدو، آخر أعداء الإمبراطورية، بالسلاح والذخيرة.

«.... هذه الثكنة العسكرية تراقب أقصى الحدود الفرنسية، في خضم الظلام، في وجه الفراغ الذي يمكن أن يقذف بالعدو في أي لحظة، لم يكن هناك أفضل من هذه الأوقات الرخوة..»

«...ارتجفُ من جديد لمتعة الخطر، فقد سقط قتلى في هذا الركن من الصحراء، على الطريق، شهدت قبر Mac Mahon، وهو حفيد مارشال (مشير)، وحفيد دوق ماجنتا، الذي نزل بفرقته البدوية إلى "أم التونسي"، في الصيف الفارط. مهما يكن، لقد أثرت فيَّ الصّلبان المزروعة على رؤوس الكثبان، أحصيتُ ستة، أحسستُ أن الموت هنا أقرب للمطلق منه في أي مكان، لم أقابل "ماك ماهون" فهو أقدم مني، لكنه كان من خريجي السّين سير.. كان رفيقا، لقد تأثرتُ.. هنا رماني الموت بأول تحدياته.»
«قررت القيادة في سينلوي ارسالي إلى شنقيط، لم تكن موريتانيا وجهة سعيدة منذ مقتل "ماك ماهون"، دارت هناك معارك مميتة خلال الأشهر الأخيرة، قتل ثلاثة ضباط من قبل السفلة، قراصنة الرمال، لكن مغادرة السنغال تعني أيضا الابتعاد عن الملاريا والحمى الصفراء، رحلتُ رفقة الضابط Duval ، وهو "مهاريست" قديم، وخريج "السين سير" أيضا، وقد عُيِّن للتو قائدا للفرقة البدوية لشنقيط ... أعطاني العقيد Cognam ، قائد الكتيبة الأولى للرماة السنغاليين، والقائد العسكري لموريتانيا، تصورا عن الوضعية خارج آدرار: تخيل مساحة أكبر من فرنسا، لا توجد بها قرية واحدة، وبلا ماء، تجوبها حفنة من المحاربين البدو، مسلحين حتى الأسنان، ولا يمتلكون غير الجمال، ما كانوا ليكونوا شيئا مذكورا لو لم يتخذوا المستعمرة المجاورة، وادي الذهب ملجأ لهم. لم ترغب حكومتنا أن نتصرف اتجاههم، بحجة أن إسبانيا تمنعنا منح حق متابعتهم. فبعد كل مرة يغير فيها "غزي" منهم على الواقعين تحت وصايتنا أو حتى على فصيل منا، يسارعون في اتجاه الحدود، وإذا لم نوفق في توقيفهم قبل الحدود، نظل نراقبهم كالأغبياء وهم يجتازون بأمان، وهذا الأمر أثار سخط "گوميات"، وسخط حلفائنا.. علينا أن نظهر لهم أننا قادرون على الوصول إليه»
حين قرر "موري" أن يلقنهم درسا من خلال غارة استثنائية في قلب الساقية الحمراء، سنة 1913م في عمق الأراضي الاسبانية، تفاجأ المنشقون وهدأ الوضع حتى حدود 1923م.
-يتبع بحول الله-

 

الملخص..3
.........
أصبحت موريتانيا تمثل الحدود المنيعة لإمبراطوريتنا السوداء التي لا يمكن اغتصابها، مع أني أؤكد لكم أنه لم تكن بأيدينا أي وسائل لحمايتها، كان بإمكان خصومنا فعل ما يريدون، خصوصا خلال فترة الحرب.. حتى مقدم حكومة Provin "بروفين" رأس البغل، الذي كان يحتج بعجزه عن إخضاع جماعات لا يستطيع أن يوفر لها الأمن. كان "بروفين" يعمل على تملقهم بالكلام الخادع، وخصوصا بالهدايا.. كان مستعجلا ومتحمسا جدا لإظهار المشاعر الطيبة لفرنسا تجاههم.
اخترع لهم وضعا خاصا جداً، سماهم: "أصدقاء السلام البعيدين". اكتشاف! .. أعطاهم هذا كل المزايا، ثم اقترح على من يطلبون السلام أن يكونوا "الأجانب الأصدقاء".. أصبح التافهون يتجولون بحرية في الأراضي المستعمرة، وهم معفيون دوما من حقوق الرعي ويعملون ضدنا كوكالات استخبارات لأبناء عمهم "أعداءنا".. لا يمكننا التحكم في أرضهم، ولا يمكننا إرغامهم على شيء ما دمنا عاجزين عن تأمينهم.. لم يقبلوا منا أبدا أن نتولى حمايتهم!، لم يكن من المنطقي تأمين السيطرة على شريط حدودي بطول خمسمائة كيلومتر بفرقتين بدويتين فقط، خصوصا بالتواجد على مقربة من أعداء لا يمكن تتبعهم إذا ما اجتازوا إلى الحدود الاسبانية بعد كل غارة.

