وجدت اللغة ليتم التفاهم بها بين الناس، لذلك فهم يتداولون ألفاظها كما يتبادلون الدراهم، أثناء اقتناء حوائجهم من الأسواق، ونظرا للتطور المستجد للفكر، فإن التعبير عنه يحتاج أيضا إلى عملية تطور مستمرة، وهو ما يجعل اللغة بمثابة الكائن الحي الذي ينمو ويتغير بصفة دائمة.
أما المشترك اللفظي فهو قسم من أقسام فقه اللغة، ويعني اتحاد الكلمتين في النطق واختلافهما في المعنى، ويكثر في اللغة العربية بسبب ثرائها وحاجة الشعراء إلى توظيف المحسنات البديعية خاصة منها ما يتعلق بالجناس التام.
وتتميز اللهجة الحسانية بثراء مفرداتها وغزارة تعابيرها، ويرجع ذلك إلى قربها من اللغة العربية الفصحى من جهة، و إلى تلاقحها مع لغات ولهجات أخرى؛ كالصنهاجية واللهجات الإفريقية واللغة الفرنسية، من جهة أخرى.
ولتسليط الضوء على حضور المشترك اللفظي في الحسانية، انتخبت ثلاث كلمات هي "الدَّگْ" و "اللوح" و "العارظ" ، وحاولت، أن أبين مختلف دلالات كل ملمح، وذلك اعتمادا على توظيفها في سياق الخطاب العادي.
أولا: معاني كلمة الدَّگْ
أحصيت لكلمة "الدَّگْ" زهاء عشرين معنى مختلفًا؛ فهي تعني طحن الحبوب وتحويلها إلى الدقيق، كما تطلق على كمية الزرع المعتادة المخصصة لعشاء العائلة، يقول الشيخ امحمد بن أحمد يورَ- رحمه الله- في بيته الشهير:
الشعر أحسنه بيتان بيتان * والدَّگْ أفضله مدان مدان
كما ورد "الدَّگْ" بنفس المعنى في أبيات الشيخ آب بن اخطور – طيب الله ثراه- حيث يقول:
خليلي إن الجوع في زمن الشتا* شديد على الفتيان بل عنده الحگ
فلما أتينا الحي قالت نساؤهم * علينا بهذا اليوم قد عسر "الدَّگ"
ويرد بلفظ "الدَّك" في "الحسانية الزمنية" بمعنى الغدر، فيقال للغدار "الدَّگاك"، كما يطلق على إطلاق الرصاص المباشر "دگو بعمار" أما عبارة "دگْ لوتاد" فتحمل شحنة دلالية تفيد الثبات و الإقامة وطول المكث ومنه المثل (دگْ أَوْتَادْ العَافْيَ) ، ومنها "الدَّگْ الزين" ويعبر بها عن الصفات الخَلقية الجميلة، كما تطلق أيضا على التصميم الجميل حيث هو. كما يعبر ب "دگْ الموس و الشوك" عن الوخز الحاد، و في نفس السياق تأتي عبارة "دَگْ اذهب" أي صياغته في قوالب جديدة، أما عبارة "دَگْ ادْلِ والشـِّـمْـلَ" فتعني صناعتها وفتلها، وقد أشار إلى ذلك الملمح الشيخ الشاعر الهادي بن بدي في مدحته الشهيرة للشيخ محمد الحافظ -حلت عليهما رحمة الرحمن-، فقال:
أدَگْ ادْلِ وِاجِلاَّتِنْ المَعْلُومِينْ * إِلَعَادْ آوْلِيگْ لاَحِگْ إِعْلَ گْرْوَالْ
ومن هذا الباب قولهم: "دَگْن ابعينيه" و تعني تركيز النظر على منطقة الوجه، ومن ذلك قولهم في المواجهة الصريحة: (گْلْتْهَالُوعَيْنْ ادّگْ افْعَيْنْ)، أما عبارة "داگْن في العين" فتأتي غالباً على سبيل التبخيس ، كما يعبر بها أحيانا عن شدة التأثر بالأمر كقول الشاعر:
شِفْتْ اشْرِيفَ وِالحَكْ زَيْنْ * مَشْيِتْهَ وَمَيْـرَارْهَ
عَايِدْ لِلْغِـيدْ إِوَارْ عَيْنْ * عِطْبْ العَيْنْ إِمْنْ إِوَارْهَ
من ناحية أخرى، تأتي عبارة "دَگْ لِكْلاَم" عن لون من ألوان البلاغة الخطابية، ومن مليح أمثلته الممازحة الشهيرة التي جرت بين تلامذة الشيخ يحظيه بن عبد الودود- رحمه الله-، عندما أمرهم بكتابة قطعة شعرية ترحيبية بوفد رسمي سيزور المحظرة، فقال الشيخ محمد عالي بن عدود ممازحاً زميله الأديب ابوه بن أسياد "ذيكْ دَگّ في ابّوه" فأجابه الأخير قائلا : "انْتَ مَا رَيْتْ اطِّيرْ اعْلِيهْ امْنْ اجْمَاعَ مَاهُ آنَ"؛ ولا يخفى ما في ذلك من البلاغة وسرعة البديهة.
وقد يرد لفظ "الدَّگْ" بمعنى التعريض، ويروى أن أحد أدباء أهل الببان استخدم أسلوب الحكيم، في جوابه لمن نهاه عن توظيف "الدَّگْ " في شعره، فقال له على البديهة "حَدْ مَا دَگْ مَا يِتْعَشَّ"، وقد ورد هذا الملمح في النص الأدبي الجميل، الذي كتبه الأديب الرجال بن الميداح في التوجيه حيث يقول في "گْاف" الطلعة:
أُعَــظْمْ الغِلْظْ - أُلاَهِ دَگَّ- * عَادْ إِرِگْ الـيُومْ امَّفْهُومْ
أَهْلْ اليُومْ أُعَظْمْ الرِّگَّ * يِغْلاَظْ امَّفْـهُومْ أَهْلْ اليُومْ
وفي نفس السياق، يأتي لفظ "دَگْ لِگْدِمْ" الذي يعبر عن محاولة توقيف الدابة أثناء رياضة النوش المعروفة، كما تستخدم عبارتا: " دَگْ الركبة" و" دَگْ لكدام" كثيراً أثناء العراك بين اللدات، و اختبار قوة التحمل البدنية، وتجدر الإشارة إلى أن عبارة "دَگْ لكدم"يعبر بها أهل السماع عن المهارة في الرقص.
أما عبارة "دگْ اطريگْ"فتعني ابتداع لاحب جديد أو طريق غير مطروقة، وفي نفس السياق تأتي عبارة "دَگْ الريح" التي تعني المغادرة على عجل و وجل.
