إعلان

كاف وطلعة

خميس, 02/06/2025 - 02:34

 

يشترك لغنَ مع الشعر العربي في العديد من الخصائص والمميزات؛ فالتافلويت تشبه الشطر، والكاف يكاد يتطابق مع البيت، بله الطلعة والقطعة الشعرية، إضافة إلى اختلاف الأغراض، ووحدة الروي، وتوظيف المحسنات اللفظية.

 وفي المقابل يتميز شعر الحسانية ببعض الخصائص التي لايشترك فيها معه شعر عمودي ولا أفقي، فظاهرة تطلاع الكفان، على سبيل المثال لا الحصر،  تبقى من خصوصيات مجتمع البظان، بحيث يعالج أديب معنى في كاف، فتسير به الركبان وتغني به القيان، فيسمعه أديب آخر، فيعالج المعنى من زاوية أخرى، فيفتل عدة تلفواتن تنسجم شكلا ومضمونا مع الكاف الأصلي، فيظن المتلقي أن النص لشخص واحد.

ورغم أن الأصوليين يقولون إن عدم الإيجاد لا يقتضي عدم الوجود، إلا أنني لم أصادف خلال مطالعتي لأمهات الأدب، اشتراك شاعرين عربين في معلقة أوقصيدة أو قطعة شعرية، وهو ما يؤكد أن ظاهرة التطلاع خصيصة بيظانية صرفة. 

من ناحية أخرى، فقد أتحفني المدير الأديب المختار بن بوزفر مساء اليوم بكاف وطلعة أصابا من نفسي موقعا، فصاحب الكاف خريج مدرسة بدال ول سيدميل وكمم بن أشفغ أعمر وإخوتهما، وقد تحاوصته أعظام لغن وهو ما يزال شابا يافعا، فبات إعل بن سيد يعرف يكاطع الكبار، ويعكر الأشوار، ويشدو بغزله  الشعار، ورغم أن فقيد بني مغفر الشيخ أحمد بن الشيخ أحمد رحمه الله، جمع خلال عمره العريض الكثير من خصال المجد والسؤدد والمد، وشيم الدين والمروءة وحسن الخلق، وهو ما لاتحيط به اتهيدينة أو كرزة، إلا أن الأديب إعل ول سيد يعرف استطاع أن يرثيه بكاف معلوم جمع فيه أركان المرثية، فتكامل معناه ومبناه، وختمه بإفلاق سلس غير متكلف، وهو أمر صعب لا يلقاه إلا أديب عاتن ذو حظ عظيم، يقول إعل :  

يلِّ عفوك حك أيشرحْ
لخلاك اُعَفُوكْ امبدُّ
عفوك تغرظ فيه الشيخ أحْ 
مَدُّ ول الشيخ أحمدًّ

طرب المدير الأديب المختار بن بوزفرة، لكاف إعل ول سيد يعرف واستحسنه، لكنه نظر إليه من زاوية أخرى، خاصة وأن الفقيد صديقه وابن عمه ويعرف فيه من أبيه شمائلا، ومن خاله ومن يزيد ومن حجر،  فقرر تطلاعه، وزاد فيه معاني جميلة اختار لها قوالب أنيقة،  وأضاف إلى الكاف قيمة مضافة، فقال:

واتبدلًّ شباب ذاك
بالجنَّ، يجبر ذاك الحاك
لخلاك، واتفكّ يالفكاك 
من ش ما يبغيه، أودُّ 
بالطايفْ مَنٌَك وابرضاك
والطف بأهل الشيخ احمدًّ
واعليهم يمالك لملاك
بددْ لطفك تم امبدُّ

لفت انتباهي أن الأديب المختار بدأ من حيث انتهى الأديب إعل، وهو ما يخالف مشهور مذهب لمغنين، حيث أن الكاف يكون ملخصا لأفكار الطلعة، إلا أن الأديب المختار فضل أن يكون نصه متمما مكملا للمعاني التي رامها الأديب.

وفي ذات السياق، يلاحظ المتفحص للكاف والطلعة أن الأديب إعل بن سيد يعرف ركز في كافه على "العفو"، ولا شك أن عفو الله يحتاجه الميت في حال حلوله في قبره، بينما ركز الأديب المختار على "اللطف"، وهو أهم ما يحتاجه الأهل والولد بعد مصابهم الجلل.

وقد قلت لصديقي المختار إنه انتزع كاف إعل انتزاعا، وزاده لفظا وإيقاعا، وهو ما يعد إبداعا.

يعقوب بن اليدالي