في "سينلوي" حيث القيادة لا تُرى الأشياء بنفس النظرة في آدرار، فخلال عشر سنوات، لم تسعَ أي حكومة إلى الاطلاع على ما يجري على الأرض، فمن البديهي أن قطع سبعمائة كيلومتر على ظهر جمل صعبة على أردافهم. ويوم مقدمهم بالسيارة تبنوا نفس الخطاب.. زيارة خاطفة، ودون إدراك للواقع.

كيف يتسلح ارگيبات؟ .. الأسلحة لم تكن متوفرة لارگيبات فقط.. ففي الغرب تتشكل غزيان من أولاد ادليم أيضا، وهناك أنصار الشيخ ماء العينين الذين يحرضون المحاربين البدو ضدنا بدعوتهم للجهاد المقدس، كان من السهل الحصول على الأسلحة من جنوب المغرب من خلال التهريب وخصوصا في الساقية الحمراء، ناهيك عن أسلحة ألمانيا خلال الحرب، وعن تسليح الاسبان المتعمد للمنشقين منذ عشرين سنة، كما كانت منطقة رأس جيبي (على شاطئ المحيط، شمال مدينة الطرفاية، قبالة جزر كاناري) سوقا مزدهرا للأسلحة، فضلا عن هدايا الأسلحة برسم الصداقة!.. لقد أهداهم "بروفين" عشرات البنادق، إنه الجنون.

منذ ثلاث سنوات أمطرت السماء لدينا بشكل كبير، بينما انحبس المطر عنهم في الشمال، فرأيناهم ينزلون اتجاه مراعينا الخصبة، كانوا في متناولنا، غير أن الأوامر صدرت إلينا بمهادنتهم وعدم التعرض لهم والتحضير للمستقبل! .. عجز قادتنا عن فهم عقلية المحاربين البظان.
تغير الوضع بعد معركة أم التونسي، فقد قدم لنا اسم القائد "ماك ماهون" آخر خدمة، حيث فرض على قيادتنا الاهتمام بوضعية موريتانيا ، شكلت فرقة بدو ثالثة في منطقة اكجوجت، و حصلنا على تمويلات بإقامة مركز في كدية اجّل.

 

