
لا تُـقْصِنِي.. لا يُمكنُ الإقصَاءُ
مهما عَشَوْتَ سَتُشْرِقُ الجَوزَاءُ..
أنا هذهِ الأرْضُ الكريمةُ، والحدا
لنخيلها.. والغيمةُ الوَطْفَاءُ
أنا ما تَكُونُ زهورُها فوّاحَةً
لولايَ ما فاحتْ بِها زَهْرَاءُ
لا تُـقْصِنِي.. لا يُمْكِنُ الإقصَاءُ
أتَكُونُ قـاعاً قِــمَّة شَمّاءُ
أيَشُقّ درْباً من يُعيْقُ دَلِيلَهُ
وتحولُ دونَ طَريقِهَا صنعَاءُ؟
هل ثَـبّـتَتْ حالَ السُّقُوفِ عَوَاصِفٌ
أمْ أرشدتْ مُسْتَبْصرًا غَبْرَاءُ!؟
أوَ تنكر الأغصانُ زينةَ ثَـمْرِها
وتُزيلُ ريْشَ هَدِيْلِهَا الورقَاءُ!؟
اِسْأَل بلادي؛ دُونَ إعيَاءٍ، تُجِبْ
هذا الوفيُّ لدارسي إحْيَاءُ
اِسْأَل بلادي لنْ تراها أنكرتْ
شَجْوي، فَشَجْوي للبلادِ دعاءُ
أو تُنكِرَ الزّهَرَاتُ ريْحَ أريِْجِهَا
أم ترفضُ الغَزَلَ الجَمِيْلَ نِسَاءُ.!؟
لا تُـقْصِنِي.. لا صوت يُنسى بالصّدى
مهما عَلا أُذُنَ الأصمّ نِدَاءُ
أوَ تحجبُ الأضوَاءَ عنّي إنّني؟
قَمَرُ المفازةِ مُـقْمِرٌ وَضَّاءُ
الأرضُ تعرفُ من أنا.. أنَا شَاعرٌ
إنْ عدَّ في وديَانِها الشُّعَرَاءُ
والأرضُ تعرفني لأنّي حُبّها
وجميلها ودَلِيلُها المشّاءُ
باكيتُ قبلَ اليومِ من ضاقت بِهِمْ
فَمَغَارةُ المنفى لهمْ إسْرَاءُ
منها بعهدِ البومِ هاجرَ "فاضلٌ"
ومضى "جمالٌ".. ذلك اللألاءُ
ومضى "ابنُ عَبْدي" في السَّبيلِ مُهاجِرًا
وبِمِثلهِ كم فَـرّط البُلُهَاءُ!؟
ما كنت أعْذُر لليَمَامةِ جَهْلَها
لما رأتْ أشجارَهَا الزَّرْقَاءُ
كانتْ على ظَهْــرِ الضّحيّةِ قَـشّةٌ
وبِدَاخِلِ الفِنْجَانِ كَانَ هَوَاءُ
لا يَجْهَلُ التّاريخ منْ حَارَبْتَ في
أرْضٍ تَئِنُّ بوزْرِها الأرْجَاءُ
ما للعشيرِ تغيظهُ كلماتُنا..
أيَسُرُّهُ منْ نَفْسِهِ الإعْيَاءُ؟
القزمُ من سَاءَتْهُ قَامَتُهُ ولمْ
تُحْصِنْـهُ إلا الألسنُ الجدبَاءُ
ما بيِ من الجوزَاءِ يشْرقُ عالياً
لترى العَظِيمَ بِحَالِهِ العُظَمَاءُ
لولا النّجومُ لأظلمتْ تلك السّمَاءُ
وَعَمّمَتْ ألوَانَها الظَّلْمَاءُ
ما بعد حلْمِ الحالمينَ حكَايةٌ
أزليّةٌ لا خَبْطَةٌ عَشْوَاءُ..
لا؛ لنْ يذلّكَ ما تحُوكُ عصَابةٌ
ملعونةٌ هي للذّبابِ إنَاءُ
أتَسُوْمُ في المضْمَارِ خَيْلَكَ بغْلَةٌ..
وتَرُوْمُ دربَكَ نَمْلَةٌ عَرْجَاءُ..؟!
أنا منشدُ الأرْضِ التي بوريدها
عَـزّ النّزيفُ وطوّحَ الإفشَاءُ
الأرضُ تعرفُ أهْلَهَا منْ أهْلِهَا
وهم بلحْنِ رمَالِهَا عرفاءُ
لولا اللُّحُونُ تورقتْ.. جفّتْ على
شَفَتي مَقَامَاتٌ.. وَدَالَ غِنَاءُ
فإذا بَصُرْتَ بما تُخَبِّئُ أنْـفُسٌ
عن أنفسٍ... لأذلّكَ الإصْغَاءُ
...
