(موهانداس كرمشاند غاندي ؛ كان السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلال الهند. كان رائداً للساتياغراها وهي مقاومة الاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل)
الوفاة 1948م
يقول الماهتما غاندي:
"القوة لا تأتي من المقدِرةِ الجَسديَّةِ، إنما تأتي من الإرادةِ التي لا تُقهَر"
حياة الماهاتما غاندي مليئة بالصراع الطويل مع الاستعمار ، رفقة زملائه في حركات التحرر المُختلِفة.
أركان مقولة الماهتما غاندي ثلاثة ؛
القوة،و الإرادة، و المقدرة الجسدية،
المقدرة الجسدية قد لا تكون البنية الجسمانية الهائلة وحدها فالخِبرة ترتبط بها و تُعينها و كذلك عامل الوقت و المكان و الظرف الحالي و الشباب و غير ذلك، و هذه المقدرة الأولى في كل صراع و عمل و يمكن تعريفها بالمَقدرة الذاتية البدائية لأن الحيوانات تستخدمها ، و حتى المواد الجامدة تملك نصيبَها منها، سواءً كان ضدَّ الكَسر أم الإذابة أم التقطيع و الجَر و الحمل و الحرق...
أما القوة فهي مفهوم كبير و متداخل مع عدة مفاهيم أخرى تتقاسم معه بعض الأركان و الهوامش.
فما هي القوة؟
و في أيِّ مجال تتركز؟
و هل تختلف باختلاف المصدر؟
و ما هي القوة التي يقصدها غاندي؟
و هل هي أصلية أم مُكتسبة؟
و كيف تصمُد أمام قوة أخرى؟
تتوزّع القوة من حيث المصدر إلى :
قوة عسكرية
و قوة اقتصادية
و قوة دينية
و قوة اجتماعية
و قوة شعبية
و تتداخل هذه الأنواع مع القوة التعليمية و العقلية و الصناعية و غيرها مما لا حصر له في عالَمنا الحديث.
فالقوة العسكرية و التي غلب عليها الاستخدام السلبي و أصبح وقعها في الآذان يعني الغطرسة و الاستعمار و التّغوُّل و الظلم و الهيمنة، و روافدهم من سلب و نهب و انتهاك و غير ذلك،
و الفرق بينها مع الأنواع الأخرى كالفرق بين الطاقة الكهربائية المُحبَّبَةِ و الطاقة النّووية المُخيفة رغم أنهما طاقتان نافعتان و ضارتان في الوقت ذاته، لكن غلبة الاستخدام هي التي جعلت هذه محبَّبةً و الأخرى مُخِيفةً بغيضة.
أما القوة الاقتصادية فليست بنفس السوء و السُّمعة السيِّئة التي تحظى بها القوة العسكرية ، و إن كان لها جانبها السلبي المُخيف و المؤثر على الأفراد و المجتمعات و حتى على المناخ و الحاضر و المستقبل، لكنها ظلت لها جوانبها الإيجابية المَشهودة.
أما القوة الدينية و الاجتماعية فالرابط بينهما كبير ، و قد تَمَّ دمجهما عبر عقود دون أن تُميِّز العامة بين ما هو دينيُّ بحت و ماهو عرفي اجتماعي مُستحدث و مُبتكر، و تختلف قوتهما باختلاف القادة و المُمثلين الشرعيين لكل فئة منهما.
أما القوة الشعبية و ربما هي المقصودة في مقولة الزعيم الهندي الراحل و المُناضل الكبير الماهتما غاندي، فهذه القوة المُستمدة من العمق الشعبي ،ليس بسبب الأعراق و لا الألوان و لا الدين و لا الأعراف، بل بسبب خطاب المبادئ و الأهداف ، ذلك الخطاب الذي يُحرِّك كوامنَ الشّعور الشعبي ، و يُوجِّهه ببوصلة البقاء و الوجود و يُغذيه بلوحات خالدة من التاريخ و التُّراث، و هذه اللوحات تشحذُها مَشاهد الواقع الأليم ، و صفحات الظلم المكتوبة و المسموعة و المرئية،في وقت كان سدنة الظلم لا يستترون و لا يعتقدون أن الذاكرة الجَمعيَّةَ المسموعة و المكتوبة ستحتفِظُ بمحاضِر أفعالهم و أقوالهم، و أن التاريخ لا يسير في طريق واحد مُعبَّد دائما.