الملخص..4
...........
عبرتُ موريتانيا بسرعة، نواكشوط - أطار - شنقيط، لقد اختصرت الحافلات في أربعة أيام المسافة التي كانت تستغرق منا شهرا.. أطار عاصمة آدرار، مدينة كبيرة وحامية عسكرية، هي آخر مدينة قبل الفراغ الصحراوي الكبير.
وصلتُ نواكشوط مساء، نقطة ضئيلة معاكسة للضوء على خلفية من الكثبان المستديرة، كانت كئيبة، على شكل معتقل كبير، ما عدا البئر لم يكن هناك شيء.. خارج المركز يمتد السهل الرملي على امتداد رؤية العين.. كانت السنة استثنائية، فقد فاض النهر الى أن وصل نواكشوط، وتتبخر الآن آخر بركه الآسنة...، حُملنا في شاحنتين جديدتين باتجاه المركز الموالي، خيمنا عند قدم كثيب رملي، أشعل البظان النار وذبحوا خروفا، وعمدوا إلى شيه في حفرة يغطيها الجمر، كل الأمور في حكم المعتاد لديَّ عسكريا، سوى شيئين جديدين: تناولهم المقزز للطعام بأصابعهم، وشدة توهج القمر، حتى إني كتبت وقتها رسالة إلى أبي دون الاستعانة بضوء النار.
في أطار كان مطعم الضباط (بوبوت) مشهورا، لدرجة أن بعض الضباط السامين الذين يخدمون في داكار يتنقلون لزيارته كلما توفرت لهم فرصة ربط بالطيران. كان هناك بظاني يسمى على وجه الدقة "القواد"، شكل فرقة فتيات استعراض محلية، لا يلبسن أكثر من حزام من خرز متعدد الألوان، وهن يظهرن فقط في نهاية السهرة يستعرضن أنواع الرقصات المعروفة في البلد.
لكن خاتمة السهرة تكون رقصة تعرف بالضفدع وقد وجدتها ساحرة. فبينما تضرب احداهن الطبل بإيقاع شيطاني، تتقافز النساء الأخريات في وضع قرفصاء. ويصوّتن بنعيق في إيحاء متجوِّع، يطلقن أصواتا من ألسن واعدة، وبعد عدة دورات متوِّعدة، تلقي الفتيات بأنفسهن على من كلِّفن بمهاجمته، وينزعن ثيابه.. بهذه الطريقة وقعتُ تحت قبضة عشرين يد سمراء، انتقلتُ من الضحك للحرج حين قررت الراقصة النجمة، فتاة بجمال يقطع النفس (.....)، وفي فوضى تداخل الأصوات والكراسي المقلوبة، هرع جمع الضباط الحضور (....) بنفس التحفز الشهواني.
كانت الراقصة النجمة رشيقة، تدعى زينب، غامقة اللون بملامح نبيلة، سحرني جمالها لحد بعيد، بحثتُ عنها ثم بحثتُ خلال الأيام الثمانية التي قضيتها في أطار، حتى وجدتها فخصَّتني بحظوة، مع أنها لم تكن تملك، لا حسَّ الإثارة ولا موهبتها، لكن كنت أرى في جمالها بطلة اطلانطس.

خلال الأيام الثمانية، تجولت بأطار، دور من الحجارة تشبه المكعبات المتراصة، وتجمُّع من الناس: بظان مسلحون بنظرات حادة، نلقبهم أصدقاء فرنسا، شعر أسود منفوش في شكل خصلات مجعدة طويلة، نساء يسرن في مجموعات بوجوه مكشوفة، سود قذرون، حشد من الأطفال، الماعز، الحمير.. وحتى الدَّجاج.
آدرار، تعني بالبربرية المرتفعات.. جلتُ في الواحات.. أعجبت بمزرعة حرم قائد الدائرة، كانت السيدة الفرنسية الوحيدة في المحيط، وكانت تختلف عن بقية السمراوات اللاتي يتخذهن الضباط وضباط الصف أخدانا.

 

الملخص.. 5
............
الوصول إلى شنقيط أقسى منه إلى أطار، كنتُ جرّبتُ امتطاء الإبل، وخلال السفر عانت إليتاي،.. استقبلتنا مجموعة من "كَوميات" على بعد عشرين كلم من القرية، نظموا للضابط "ديفال" استقبالا خاصا بإطلاق الرصاص الترحيبي.

شنقيط أكثر سحرا من أطار.. أنذروني أن البدو هنا أكثر تقليدية، وأن سكانها الزوايا الصارمين أكثر عدائية اتجاه الفرنسيين من محاربي أطار. وقد اتضح لي بسرعة أن ما قيل كان صحيحا، حيث يسود مناخ مسدود في الواحة الصَّابة عند سفح الكثيب، الناس حذرون وكتومون.. المنارة العتيقة تطل على الساحة.. الشيوخ يجلسون في ظل الحيطان يمررون سبحاتهم، النساء نظراتهن مكسورة.. الأطفال خجولون لا يُحيُّون بأيديهم، كل ذلك يُشعِر بالإسلام.
في شنقيط، حسَّنتُ من مهاراتي وتعرفتُ أكثر على مجتمع البظان.. مجتمع اقطاعي، بأرستقراطية الامتيازات، وأرستوقراطية السَّيف، بتابعيه وفرسانه، كلهم حسّاسون للترتيب.. نصحوني بأن أحاذر.
كان هناك أيضا مغنون متجولون، وصناع تقليديون وأقنان ومستعبدون، أحترتُ بداية وسألت قائد المركز:
- كنت أظننا ألغينا العبودية
- ألغينا المتاجرة بالعبيد، أما غير ذلك فقوله أسهل من فعله.
- ألم نعتق العبيد؟
- لم نعتق شيئا نهائيا، إداريا هم عبيد بالمولد، لقد حرَّمنا فقط الاختطاف، وإذا قدم إلينا أحدهم هاربا، نصبح مجبرين على استقباله، لكن ماذا تريدنا أن نفعل؟ المدنيون طيبون بأفكارهم العظيمة، لكن لم يهيئوا شيئا ليتحول العبيد إلى عتقاء.. لا يهتمون، أين تريدهم أن يذهبوا؟ لا أُسر، لا مال، لا شيء، ليس لهم إلا أسيادهم. وكذلك لا يمكن أن نقوم بثورة في مجتمع دون أن نحدث فوضى.. على أية حال نحن العسكر، ليس هذا شأننا، ما يهمنا هو حسن سير الأمور، ولا يجب التعويل علينا في هدم الأمور التي تسير بشكل جيد.

