
إلى العلّامة الأكثر: محمد الحسن ولد الددو
تأهّبْ حبيبيْ فالزمان تأهّبا
وأسرجَ تاريخاً جَسيماً لِتركبا
ألم يجترِحْكَ النّايُ لحناً مُقدَّساً؟
ألم يقترحْكَ اللحنُ صوتاً مُذهّبا؟
فأنتَ -إذا ما الدهر أظلم- ساطِعٌ
تُوَزِّعُ نور الله شرقاً ومَغرِبا
كسَوتَ الليالي أبيَضاً إذْ عبَرتَها
وصارت بِكَ الأيام أرحبَ أرحبا
وهذيْ كؤوس من نبيذٍ، إلَيكَها
فكلُّ شَرابٍ -حين جِئتَ- تَعَنَّبا
لأنَّكَ مِلح الأرض تَفهمُ حزنها
فغيْمُكَ ما ولّى وبرقُكَ ما خبا
هطلتَ كثيراً، كمْ جَرَيتَ جداوِلاً!
وأتقنتَ عطشاناً! وأعشبتَ مُجدِبا!
حنَوتَ على الأشجار وهيَ صبِيَةٌ،
ألستَ الذي أسقى وحامى وشذَّبا؟
تُصرِّفُكَ الناسُ التصاريف كُلَّها،
وحكمُكَ يبقى الرفعَ حصراً لِتُعرَبا
ورِثتَ نبوءاتٍ قُدامى، حرستَها
فصِرت إليها قابَ.. أو صِرتَ أقربا
فكادكَ أقزامٌ شُهوقُكَ غاظهمْ،
وظلّوا كما كانوا، وما زِلتَ كَوكَبا
قرأتُ أراشيف العجائب، إنّما
وجدتُكَ من تلك العجائبِ أعجَبا
سألتُ الصحارى عنكَ يا ابن سَديمِها،
فأسهَبَتِ الأشجار والرملُ أسهَبا
يقولون: كان الكُلَّ في الكُلِّ، -ما رأوْا
وما سَمِعوا أسمى وأرفعَ مَنصِبا-
تَهجَّتهُ موسيقى اللُّغاتِ قَصِيدَةً،
أليس له أن يُستطاعَ ويُكتَبا؟
أتى عالَماً لَمْ تُرتكبْ قبلُ أرضُهُ،
وأثّثهُ بالمُعجِزاتِ وطنَّبا
تماهى مع الأرواح حدَّ حلولِها
ودانَ بدين الحبّ يوم تمذهبا
فيوم أتى الدنيا يضِجُّ بنَصِّهِ
تغنى له التأويل: أهلاً ومَرحبا
هو الوطنُ المسكوبُ، حَيثُ تشاؤهُ
فحسبُكَهُ أُمّاً وحَسبُكَهُ أبا.
محمد يحي ولد الحسن









