إعلان

ملخص عن المشارك ومشاركته: في ندوة تأبين د. جمال بن الحسن​​​​​​​ / أدي آدب

ثلاثاء, 05/18/2021 - 14:50

 

ملخص عن المشارك ومشاركته: في ندوة تأبين د. جمال بن الحسن

1-المشارك: أدي ولد آدب، شاعر "تأبط أوراقا"، وارتحل "بين الحاء والباء، ليقتنص" بصمة روحه" المائزة له، عبر حوالي عشرة دواوين حتى الآن، نشر منها ثلاثة.

-وكاتب صحفي نشر كتابا تضمن 150مقالا تحاول "تأويل رؤياه" اعتبره مجرد أطررحات صغيرة في الثقافة والأدب

-وباحث يستهويه التنقيب في مناجم ثقافية بكر، بعيدة عن "تازيازت"، و"احسي اندور"، و"الشكات"، نشر له سبعة كتب تحفر في الثقافة الأندلسية والموريتانية، وله بحوث أخرى لما تنشر، تشتغل على حفريات ثقافية شتى

2- المشاركة: جمال الجمال (تطابق الاسم والمسمى في شخصيىة د/ جمال ولد الحسن)

"جمال الجمال"، هو عنوان مداخلتي، معللا اختياري بأني سأتناول فيه جمال جوانب حياة المرحوم، وهو عنوان يرضي نزوعي لمقاربة مواضيعي من زوايا غير منتهكة من طرف الباحثين، لا سيما أن تناول جمال/ الحسن ينبغي أن يكون جميلا ومتميزا.

وقد حاولت اختزال لا محدودية "جمال جمال"، في "دزينة"، النقاط التالية:

1-جمال الاسم والمسمى:

حينما عدت للمعاجم- مسرح عملي الجميل-، وجدت ذلك التلازم الأزلي بين الجمال والحسن، ترادفا، وتطابقا، في كل أبعادهما، شارحا ومشروحا، حيث جاء في تاج العروس: (الجَمَالُ: الحُسْنُ يكون فِي الخُلُقِ وفِي الخَلْق.. فِي الفعل، وَقَالَ الرَّاغِب: الجَمَالُ: الحُسْنُ الكَثِير، وَذَلِكَ ضَرْبَان: أَحدهمَا: جمال يُخْتَصُّ الإنسانُ بِهِ. فِي نَفْسِه أَو بَدَنِه أَو فِعله. وَالثَّانِي: مَا يَصِلُ مِنْهُ إِلَى غْيرِه. وعَلى هَذَا الوَجْهِ مَا رُوِيَ: إنَّ اللهَ جَمِيلٌ يحبُّ الجَمَالَ؛ تَنْبِيها أَنَّ مِنْهُ تَفِيضُ الخَيراتُ الكَثِيرَةُ فيُحِب مَنْ يَخْتَصُّ بذلك..)

وقد تعزز هذا التأسيس المعجمي لتلازم الجمال، والحسن، في الاسم، وشمولية دلالتهما لمختلف أبعاد جوانب المسمى، خلقا وخلقا، حين وجدت تعريفا نبويا للجمال يتمحور حول بعد الفصاحة والبلاغة اللتين هما من أمهمات "جمال الجمال" في شخصية (جمال بن الحسن)؛ ففي معجم "اتفاق المباني وافتراق المعاني:

(َقَالَ الْعَبَّاس للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا الْجمال فِي الرجل يَا رَسُول الله؟ قَالَ اللِّسَان؟

وَقَالَ أَيْضا: جمال الرجل فصاحة لِسَانه، وَقَالَ: أجمل الْجمال الفصاحة)

فكأنه والله- بأبي هو وأمي- كان يعني جمال بن الحسن.