كانت فرقة شنقيط تضم خيرة "المهاريست"، ففرقة "اترارزة" قد أبيدت في أم التونسي، بينما عرفت فرقة أطار هزائم مدوية، في اطريفية 1925م، وكانت المعركة الأطول والأكثر دموية في تاريخ موريتانيا، ثم في السنة الفارطة في "توجنين".
ضمت فرقة شنقيط أيضا النقيب "لكوك"، هذا البطل الذي تعقَّب أمير آدرار خلال غارة مثيرة.

لم أفهم جيدا الطبخة السياسية التي كانت وراء ذلك، كل ما أعرفه أن أميرا خائنا قتل أحد ضباط النقيب "لكوك" يدعى "موسات"، طعنه رجال الأمير في الظهر وهو يتناول شاي الضيافة، قتل تحت الخيمة في تناقض مع كل أصول الضيافة البدوية، نجح أحد الرماة المرافقين له في الفرار من مسرح الحادثة ليبلغ النقيب "لكوك" بما حصل، جمع هذا الأخير نخبة من الرماة بمدافعهم الرشاشة، وبعض "كوميات"، وكان من ضمنهم من له أخوة مع الأمير، تعقبهم لثمانية أيام وقد كان الأمير أكثر عددا لكن الغلبة للمباغتة،.. تولى "لكوك" قتل الأمير بنفسه، وعلق جندي خدمته من الرماة رأس الأمير على راحلته وهو من قطعه بمنجله، وكلما صادفهم مخيم في الطريق، يجرون اتجاهه، يدورون حوله ويلوحون بالغنيمة الشريرة، رأس الأمير.. لقد كان من حسن حظي أني التقيت هذا الضابط أثناء مروره من شنقيط باتجاه الجنوب.

 

الملخص.. 6
................
منحتُ مطية من الإبل "أززال" يدعى "آكَويرير"، و"شداد" أملد يدعى "عليون"، يشبه الفتاة بملامح وجهه وأطرافه الدقيقة جدا،.. أرشدني النقيب "دفال" إلى حيث يتعين علي نصب خيمتي الصغيرة، "أكيطون"، Guitoune .. كنت أستظل بها في النهار في حين أمضي الليل في حفرة مكشوفة مثل البقية، توضع الخيام أرضا كل مساء، تجولتُ في المرعى، شاهدتُ خياما سمراء، ونساء يرتدين الأسود، سألت مرافقي عليون:
- من هؤلاء؟
- خيام "كوميات"
- لهم الحق في اصطحاب أسرهم قرب المربع العسكري؟ أليس في الأمر خطورة؟
- لا سيدي الملازم، "فارگيبات" لا يقتلون النساء.

يضم المخيم ثمانية أوروبيين، وفصيلين من الرماة السود، وثمانين "كَومي"، قرابة مائتي بندقية، وثلاثين أسرة من الرعاة، ومئات من رؤوس الإبل.. إبل للحلب وإبل للذبح والركوب..

