بعد أيام في تونس العاصمة استعدت من خلالها شريط الذاكرة لأيام مضت في نفس المدينة قبل عشرين حجة خلت, كانت الساعة تقارب الثامنة مساءا عشية الرابع عشر من مارس في مطار تونس قرطاج , الجو ممطر وبارد كأن الشتاء أراد أن تظل ذكراه ماثلة في أذهان ساكني تونس العاصمة والعابرين خلالها حتى وهو يودع مفسحا المجال لدخول فصل الربيع
في طابور الإجراءات غير الطويل, حيتني فتاة محجبة وسألتني إن كنت متجها إلى باريس قلت نعم قالت حسنا لدي عرض لك, ستدفع ثمانية دينارات تونسية وعند الوصول ستجد شخصا في استقبالك يحمل لافتة كتب عليها اسمك سيوصلك إلى أي عنوان في باريس وبعد الوصول تدفع له خمسة وعشرين يورو, وجدت العرض مناسبا - رغم ارتفاع التكلفة مقارنة بسعر القطار - لأنني سأصل باريس عند منتصف الليل تقريبا وسيكون الجو باردا إلى أبعد الحدود, فقبلت العرض دون تردد وقامت الفتاة بالإجراءات اللازمة
بُعيْد التاسعة مساء كانت الطائرة تمخر عباب الجو الغارق في السحب الكثيفة متجهة إلي عاصمة النور لتصل مطار أورلي بعد ساعتين ونصف من السباحة جوا
في المطار وأنا أتفحص اللافتات المرفوعة وقعت عيني على الاسم يرفعه شاب خلاسي ينحدر- على ما يبدو- من إحدى جزر ما وراء البحار الفرنسية, بادرني قائلا هل أنت السيد فلان قلت أجل قال مرحبا بك في باريس تفضل معي وأخذ الحقيبة من يدي
بعد دقائق كان الباص الصغير يلتهم طرقات باريس وشوارعها بنهم وقبيل منتصف الليل أوصلني إلى فندق Timhotel Jardin des Plantes الواقع في قلب الحي اللاتيني والمحاذي لمسجد باريس الكبير , سلمت رقم حجزي المسبق لموظف الاستقبال ثم صعدت إلى غرفتي وخلدت إلى النوم،
صليت الفجر في مسجد باريس الكبير وانتابني شعور عارم بالألفة بعد ما قرأ إمامه الشيخ دليل أبوبكر الجزائري الفاتحة برواية ورش عن نافع وقنت في الركعة الأخيرة , أحسست حينها كأن زمان غربتي ينحسر لتطل من ورائه مساجد أدمن عمارها قراءة نافع واتباع مذهب مالك أبا عن جد.
العاشرة صباحا كنت في الطريق إلى مطار شارل ديغول لأستقل رحلة الخطوط الفرنسية المتوجهة إلى مطار هيثرو بلندن..................... يتبع