2- سيمياء الاسم:

من مأثوراتنا الدارجة على الألسن: "لكل شيء حظ من اسمه"، ولعل أبا نواس كان أكثر الشعراء توفيقا في توظيف دلالة سيمياء اسم ممدوحه، واسم أبيه، واسم جده، حيث قال مادحا العباس بن الفضل بن الربيع:

"عبَّاسُ" (عَبَّاسٌ)، إذا احْتَدَمَ الوَغَى***و "الفضْلُ" (فَضْلٌ)، و"الربيعُ" (ربيعُ)

ولقد وفق شاعرنا العلامة عدود حيث قال:

ومُدِلَّةٍ بالحُسْنِ، قلتُ لها: اقْصِرِي***إنَّ الجَمَالَ "جمالُ عبْد الناصر"

ولأن جمال ولد الحسن كان اسما على مسمى، وجدنا شعراءنا قد عزفوا على وتر اسمه، مبنى ومعنى، حيث يقول العلامة المختار بن حامد رحمه الله جاعلا منه حقيقة "جمال الرجال":

تسائلني فُلانُةُ: ما الجمالُ؟ ***فقلتُ: العْلْمُ، والعَمَلُ الحَلالُ

فقالتْ: هلْ علَى ذا الشرْطِ فيكمْ***رِجَالٌ، فِي الجَمَالِ، لهمْ مَجالُ؟

فقلتُ لها: نعمْ، فينا رجالٌ***جَمالُهمُ أقرَّ به الرجالُ

فقالتْ لي: وهلْ فيهمْ "جَمَالٌ"؟***فقلتُ لها: "جَمَالُ" لنَا جَمَالُ)

وقال فيه العلامة كراي ولد أحمد يورة معتبرا إياه "جمال الشباب":

ما زلتُ أبْحثُ عن جَمالٍ للشبا*** بِ، فعَزَّنِي، حتى لقِيتُ “جمالا"

وفي مقطع من مرثية العلامة محمد الحسن ولد الددو يندب فيه "جما الأجيال":

أ "جَمَالَ" الأجْيال؛ علما، ودينا***وهدى، راقيا، وخلقا، مُرَقَّى

وغير بعيد من هذا السياق، يقول الأستاذ: سيدي محمود الهلال، بتورية لطيفة، يصوره فيها "جمال الشعر" والأدب عموما، والعلم بصورة أعم :

تركت بـلادا، لا "جَمَـالَ" لشِعْـرِها***إذا اجْتَمَع النادي، ولا النثرُ أجْمَلُ

محـابرُها جفـَّتْ، وغـارَ مِـدادُها***وأقـلامُها ثكْلَى، وَلَلْـعِلْمُ أثْـكَلُ

3- جمال الذكاء والتفوق

الذكاء استعداد فطري، وموهبة ربانية، والتفوق منجز عملي، قد لا يكون وليد الذكاء بقدر ما هو نتاج الجد والاجتهاد، وجمال طرفي الثنائية-في شخصية جمال ولد الحسن- أنهما تآخيا، وعززا بعضهما بعضا، فعرف هذا الفتى كيف يوظف مواهبه، وفتوته في فتوته، فآزر كسبُه وهبه.

4- جمال الرواية والدراية:

العقل ليس خلقا عضويا، بقدر ما مُرَكَّب مجموعة من الملكات، التي إذا نميت إحداها على حساب أخواتها، اختل التكامل المنشود في البنية العقلية السليمة، ولهذا كان هناك علماء علمهم، أكبر من عقلهم، وآخرون عقلهم أكبر من علمهم، وهناك علماء لديهم خزائن في عقولهم حافظة لكثير من العلوم، لكنهم يفتقرون لملكات التحليل، والمقارنة، والاستنباط، وهذا الدكتور: محمد المختار بن أباه يقول عن جمال: (أعتقد أنه أيضا من الذين جمعوا بين قوة الذكاء، وقوة الحافظة، وعادة قل أن يجتمعا).

وإلى جمال ثنائية روايته ودرايته، ألمح النحوي في مرثيته:

وعِلْمًا كمْ سقيتَ به ظِماءً! ***وفهْما كمْ غذوتَ به جياعا!