البيظان أول من يستيقظ فجرا، هكذا أخبرني "بسنوا"، ينهضون للصلاة في اللحظة التي يميزون فيها الخيط الأبيض من الخيط الأسود حسب تعبيرهم.
تلقينا أوامر من فرنسا بالتوجه شمالا، فمنذ وطئ الجيش آدرار لم يتمكن من احتلال هذا الحيز.. نفذ صبرنا، كان علينا منذ أمد بعيد أن نشغل هذا الفراغ، أخيرا سنُطْبق على "الحنك"، سنطحن حفنة المحاربين الوقحين، الناهبين، قطاع الطرق، المقاومين أبدا للسلمية الفرنسية.. أنا هنا،.. أنا المخلب والضرس، فرقة شنقيط أصبحت فرقة "الجل"، وأرضها الجديدة تيرس الزمور، أرض "ارگيبات"، حيث كدية الجل التي يتخذها الأوغاد منفذا لغزواتهم، نظرا لقربها من الحدود الاسبانية، وقربها من بئر افديرك الوحيد في السلسلة، وعنده سنقيم مركز "قلعة گورو"، تيمنا باسم فاتح آدرار.

-يتبع بإذن الله-

 

الملخص ..7
............
كدتُ أصاب بالجنون، لقد وضعوا تحت إمرتي أفراد المجموعة التي تعقبت وقتلت الأمير سيدي احمد ولد احمد العيده، كيف آخضع لسلطتي أبطالا مثلهم تم توشيحهم، السلطة لا تُختلق، السلطة تُتَعلَّم تماما كما يُتعلّم الانصياع... في آكاديمية "السين سير" أول ما نتعلم هو الانصياع.. تكوين قاس على الطاعة العمياء التي بدونها لا وجود لسلطة ولا جيش، ومنذ آيام نابليون كان "الانضباط" يصنع القوة الأساس للجيوش.. من المهم أن يحصل أيّ رئيس من مرؤوسيه على طاعة كاملة وخضوع في كل لحظة"..

أحكمتُ قبضتي على كأس الشاي الصغيرة.. أنا الذي كنت أهمس لنفسي: "حين أكبر، سأكون جنرالا" كان علي أن أتبين أنه بين "جان"، الطفل الذي يضرب رأسه على الحائط، والمراهق المتمرد.. لم يكن هناك استعداد للانصياع٬ لكن ماذا يتوقع أن أفعل حين أكون ابن ضابط وحفيد ضابط، وحفيد حفيد ضابط. الموت أهون من اظهار الضعف، لم يكن لنا من خيار آخر في هذه الحياة.

في "السين سير" قالوا لي وكرروا مرارا: كن قاسيا!
في تلك الفترة لم أسائل نفسي حول مسألة السلطة.

فَصيل من الرماة السنغاليين لا ينبغي أن يخيفني لهذا الحد، فلدي أزيد من تجربة سنة في الميدان، غير أن هؤلاء نوع خاص، ليسوا سنغاليين جدا، أغلبهم من السواحليين، من البيل أو التكلور، قرويون من ضفة النهر، مزارعون ومنمون و"مرابو" أو صناع تقليديون، بلادهم تشكل حلقة وصل بين أرض البظان وأرض السود. يقال إن البيل أبناء عمومة التكلور، وفي الواقع يتقاطعون في الملامح الدقيقة، النمط الإثيوبي، وفي قاماتهم الفارعة، وهم أقل غربة من بقية الرماة بحكم المناخ المتقارب، وعادة الاحتكاك بجيرانهم البظان، ومنهم من ربطتهم علاقة مصاهرة من خلال النساء بقبائل من الزوايا من الجنوب الموريتاني، ويفهمون العربية.

هؤلاء يأتون إلى مهنة السلاح مكرهين، وأحيانا قسرا.. الموجودون منهم في الخدمة إما جلبوا بالإكراه أو جلبتهم رياح العلاوات، وبعد أربعة وعشرين شهرا من الخدمة الإجبارية ينطلقون دون تأخير إلى قراهم..
ضم الجيش الفرنسي عددا قليلا من أصحاب الرتب من البيل والتكلور، فالموالون الحقيقيون للجيش كانوا من المالينكي: بامبارا، سراغولي ، سونينكي.. محاربون من مالي القديمة، مزارعون جثثهم ضخمة، وبنيتهم أقوى من بنية السواحليين، مع أنهم أقل تحملا للعطش، هؤلاء تجاوزت سمعتهم الآفاق كبناة لإمبراطوريات كبيرة ومحاربين أشاوس، والبامبارا بالذات يحبون القتال.