ومن باب جمع النظائر، يطلق لفظ "الدِّگْ" بكسر الدال، على صغار الإبل والبقر التي فصلت عن أماتها، ويقابلها "اللغو" في الضأن والمعز، وقد وردت الإشارة إلى ذلك الملمح في مدحة الأديب المختار بن هدار للشيخ محمدن بن أحمد بن حبيب الشهير ب آفيشيل- عليهما رحمة الله- حيث يقول:
يَذَ مِنْ گلِّتْ لاَ اتْعَابْ* يَالمُخْتَارْ أُحَانِي اسْحَابْ
وَللَّ تَسْمَعْ عَنْ حَدْ غَابْ* وَللَّ زَادْ اتْجِ سَامِعْ
عَنْ راعِينَ دَخْلْ اتْرَابْ* دِكُّ مِتْلاَحِكْ جَامِعْ
وَللَّ ذَ حِكْ اسْمِينْ صَابْ* نَازِكْ وُلْ أمْ ادْوَامِعْ
ثانيا : معاني كلمة اللوح
اللوح المحفوظ : وهو معروف
لوح لكراي: وهو المخصص للتعلم، ويجمع على ألواح، وقد ورد ذكره مفرداً وجمعاً، في النصيحة الشهيرة التي كتبها الشيخ سيديا رضي الله عنه، والتي خصص منها ثلاثة أبيات لوصف النساء، وليس في ديوانه من غرض الغزل غيرها، وهي:
وَمَن كَانَ ذَا "لَوْحٍ" وَهَمٍّ وَطَاعَةٍ * فَلَا يَدْنُ لِلْمُسْتَصْبِيَاتِ اللَّوَاعِبِ
فَمَا أفْسَدَ "الْألْوَاحَ" وَالْهَمَّ وَالتُّقَى * كَبِيضِ التَّرَاقِي مُشْرِفَاتِ الْحَقَائِب
مِرَاضِ الْعُيُونِ النُّجْلِ حُوٍّ شِفَاهُهَا * رِقَاقِ الثَّنَايَا حَالِكَاتِ الذَّوَائِبِ
كما ورد أيضا ذكر اللوح في "كاف" القاضي أحمد سالم بن سيد محمد، الذي خاطب به الأديب الراحل أحمدُّ بن الولاي- رحمة الله عليهما- فقال:
وُلْ الوَلاَيَ فِيكْ أَخِيرْ * تَمْ أَسْمَعْلِ وِ اللَّوْحْ أَكْرَاهْ
مَانَكْ تَلْمِـيدِيَ يَغِيرْ * إِعْلِيـكْ امَّوْصِينِ بِدَّاهْ
لوح العين: ويعني الاهتمام بفعل شخص، ومحاكاته فيما يقوم به
لوح الزرع أي بذره ومنه لحريث املاوح
لوح الدَّگْ أي إيصاله إلى من سيعالجه.
اللوح بين المتخاصمين: ويعني التحريش بينهما
لوح العود: ويعني القرعة، ويوظف عادة في اختيار اسم الوليد يوم سابعه، وكذلك في قسمة لحم "الونْگْالة" ومنه قولهم: اللِّي بَكَّاهْ عُودُو لاَ اسْكِتْ.
لوح الدابة يطلق على رمي الدابة لمن ينوشها على الأرض، ومن النكت الايگيدية المتعلقة بالموضوع، ما يروى من أن أحد الطلاب كان يقرأ خطبة القاموس على شيخه، فلما بلغ قول مجد الدين الفيروز أبادى " على أني أذهب إلى ما قال أبو زيد، إذا جاوزت المشاهير من الأفعال التي ياتي ماضيها على فعَلَ، فأنت في المستقبل بالخيار"، قال الشيخ: " أرَاه ُ لاحْتُ فَعَلَ".
لوح المجروح هو تعتاب الكسير المهيض، يقول الشاعر:
عَگلِ فِمْجِيَ لَهْلْ اسْوَيْدْ * زَدْفُونِ بِالمَوْسَمْ كِلاَّحْ
أَلَّ لاَحْ إِلَ مَاهْ ابْـعِيدْ * مِنْ بَلْ اخْبِيطُ فَمْ أُطَاحْ
لوح ادبش حمله أو إنزاله عن ظهر الدابة بحركة واحدة.
لوح الدية أي تقسيمها بين عاقلة الجاني.
لوح الأغنية وتعني تكرار ظهر الشور من طرف "الشَّدَّادَ"
لوح اسلام إرسال السلام عن بعد يقول الشاعر :
لَحْمَدْ كَانْ الْحَگتُ نَاسِيهْ * وَللَّ فَمْ ابْـحَدْ أُبَدَّلْتْ
لُوحْ اسْلاَمْ اعْوَيْشَنِّ فِيهْ * وَانَ وَاسِينِ مَا سَلَّمْتْ
يَعْرَفْ لَوْحُ ويعبر بها عن المستوى الثقافي والمعرفي للشخص، ومنه قولهم في الفخر : (ذَاكْ مَا فَاتْ لَحْگ لَوْحَكْ)، يقول الأديب الراحل محمد ول ابن ول احميدا - رحمه الله- في الفخر:
وِامْغَنِّ عِجْبُ زَادْ لَوْحُ * تَعْرَفْ لِمْخَالِيگ
عَنْ وَاللَّـهْ مَا ايْلُوحُ * فِبْـهَارِ لِخْنِيگْ
لوح الخيل عرض الخيول على الأفراس النجيبة بهدف التلاقح.