5- جمال الأصالة والمعاصرة:

طرفا هذه الثنائية يمثلان جذور الشخصية، وفروعها، وجمالهما أن يكون رسوخ الجذور، متناسبا مع شموخ الفروع، فالجذر الراسخ الذي لا يمد فروعه بالخصوبة والنماء، محكوم عليه بالتخشب، والفروع اليانعة الشامخة، التي لا تقوم على جذر أصيل مآلها الانقصاف والانعجاف،

وإلى جمال ازدواجية أصالة (جمال بن الحسن) ومعاصرته، يقول العلامة محمد الحسن الددو:

أأعزِّي ثقافةَ العصْر؟ أمْ مَا***وَرِثَ الأقْدمُونَ ممَّا تبَّقَى

6- جمال البديهة والروية

من جمال هذه الثنائية في شخصية هذا العبقري أنك كنت تراه يرتجل، وكأنه قد رَوَّى، وفكَّرَ، وقدَّرَ، وتراه يُرَوِّي، وكأنَّه يرتجل، ويستنفر بديهته الجياشة، وتلك لعمري، من أهم سمات العباقرة الاستثنائيين، مثل: جمال بن الحسن، الذي عندما يدلف إلى المنبر، حتى يستغرق الحاضرون في عملية تلق يجمع بين الانفعال، والإخبات، في محراب تفاعل كيمياء جمال العرفان، وجمال "التبين والبيان"، انطلاقا من جمال التصور والتفكر، إلى جمال التفكير والتعبير... الذي طالما كان ديدن أستاذنا جمال في كل دروسه ومحاضراته.

7- جمال المحاورة والمناظرة

عندما يكون الأستاذ متمكنا من معارفه، وقدراته العلمية، وأدواته المنهجية، وواثقا من سلطان بيانه، على مخاطبيه، يميل- غالبا- إلى الأريحية في المحاورة، والمناظرة، ويتخلص من المزاج المتشنج، الشديد الحساسية تجاه الرأي المخالف، أو المشكك، لا سيما إذا كان- مثل جمال- شابا ضاجا بالحيوية، مدججا بكل مقومات التألق والألمعية، وفي الوقت نفسه يتمتع بروح المرح والطرافة، مع الجدية، والاجتهاد...وحسن الأخلاق. ولهذا يقول الأستاذ النحوي في مرثيته إياه:

أترحل هكذا عنا و تطوي***حديثا لا نمل له استماعا؟

8- جمال الاختيار والأطروحة في بحوثه:

لقد انعكس ذكاء المرحوم: جمال ولد الحسن وألمعيته المشهودة والمعهودة، في حسن اختياراته لمواضيعه، وجمال أطروحاته العلمية، التي يقترحها منطلقا لجل مقارباته البحثية، حيث يتنكب دائما عن السطحي السهل المألوف المعروف، فينضج التصور العميق للقضية، ويحكم التصوير الرائع والدقيق لعنونتها، وعرضها، واعيا كل الوعي بحدود الأطروحة المقترحة ومفاصلها، وأفضل الأساليب في تناولها، مبرزا قدراته الخارقة في تفكيك عناصرها، وإعادة بنائها، في خَلْق منهجي عجيب، وسبك أدبي غريب، وخير مثال على ذلك أطروحته للدكتوراه التي وسمها بـ:

(الشعر الشنقيطي في القرن الثالث عشر الهجري: مساهمة في وصف الأساليب)

حيث يقول عنها:

"يبدو عنوان هذه الرسالة، في ملفوظ صياغته واضح المعالم، جلي القسمات، قائماً على أركان متينة، تكفي عادة لحد ماهية البحث العلمي حداً جامعاً مانعاً، لا لبس فيه ولا التواء.