بيل، تكلور، بامبارا ، سونينكي، موشي ، كثير من الاثنيات وكثير من اللهجات، ولحل مشكل التواصل أدخل الجيش تدريس اللغة الفرنسية في منهج التكوين العسكري.
غالبا ما نمارس التدريب العسكري صباحا، ونخصص المساد لدروس اللغة، حيث أتلقى بدوري دروسا في العربية من عنصر من "كوميات" نصحني به الضابط "ديفال".. معرفة الحسانية كانت آجبارية على كل الضباط، في حين فَرَضت لغة "البامبارا" نفسها في الاستخدام العام من طرف رماة غرب افريقيا، لأن أغلب أصحاب الرتب كانوا من هذه العرقية، مما اضطر البيل والتكلور بدورهم إلى التعاطي بها في المحادثات البينية.

لا يوجد ضابط أسود في الجيش الفرنسي، الإمبراطورية ليست بخيلة بالميداليات، لكن لا تريد دفع ثمن الدم الأسود بنفس القيمة التي تدفعها كثمن مقابلٍ للدم الأبيض، وعليه فإن ضابط صف أسود شيء مهم.

على نحو آلي أضع سلاحي، وأبسط يدي، أفكر في الجن الأزرق "لسين سير"، هنا جاء دوري لقيادة جن أسود.. جن من الواضح أنه لن ينفعني معه ما أوصتني به الحياة في "السين سير"، حيث لا يمكنني السيطرة عليهم لا برتبتي، ولا بخبرتي، فحاولت أن أهيمن عليهم بالعقل.

 

