القصيدة والفيس بوك - حسب وجهة نظري- بينهما خِصامٌ ووئامٌ، حيث إنَّ القصيدةَ وليدٌ يتَخَلَّقُ في وجْدان الشاعر، من أمْشاج تفاعلاتِ ذاتِه، مع العالَم من حوْلِه، وهذا ما يقتضي إعطاء فرصة مخاض طبيعي للتجارب، حتى تُولدَ مُكتملة النموِّ، خِلافًا لسُرْعَةَ التفاعل مع الفيس بوك، التي تقتضي مواليدَ مُخْتزلة المَخاض «خِدَاجًا».
ولكن الفيس بوك – من ناحية أخرى- يكفل للقصيدة انتشارا وسيرورة، لا توفرهما منابرها ووسائط نشرها التقليدية.
ومن استطاع الجمع بين إيجابياتهما معا، أحرز الحُسْنَيَيْن.
كما أنَّ النقد خطاب علمي، على خطاب إبداعي، وقديما قال الجرجاني: «إنَّ الخطابَ على الخطاب صعْبُ»، ولا سيما في مجال الشعر، ومن هنا تتجلَّى صعوبة إنتاج الخطاب النقدي الأكاديمي، لتعَذُّر اكتمال شروطه وأدواته الذاتية والعلمية، وهذا ما يفسر قلة المتخصصين فيه، وندرة الموهوبين من هؤلاء أيضا، لأنَّ الرصيد الأكاديمي وحده قد لا يكفي لإنتاج ناقد عبقري، إذا لم يكن مسكونا بروح مبدع عبقري.
وبما أن منبر الفيس بوك منبر شعري عمومي، فقد أصبح منبرا نقديا عموميا تبعا لذلك، فماعَ المشهدان: الشعريُّ والنقديُّ معًا، إذ صار يخوض فيهما كلُّ مَنْ هبَّ ودَبَّ، من دون وازع داخلي، ولا أية سلطة ضبط خارجي.
وعلى الرغم من أن مشاعية منبر الفيس بوك، يسرت قنوات التفاعل بين المُتلقي الجيد، والنصوص الرفيعة، فنالَ بعضُ المُبْدِعين المُبْعَدِين من الدائرة الضيقة للنقاد المُحترفين، نصيبا من الاعتراف والتقدير والانتشار، ما كان ليجده لو لم يكسر منبر الفيس بوك جدار احتكار سلطة النقد الاحترافي بين ثُلَّة من الأولين، وثُلَّة من الآخرين، تتعالى- أكاديميا- في أبراجها العاجية، فيأتي إليها النص الإبداعي، أكثر مما تأتي إليه، ويبحث عنها أكثر مما تبحث عنه، وتفرض عليه رؤاها، ومناهجها النقدية، أكثر مما تسايره في آفاقه البِكْر التي يرتادها، حيث يحتدم الجدل الخلاق بين سلطة الشاعر والناقد أيهما ينبغي أن يقود الآخر، وأيهما السابق واللاحق، ومن يوجه من؟
وإذا كان هذا المُعْطى لمشاعية الفيس بوك إيجابيا، فإن لها سلبياتها الأدبية الأكثر، حيث
تشوَّهتْ - بالفعل- العلاقة الخلاَّقة بين الشعر والنقد، وتضرَّرَ كلٌّ منهما من فوْضوية استغلال الفيس بوك، نتيجة لــ«سَيْبَة» التعليقات، والإعجابات، اللتين لمْ تعودا تُمَثِّلان رُؤيةً إبداعية، ولا مُمَارسة نقدية، بقدر ما تغَلَّبَتْ عليهما، جدلية: المُوالاة والمُعارضة، فاخْتُزِلتا- دائما- في المُجاملة أو المُنازلة؛ تَسَاهُلاً هنا، وتَحَامُلاً هناك. حيث لايَنْدُرُ أنْ ترى نصًّا جميلا يَحْصدُ أسوأ تفاعل، فيس بوكي، في الوقت الذي تحصد فيه أتْفه الكلمات عشراتِ الإعجابات، والتنويهات! فيا خسارةَ.. مَنْ يبني مجدَه الإبداعي على مثل ذلك الهراء السخيف.
المصدر: الوطن