محمد الأمين السملالي
|
|
|
"إمام العلم بالحرمين، وخادمُه بالمشرقين والمغربين"، العلامة محمد محمود بن التلاميد، الشنقيطيُّ دارا، التركزيُّ نِجارا، الحرميُّ مُهاجَراً ومزارا، المصريّ الأزهريّ موئلاً وقرارا (1245-1322هـ). عَلَمٌ سارت بأخباره الركبان، وتفاخرت به الأمم والبلدان. أقام في الحرمين الشريفين مدة من الزمان، بعدما أدى فريضة الحج سنة 1283هـ، في عهد شريف مكة عبد الله بن محمد بن عون، فقرّبه الشريف وعرف له مكانته العلمية. وكان من قدر الله على السيد القاضي الحسن بن أحمد التهامي، المعروف بعاكش اليمني، أن وفد في تلك الأيام على شريف مكة، وأهداه كتابا من مؤلفاته في شرح لامية العرب للشنفرى، فما كان من الشريف إلا أن أحال الكتاب على الشاب الشنقيطي (كان حينها في الأربعين) من أجل "تحكيمه" وإجازته للنشر وما يترتب عليه مكافأة واعتبار. واللهم اجعل في ذلك الخير! كان الشنقيطي متحمساً للمهمة، فالشعر وتاريخ العرب قد ملكا عليه لبه واهتمامه، ولم يمكث إلا قليلاً حتى جاء بالتقرير، لكنه لم يكن أيّ تقرير؛ كان مؤلَّفا كاملا، تكفي قراءة عنوانه لإدراك الحكم الذي أصدره على الكتاب، فقد سماه: "إحقاق الحق وتبريء العرب، مما أحدثه عاكش اليمنيّ في لغتهم ولاميةِ العرب"! وهكذا قضي الأمر الذي فيه تستفتيان. في تعليقه على أخطاء الشارح، يحاول ابن التلاميد أحياناً أن يكتفي ببيان الخطأ وتصويبه، ولكنه في أحيان أخرى يستفزه الخطأ في نوعه ورمزيته، فلا يملك إلا أن يطلق سهامه الصائبة، ويشكو إلى الله حال أهل الزمان، ومن ذلك تعليقه على البيت السابع من اللامية: وكلٌّ أبيٌّ باسلٌ غيرَ أنّني * إذا عرَضَتْ أولى الطرائدِ أبْسَلُ فقد شرحه السيد القاضي، جاعلاً "كلّ" مضافاً و"أبيّ" مضافاً إليه! وحينها علق الشنقيطي غاضباً: أحمد الله ذا الجلال وذا الإكْ فعلق المحقق في الهامش على البيتين الأول والثالث بأنهما منكسرا الوزن! (شكل: 1)، هكذا بكل بساطة! لم يفكر المؤلف في أي احتمال آخر، مثل أن يكون الخطأ من الناسخ، خصوصاً أنه لم يعتمد نسخة بخط المؤلف. لم يفكر المحقق في أن ابن التلاميد قد يكون مؤهلا للتمييز بين المكسور والصحيح من أشعار العرب، ولم يفكر المحقق -وهو الأكاديمي- أن يبحث عن الأبيات في مظانها، رغم أن ذلك من ألفباء التحقيق العلمي، ولو بحث لوجدها في كتب الأدب وفي كتب الحديث الشريف، ومنها سنن ابن ماجه (شكل: 2)، لأنها من شعر الصحابي الجليل عبد الله بن زيد الأنصاري، قالها بمناسبة رؤياه للأذان، ونصُّها الصحيح: أحمدُ اللهَ ذا الجلال وذا الإكْ
ولو كانت للمحقق أذن عروضية، لأدرك بالبديهة أن تفعيلات الخفيف في الشطر الأول ينتهي عند الكاف من "الإكرام" لا عند الألف، من غير أن يحتاج للرجوع إلى مصدر أجنبي، ولأدرك أن "بهن" في البيت الأخير هي المناسبة للوزن بدلاً من فيهن. ولو كان يعرف مَن صاحبُ الكتاب الذي تكلّف تحقيقَه لأدرك أنه لن يخط بيمينه أبيات الخفيف إلا على الوجه الصواب. كحاشية المحذوف زيَّنَ لِيطَها * من النبع أزْرٌ جاشكٌ وكتوم فيناقشه الشيخ الشنقيطي في معنى "المحذوف"، مستشهدا بأبي سعيد السكري شارح ديوان الهذليين، الذي فسر "المحذوف" بأنه: إزار قصير. وعزوُ الشيخ صحيح. |