الملخص..8
.........
إذا كان الرماة السود استقبلوني بحذر فإن كوميات البظان استقبلوني بلا مبالاة، لست في نظرهم أكثر من نصراني جديد (Nazaréen)، ويبدو أنني لن ألفت انتباههم، لكن عليَّ أن أتعلم منهم التعامل مع الإبل، الركوب والرعي، والمرعى، لقد أوصى علي الضابط "ديفال" كَوميا يدعى "العيد".. "العيد" على خلاف بقية البظان رجل أسمر، شعره أجعد وملامحه ثقيلة.. لفت انتباه الفرنسيين خلال معركة "لكَديم"، وهو مكان قرب "وادان" بآدرار، حيث وقع فصيل من فرقة البدو تحت ضربات الوغد الشهير أحمد ولد حمادي، وكان ذلك في ربيع 1924م. وعلى إثرها أحيط "العيد" بهالة كبيرة من الهيبة وكرمته فرنسا بمنحه وسام فارس من فيلق الشرف.
في موريتانيا لا يتجاوز فصل الربيع عدة أسابيع، يسميها البظان "تفسكي"، وهي الفترة الرابطة بين منتصف ابريل ومنتصف مايو، تتصاعد فيها الحرارة حتى تسحق البشر وتؤذي البهائم والنبات بالجفاف، جو لا يطيق العيش فيه إلا "ارگيبات" و"أولاد ادليم"..
في نهاية الشتاء، تقترب التجمعات عادة من نقاط الماء.. في ربيع 1933م يستعد الجيش هو الآخر للحركة.. يستعد للهجوم الأخير.. تصدر الأوامر لفرقة البدو بكدية الجل بسد المنفذ الشمالي-الغربي للكدية على بعد كلومترات من بئر "افديرك" التي يحتكرها الجيش لبناء قلعة "كَورو"، أما "اعكَل أم ادفيرات" يحتكرها "المهاريست"..
شعرتُ بالفخر اتجاه بلادي التي توغلت حتى هذا العدم المكاني لتبعث فيه الحياة.
في ظل هذا الوضع سيفتح "لارگيبات" الذين وقّعوا معاهدة سلام مجال الانتجاع في المراعي الموريتانية، لكنهم ينتظرون حتى اللحظة الأخيرة من الصبر على الجفاف للنزول والاقتراب من "آدرار" حيث نحن.
التقدم نحو آدرار سيفرض عليهم الاحتكاك بنا، وسيشعرهم حتما بعدم الارتياح حين يضطرون يوما إلى توفير شاي الضيافة كبادرة ولاء للمعاهد النصراني، الذي يقود كتيبة من المحاربين البظان مَن يصفونهم بالخونة، وهم في نظرهم أرخص من العبيد الرماة الذين يسحبهم الجيش وراءه في كل مكان... سيصبح "ارگيبات" كذلك ملزمين بنحر حوار للفرنسين حرق الله آباءهم وآباء آبائهم في الجحيم (يحرگ بياتهم وبيات ذوك في السَّعير)،... إضافة للإهانة التي عليهم إخفاءها حين يُجبرون من القائد الاستعماري على تسجيل أفراد عائلاتهم في السّجل الفرنسي.. أما الكارثة الكبرى فستكون يوم يلزمهم بإحصاء إبلهم، و الفاجعة الأشد حين يطالبهم بدفع الضرائب مقابل الرعي.
لم يدفع "ارگيبات" غرامة لأحد، لا لأمير "آدرار" ولا لقائد "واد نون"... وقَّع قائد "ارگيبات" في "سينلوي" اتفاق السلام النهائي، اتفاقا يمسح شوائب الماضي، ويدفع بموجبه الخاضع الجديد للجيش الفرنسي ثمانية مدافع، وثلاثين مطية .. سيلتزم أصدقاء السلام البعيد بالتصرف من الآن كمواطنين صالحين، بالإخبار عن تنقلاتهم، بدفع مقابل حق الرعي، ودفع الضرائب المتعلقة بالتجارة، وحتى خضوعهم للإحصاء، لقد تعهّدوا بالمساهمة في حماية الأراضي الموريتانية، وأن يمنعوا قدر الإمكان غارات بقايا المنشقين من أبناء عمومتهم من وادي الذهب، وأن يسهلوا عمل قوات الشرطة الفرنسية التي سمحوا لها بزيارة مخيماتهم.
هذا هو الاتفاق، أما الواقع فشيء آخر.. ما يفعلونه حقيقة هو بعث طلائع استطلاع لتحديد أماكن وجود "المهاريست" وتحاشيهم. إنها حرب التخابر واللعب على الذقون.
انتدبتُ لمهمة استطلاعية في الشمال مع حفنة من "كَوميات"، كانت وجهة مهمتي الأولى هي تجمعات "اركَيبات".. لم نصطحب الرماة السود وهذا يعني أننا لا نحمل أسلحة أتوماتيكية، عندما رأينا لأول جمعا من "اركيبات" خالطتني هواجس خشية من وجودي مع "كوميات" بمفردي، تقدم نحونا فريق صغير مترجلا، لا تبدو عليه الرغبة في القتال، لكن "البظان" لا يؤتمنون.
في تشخيص القيادة المدنية... أعداؤنا "البظان" مقاتلون من نوع خاص، لا يقاتلون مجتمعين، بل أشتاتا، كل اثنين على ربوة، يطلقون النار من كل الاتجاهات، أما "كَوميات" فلا يصلحون دعما قتاليا فعند الطلقة الأولى يفرون، لا خوفا، لكن ليظفروا بحرية المناورة، يبحثون عن قتال في جبهة معاكسة.
ومهما كان فهم لا ينصاعون إلا لإرادتهم... ترويض البظان يصطدم بالإخفاق التام دوما، قيادتهم صعبة، لا يمكن تقييدهم في وضع هجومي، ولا يمكن استخدامهم في قتال متقارب.
تتركز طريقة "كَوميات" في القتال، على الالتفاف حول العدو ليطعنوه من الخلف، لا يحتاجون التوجيه.. إنهم مقاتلون حقيقيون، غير أن خسارة معركة أم التونسي تعود لهروب "كَوميات" ذعرا من ساحة القتال، ذلك ما أدى للكارثة، بالإضافة إلى محدودية عدد الرماة، فالرماة هم الدرع الحقيقي لفرقة البدو.. فالعدو من البظان في كل مكان وجاهز.
لقد كان موت "ماك ماهون" ناتجا عن تقصير من النقيب في ضبط الحراسة، حيث أهمل وجود طلائع الاستطلاع والأجنحة.. لن ننسى أن وضعه المهزوم قاده إلى محاولة الانتحار حين وجد نفسه وحيدا عاجزا.. وقد حال بينه "كَوميات" الناجون مع تنفيذ رغبته، والدليل البرقية التي بعث بها إلى قائد قوات موريتانيا، يقول فيها: « يؤلمني أن أطلعكم على أني الأوربي الوحيد المتبقي على قيد الحياة»
- يتواصل بإذن الله -

