إعلان

الشاعر عبد الله أمون يكتب... الطريق إلى عاصمة الضباب (4)

اثنين, 05/14/2018 - 03:59

أصل التسمية

 

كان سكان مدينة لندن يستخدمون قديماً الخشب للإنارة وتوليد الطاقة وذلك قبل الثورة الصناعية و قبل استخدام الفحم, ولطبيعة احتراق الخشب التي تنتج دخانا كثيرا ومع انتشار وكثافة الضباب الطبيعي في الشتاء كان دخان الخشب يمتزج بالضباب الطبيعي مما ينتج عن دخان كثيف يغطي سماء المدينة ويحجب الرؤية بشكل كامل, ومن هذا الوضع اكتسبت لندن تسمية مدينة الضباب 

لندن قطعة من الماضي تعيش في الحاضر, إنها مدينة لم يتغير فيها منذ قرون متعاقبة سوى البشر , وبعض المباني لكن معظم الأحياء القديمة والشوارع التي وطأتها أقدام من رحلوا قبل قرون, كل ذلك مازال قائما ولم يحدث عليه من تغير سوى ما فرضته الطفرات التكنولوجية المتعاقبة

ورغم الدمار الهائل الذي أحدثه الحريق الكبير الذي فغر فاه يوم الأحد الثاني من سبتمبر سنة 1666 ولم يشبع حتى يوم الأربعاء الخامس من الشهر نفسه إلا أن أجزاء كبيرة من المدينة ظلت عصية عليه وانتفضت أجزاء أخري منها فور هلاك التنين لتنهض من تحت الرماد كطائر العنقاء الأسطوري

ورغم أن ذلك التنين الهائج أتى على سبعين ألف منزل وابتلع كنائس وقصورا إلا أن قصر الملك Charles II  المعروف ب The Whitehall Palace والذي ما يزال منتصبا حتى الآن على شارع البرلمان في قلب لندن - وقف في وجهه مانعا إياه من التحلية بحي ويستمنستر الأرستوقراطي

لم يكن هتلر أرأف بمدينة لندن من الحريق الكبير فقد أمطرها بملايين الأطنان من القنابل خلال الحرب العالمية الثانية لكنها عادت ولبست فستان الزفاف ورقصت في موكب المنتصرين على جثمان القائد النازي المعتوه.

خلال تسكعي بعد صلاة العشاء - وكان البرد قارسا - تذكرت قول الطيب صالح في روايته موسم الهجرة إلى الشمال واصفا مدينة لندن: هي بلاد تموت من البرد حيتانها, لقد كانت فعلا كذلك

ورغم أنني لم أدخن طيلة حياتي إلا أنني ودون شعور وجدتني أتتبع مصدر خيط دخان نرجيلة شامية زكم أنفي وأشعرني بشيء من الدفئ لأكتشف انبعاثه من مطعم غير بعيد فدخلت دون تفكير وقبل أن أجلس تقدم إلى النادل الذي كان شابا مصريا وعرض على خدماته, بعد أن ملأت التي لا تحمل الزاد قفلت راجعا إلى الفندق ونمت

بعد صلاة الفجر عدت إلى الفندق وأعددت فنجان قهوة ولم أغادر الغرفة إلا ضحى,

خرجت من الفندق أتجول في شوارع وأزقة تلك المدينة المحنطة التي ما زالت تحتفظ بكثير من ما وصفها به Thomas Dekkar عام 1606 في كتيبه الذي عنونه بالخطايا السبع القاتلة في لندن "The Seven Deadly Sins of London" , لقد شاهدت معظم ما تحدث عنه من صخب المدينة وازدحامها وانتشار الفنادق الصغيرة والحانات والأكشاك وورش العمل والتجار والمتسوقين والبياعين وبعض الكلاب والقطط و المتسولين, هذا عن الوجه الظاهر للمدينة, أما ما خفي عن الأعين - والذي تحدث عنه الكاتب من فجور وبيوت دعارة وصفقات مشبوهة ومرابين وقوادين ولصوص ومجرمين - فلم أهتم كثيرا بالبحث عنه رغم تأكدي من وجوده, ربما اختفت من لائحة الكاتب التي ذكر الخنازير والأغنام والأبقار التي كانت في زمنه تزاحم المارة في أزقة المدينة

الملفت في الأمر أن معظم البيوت لم يتغير ومازال يحتفظ بكينونته بكل تفاصيلها وجزئياتها فكأن مئات السنين التي مرت كانت تعبر مسرعة فتنزلق عبر ظهورها الحدباء الملساء دون أن تخلف أثرا يذكر

واصلت السير على الأقدام عبر ال  Regents street باتجاه حديقة ال

Hyde Park كنت أتأمل بتعجب تلك المباني المعمرة التي ظلت تحتفظ بملامحها رغم عوادي الزمن وتعاقب الجديدين ورغم ما اختزنت ذاكرة جدرانها من أفراح وأتراح أجيال تعاقبت على العيش فيها

دخلت الحديقة من بوابة ال Marblearch الشهيرة والتي يتخذها اللاجئون في بريطانيا منبرا لعرض قضاياهم السياسية على الرأي العام العالمي حيث لا تخلو من مخاصم بحق أو باطل عن قضية معينة............ يتبع

 

________

الحلقات السابقة:

 

الأولى

http://sadanatoualharf.com/node/1757

الثانية

http://sadanatoualharf.com/node/1758

الثالثة

http://sadanatoualharf.com/node/1756