القوة التي لا تُقهر عند الزعيم الماهتما غاندي، هي اقتناع الفرد و الجماعة بمَسارهم و أنه هو الأصوَبُ و الأقوم، و الإيمانُ بالمبادئ العظيمة دافعٌ قويٌّ إلى التّضحية بكل شيء في سبيلها ، بالمال و المركز و الحرية و المواقع و الإنسان نفسه إذا دعت الضرورة إلى ذلك.
الإرادة هي السَّعيُ الحثيث في اليقظة و المنام و في حال العجز و القدرة إلى هدف مُقدَّس منشود !
الإرادة هي اقتناع داخلي خفيٌّ يمسِكُ زمامَ القيادة، و يحرِّك الجسم و الأحلام و الطموحَ نحو ما يُحدِّده ذلك اليقينُ الثابت الصَّلب المُتحكِّم.
و لما كان مركزُ القيادة الفعلي(الإرادة) خفِيًّا ،أصبحت محاولة اجتِثاثه أو التغلُّبِ عليه كمحاربة الهواء و الخيال ، و مقارعة الأشباح دون معرفة مكانهم و لا قدراتهم و لا كيف يتأثرون بالأفعال و الأقوال، و أي نوع من التخطيط يمكن تطبيقه عليهم.
الإرادة التي لا تُقهر هي الطوفان الشعبيُّ الهائج الذي صَهره الظلم ، و هيَّجته سنوات الخنوع و الصدمات، إنه نوع من ثورات البحار و البراكين و ارتجاف الزلازل في رقصاتها السريعة،
التي تُشبَّه بابتِسامِ الموت قبل أن يفتَرَّ عن أنيابه الطويلة.
أين مصدر القوة اليوم إذا غضب المُحيط الهادي و قرر لحظةً أن يطلق أمواجا بطول كيلمتر واحد على سَطح اليابسة ليسقيَّ ظَمَأهَا الدائمِ ، و يُبلل بِرِيقهِ شِفاهَ الرمال في الصحراء ؟
أين قوة العالم اليوم حين تَحْملُ الرياحُ كميةً مجهولةً الرقم من الفيروسات المُدمِّرة لتوزِّعها على جميع الدول و البلدان في وَقت واحد و بعدالة متناهية الدِّقة ؟
أين قوة العالم اليوم حين يقرر كوكب كبير و عظيم عِناقَ الأرض في مشهد نادر من مشاهد عِشقِ الكواكب ، أو توادِّها و تَعاطفها البَيْنِي. ؟
أين قوة العالم اليوم حين تُرسل الشمس شِهابَ قبسٍ إلى الأرض لتدفِئتِها و تعقيمها من التقلبات المناخية و التغيرات الجديدة ؟
كانت تلك الأسئلة لتذكير الإنسان بحجمه الطبيعي داخل المنظومة الكونية الهائلة، و أنه رقمٌ مُهمَلٌ مُقيَّدُ القدرة و الفِكر و التصرفُ، و أنه مهما بلغ من قوة يحسبها بحسابه القاصر
عظيمةً ، فإنه بنظرة فاحصة إلى النجوم و الكواكب ، إلى البراكين و الزلازل إلى البحار و المُحيطات، بتلك النظرة وَحْدها يمكنه فهم الأشياء و تحديد مكانه الصغير و الصَّغِيرِ جِدًّا بينها.
و بذلك يُدركُ أن الإرادة سِرٌّ من أسرار هذا العالَمِ الخَفيِّ المَجهول، و أن إدراكها من عاشِرِ المستحيلات، فكيف بالتغلُّب عليها و قهرها و توجيهها، حسب إرادةٍ أخرى منبَعها نفعيٌّ مادِّيٌّ يُسايِرُ الغَرائزَ و العادات.