 

الملخص..9
........
في المعارك الصحراوية، ما يهم ليس عدد القتلى في ساحة المعركة، بل السرعة التي نعود بها إلى تجمعاتنا بأكبر كم من الغنائم، إنها حرب مادية أكثر منها حربا دموية.. الغرض أساسا هو إضعاف العدو، لا القضاء عليه.. وكذلك اعترافه بالهزيمة، وبحق القوي في السيادة، أو حتى بدفع الجزية اعترافا منه بالخضوع.. الأقوى كان دوما أميرا أو قبيلة مقاتلة، أما اليوم فالأقوى هو الحكومة، شيء وهمي وغير منطقي لأناس لم يعهدوا إلى غيرهم أبدا بالحق في تصريف شؤونهم.
كثيرا ما تقتصر التدريبات والمناورات على الرماة فقط، أما "كوميات" فلا تهمهم التدريبات، لم يشاركوا قط في أي عرض عسكري، وأقل من ذلك في الجري أوالقفز، ولو أرغموا على ذلك لهجروا الجيش، هم أناس مولعون بالحرية لم يقبلوا أن يكونوا جنودا قياسا على الآخرين، ولا يمكن الوثوق في ولائهم التام، وذلك ما تأكد بالقرائن لدى الجيش الفرنسي، فقد سبق وهجروا الجيش أو اندسوا فيه كعملاء، أوحتى هربوا منه إلى العدو بعد أن قتلوا جنودا أو ضباطا.. هذه الأسباب حالت بيننا والثقة فيهم ولذلك استجلبنا وحدات الرماة لحمايتنا.
لكن حاجة الجيش الفرنسي إلى البظان بوصفهم من يتقن معرفة الناس والمراعي والإبل، تجعلنا مضطرين إلى الاحتفاظ بهم كما هم: محاربون ورعاة، أو بالأحرى قناصة، لأنهم يخوضون الحرب كقناصة لشدة ترشيدهم للرَّصاص.
هل تثير هذا الوضعية التي تمنح الحظوة للبظان حفيظة الرماة السود؟ .. الرماة ترويضهم سهل، يكفي أن نسترضيهم بأن البظان جبناء، يهربون عند الطلقة الأولى، وأن الرماة هم من ينقذ الشرف في المعارك الصحراوية.
في المقابل لا نمنح البظان طبعا الأسلحة الأتوماتيكية، لكن نوهمهم بأنهم العرق الأسمى بالمقارنة مع الرماة.
العرب عموما غير منضبطين بطبيعتهم، وأمراء أنفسهم، لكن البظان هم الأسوأ في عدم الانضباط، لكن لديهم قدرة رهيبة على التكيف مع الأهوال القاسية بمزاج ثابت أصيل... أدرك أحيانا كم البظان مرحون، أعرفهم فوضويين خفاف، أحيانا متكبرين، لكن لم أرهم قط يقهقهون، واستغرب من سرعة استئناسهم بالغرباء.
من أروع ما أعجبني لدى البظان أن التراتب الهرمي الاجتماعي والتفاوت الطبقي الذي يضعون له ألف اعتبار، لا يظهر أبدا في علاقاتهم البينية، يظهرون كأصدقاء من زمن بعيد، كيف لأشخاص يلتقون منذ وهلة فقط أن يكون لديهم كل هذه الأشياء ليقولوها لبعضهم البعض.
طبعا الصحراء جد كبيرة، لكن القبائل محدودة، وكل فرد على علم بأخبار بقية القبائل ولو بالسماع، كما أن مسارات الرعاة تتقاطع، والبدو في حركة مستمرة والقصص تتداول، يرتادون نفس الآبار، ويتقاسمون الولع بالسلاح والصيد والرحلات الكبرى وطعم الاستكشاف، يحفظون نفس الشعر، يغنون نفس الأغاني، يعظمون نفس الأجداد، يصلون مجتمعين لإله واحد..
- يتبع بحول الله -

____

 

مواد ذات صلة

 

سلسلة الكاتبة الفرنسية "صوفي كاراتيني" عن موريتانيا