لوح الابل ضرب من السير.
كرشه لوح وصف جمالي للمرأة، يعني أنها هضيم الكشح.
لوح الكتف أي سطحه الذي كان يكتب فيه الأوائل؛ لقلة الكاغد.
ثالثا: معاني كلمة العارظ
العارظ المطر الأول وهو الوسمي ولعل أصل الكلمة عربي قال تعالى: (فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَٰذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا)
العارظ أول النبات الذي يظهر بعد المطر الأول يقال "لرض امعورظ"
العارظ الحافظ
العارظ الخد
عارظ الركَبة صفحة العنق
العارظ المتلقي و المستقبل
العارظ اسم فاعل من "العَرْظَ" وهي الهدية التي يقدمها القادم من السفر، يقول الأديب الأر يب بل بن ديد – رحمه الله- مخاطباً أحد أصدقائه:
انْتَ لاَ ظَرَّكْ بَاسْ العَيْنْ * أُفِلْعَرْظَ لاَ ظَرَّكْ مَغْوَاسْ
إِلاَهْ اكْرِطْلِ كَرْتْ أَلْفَيْنْ * الـنَّاسْ أَلَّاَّ تِكْرِطْ للْنَّاسْ
العارظ مشتق من المصدر "اتْعَارِيظْ"، ويشير اللفظ إلى العملية التي يتم من خلالها الإمساك بالدابة الشرود، أو التي يريدون وضع الميسم عليها، حيث يتفرق الرجال عادة قرب ساحة البئر ليمسكوا بها.
وتجدر الإشارة إلى أن أغلب معاني هذا الملمح، وردت في رائعة الأديب باب بن هدار التي مدح بها الشيخ محمد عبدالحي بن سيدأحمد بن محمذن بن الصبار – عليهما رحمة الله- والتي يعتبرها النقاد من غرر المدح الجميل غير المتكلف.
يَعْوَارِظْ حَـدْ ابْلاَ اجْدِرْ* لاَ نِـمْشِ مَانِ عَارِظْ
لِعْوَارِظْ خَـيْرَكْ وِاجْدِرْ * لَخْــظَرْ عَاگبْ لِعْوَارِظْ
مَاِكيفَكْ حَدْ اليُومْ دَابْ* يَالشّــِيخْ إعْلَ وِجْهْ اتْرَابْ
وِالمَعْطَ مَانَكْ فِيْه شَابْ*صَارِمْ مَعْنَاهَ گارِظْ
وِلْگارِظْلَكْ وِاللِّي اغْتَابْ * إِعُودْ اغْتَابْ ءُ گارِظْ
طَبْعَكْ لِحْـلاَوَ وِاجْوَابْ* بِللِّ فِـيهْ اللَّ فَارِظْ
وِللِّ لَيَّـنْتْ امْنْ ارْگْاب* كَانْ أَگـسَ مِنْ لِمْعَارِظْ
عَاِرظْ لَلِّي جَ بِالشْرَابْ * وِبْلُكِيلْ اتْـجِ عَارِظْ
يَلْـعَارِظْ سَطْرِتْ كِلْ بَابْ * يَلِمْـجَوَّدْ يَلْـعَارِظْ
يَبَـحْرْ العِـلْمْ أَيَسْحَابْ * الْمَـعْلـومَ وِالعَارِظْ
يعقوب بن اليدالي