يا مُبْلِِغَ المعنى.. أدِرْ من صَحْوِهِ
سُكْرَ الغِيَابِ فَسُكْرُهُ اسْتِـبْـرَاءُ..
قلْ حين تْصغي والمحدّث كاذبٌ
إنَّ الحديثَ عنِ الهُرَاءِ هُرَاءُ
يا صاحبي.. ما كنتُ شَاعِرَ بَلْدَةٍ
تَلهو بهِ في الحيّ حيْن تَشَاءُ
لم أحتَـفِظْ بقصيدتي غجريةً...
يُفْضِي بِمِخرزِ دربـِهَا البسطاءُ
أنا ذلك القَبَسُ الرّفيعُ ضِيَاؤُهُ
لا يرتَجي لمشاعلي إطفاءُ
أنا برهةُ الزّمنِ الـمُضمّخِ بالنَّدَى
سَاقٍ أضلَّ كُؤوسَهُ الغُرَبَاءُ
آتٍ.. وأندلسٌ.. بنايِ صَبَابَتي
ذكْرى تَحُوْكُ سَدِيْـمَهَا العَنْـقَاءُ..
ولكم شدوتُ مع الرّبى وظلالها
لتعيدَ ملْءَ وريدِهَا الصَّحَْرَاءُ
أرْوَى تَـغَـنّتْ أدهرًا بقَصَائدي
وتعلّقتْ منْ بعْدِهَا ريّاءُ
فَوَشَمْتُ في "وادي الشَّقَارَى" دَهْرَهُ
حتّى وشتْ بِنَصِيْفِها تَيْمَاءُ
وروى نديمُ الرّمْلِ قصّتَـنَا مَعًا
ومعًا طَوَى صفحاتِنَا القَرَّاءُ
زمزمتُ من ماء الوريدِ حكايةً
وعلى شفاهِي لليَمَامِ حُدَاءُ..
باكرْتُ منْ زمنٍ تكَهْلَلَ أنْجُمًا
فإذَا بِكُلّ شُمُوسِهِ إمْسَاءُ.
لا تُـقْصِنِي.. إنّ الجِرَاحَ هويَّتي
وَشِفَاهُ جُرْحي ما لهنَّ رواءُ
في جُرْحِيَ الحنفيّ رتْقُ عَوَاصِفٍ
قد شيّبتْ بشبابها الأنواءٌُ
فيه الأغاني المشرعاتُ بأحرفي
إنَّ الحروف بحالنا أحشَاءُ
ما ضرّني جهلُ المناكرِ بي.. ولا
نكرانُ فَضْلي والوَرَى شُهَدَاءُ
بل سَرّني أنّي عَلَوْتُ بِهِمّتي
ومضيْتُ حينَ الآخرونَ وَرَاءُ
إن كان جهْلُ الجاهلينَ أفادَهَمْ
فهمُ بكلّ مَــعَرَّةٍ أسْوَاءُ
تُبْلى بلُؤْمِ زَمَانِها العُظَمَاءُ
وتَـعيشُ دُوْنَ العِزّةِ الدَّهْمَاءُ
مالي أغرّدُ.. والزَّمَانُ الرَّطْب لا
يأتي؛ وأمْرُ الـمُبصرينَ خَفَاءُ
أتُضُيء دوْنَ دَمِي نُجُومٌ كنّسٌ
وتَغورُ في لَيلِ الغُيُوْمِ سَمُاءُ!؟
أنا لا أرُومُ قُلامَةً مِمّا تَرى،
فأنا الثّريُّ إذ العَفَافُ ثَرَاءُ
أنا والثّريا سابحان بِعَالمٍ
والخلقُ تشغلُ خَطْوَهُ التّيْهاءُ..
أعيتْ خُطَايَ تَمَائمَ العرّافِ مذْ
في شأنِهنَّ استيأسَ القُرَنَاءُ
خطْوي على دربِ استقامتهِ مَضَى
ما حَرّفَتْ من خَطْوِيَ الرَّمْضَاءُ
دهرٌ "تَكَرْبَلَ" في دَمِي؛ فَكَأَنّ بِي
من كَرْبَلاءٍ مَا رَوَى القدماءُ
يَا صَاحِبَ الرُّؤْيَا أعِدْ تَأْوِيْلَهَا
بعد العواصفِ سوف يجري الماءُ
وَغَدًا يَعُودُ إلى الرِّئَاتِ نَهَارُهَا
وَغدًا يَزُولُ الحزْنُ والبُرَحَاءُ.