فهو يصرح بموضوع البحث (الشعر)، في مكانه (شنقيط)، وزمانه (القرن الثالث عشر الهجري)، ثم يحدد الوجهة المنهجية التي هو موليها (وصف الأساليب)"

9-جمال التلقي والإلقاء

التلقي والإلقاء، طرفان لعملية استقبال الخطاب، ثم إرساله، لكنها ليست بهذه البساطة، فالتلقي معقد، والإلقاء أيضا كذلك، وهما يتداخلان، ويلتبس بعضهما ببعض، لا سيما بالنسبة للعباقرة، أمثال (جمال بن الحسن)، فهو لا يقوم بتلقي النصوص الأدبية إلا وفق منظومة مركبة من آليات التحليل الداخلي، تمثل مصفاة اختيار دقيقة الغربال، وعالية معاير الجودة، والتذوق، ومن هنا يكون التلقي بالنسبة لجمال وأمثاله إلقاءً صامتا، والإلقاء-عندهم- تلقيا ناطقا... لكم رأيته حين تعتريه نشرة الطرب بما يتلقى، وبما يلقي، من جميل الشعر والنثر، يفتر ضاحكا، أو يقهقه، وقد يفغر فاه كالمشدوه، ولقد يحملق فيمن حوله، أو فيما حوله، فتجحظ عيناه، ولم أر "جاحظا" جميلا قبله.

10- جمال الشعرين والثنرين

الجمع بين موهتبي الشعر والنثر، قلما يتفق إلا لأفذاذ المبدعين، ويدخل في سياق ذلك أن الشعر والنقد شريكان متشاكسان، قلما يقبلان التعايش النَّدِّيَّ، المتكافئَ في كينونة الأدباء، لكن جمال (جمال ولد الحسن)، يتأتى دائما من جمع ما يتفرق في غيره من المواهب، فتحت جلده يزدحم الشاعر المتمكن بالفصيح والشعبي، والناثر المتنفن في الفصحى والحسانية، والناقد الحصيف المتمرس، والباحث الدارس المتعمق المُجدد.

وأنا أقول إنه -حقيقة-كان مفردا بصيغة الجمع، فكأنه كان يرثي نفسه، حين رثى محمدن بن حامد، حيث قال:

جمْعٌ بَدا مُفْرًدًا، من حيثُ رُتْبتُه***ومُفْرَدٌ قدْ حوَى جمْعًا أفانينَا

فكانَ مهْما اختلفْنا، فهْو يَجْمَعُنا***وكانَ.. أنَّى ذَهبْنا.. فهْو نادينَا

11- جمال الخلق والخلق

إن الجناس في جمال (جمال ولد الحسن)، بين الاسم والمسمى، يقتضي الجناس- في الجمال- بين الخَلْق، والخُلق

يقول الشيخ الخليل النحوي:

وسَمْتا فِي الهُدَى سمْحًا سَديدا***قويما، لا اعْوِجاجَ، و لا ابْتِدَاعا

هوتْ هامُ الرِّجَالِ، وظَلـْتْ شهْما***نَقِيا.. طاهرا.. ندْبًا.. شجاعا

تَشعُّ سنًى.. على وطَنٍ عزيزٍ**أضاعَ فَتًّى، وَأيّ فتًى أضاعا!

12- جمال العمرين: الوجود والخلود

أنا أعتقدُ –جازما- أنَّ العُمرَ الحقيقي للإنسان عموما، هو أثَرُه الشاهدُ، ومُنْجَزُهُ الخالدُ، وليس الامتدادت الزمنية، الفارغة، ولا شك أن الله قد جعل (لجمال بن الحسن)، "لسان صدق في الآخرين"، ما هذه الندوة إلا إحدى تجلياته المستمرة، حيث رزقه الله من مواهبه الجليلة ما منحه جمال العُمْريْن، عمر الوجود، وعمر الخلود، وذلك ما لخصه العلامة محمد سالم بن عدود بقوله: إنه: (ذهب طولُ عمره في عَرضه)، وقد ترجم الخليل النحوي ذلك في مرثيته:

طَوَيْتَ القرْنَ، فِي عقْدٍ، عَطاءً***وشبْرا، إذ قطعتَ، قطعتَ باعا