
الاستشراف الأول
في نهاية هرج كالموج، وموج كالمحق، وتدافع بالأيدي والمناكب حول المنافع المبعثرة على قارعة الطريق الهارب، وتلهف تحدوه عواصف لهب ظمآن، تحت دخان ابيض و أسود كثيف الأرجاء، يغشى الوجوه والعوالم؛
سوف يقبل الشاب المحفور في تقاسيم الأفق، ذو الملامح السرابية الممحوة الألوان، ويشخص خطيبا في الجموع الحاشرة أن اسمعوني!!
عندها يعم الصمت، ويذوب التدافع، وتتجمد الأرجل في ضحضاح السكون، وتنصت كل الأبصار في جهة واحدة، وتشخص ألأسماع نحو كل نأمة، فيجلجل الصوت المعدني مترددا في أعماق النفوس الواجفة:
- هل صنعت البشرية يوما سلاحا ولم تستخدمه؟
فتجيبه الخلائق:
- لَمْ.
فيصيح فيهم:
- لديكم سلاح لم تستخدموه ولا يملكه إلا بعضكم فليستخدمه، حتى يتجسد الشر كاملا فتأذن نهايته.
- ونفنى؟!
- نعم؛ يفنى أغلب شراركم وبعض برآئكم، ويستريح المتخلفون منكم ومن الأحفاد عن العصف الناري، بعد عناء سحيق من ىكابدة جنونكم المتطاول في التظالم و إبادة بعضكم لبعض، واستشراء عماكم الأعمى.
- متى أيها الشقي المطل من رحم الغيوب؟
- عندما أخرج فيكم.
- وماذا بعد خروجك و المحق أيهأ النذير القادم من التلاشي؟
- استراحة وهدوء بين الخرائب؛ يليه انبعاث:
أحفاد مجللون بالسخام، يخرجون من تحت الرماد خروج طائر العنقاء من رماد اشتعالها.
- وبعد؟
- يلعنونكم ويلعنون خبالكم، و يبتدعون خلْقا ناشئا، وينشئون من عدمكم دورة رخاء متطاولة، لا ينغِّصها غير ذكراكم أنتم البائدون.
ذكرى أجدادهم الذين أفنوا نفوسهم بأيديهم وذكائهم الأكمه.
- وما ذا بعد أيها النذير؟
- سيبقون كذلك في رخائهم المريء ما عاشت العِبرة في ذاكرتهم، فإن نسوكم سؤدوا ذكاءهم الهدام وجسدوا ما أورثتموهم إياه من غريزة التفاني والتظالم، وساروا على دربكم المنكود.
- تبا لك أيها النذير، روعتنا.
- وتبا لكم يا حطب الفناء. لقد روعتم أنفسكم قبلي.
انتهى المشهد.
م. أحظانا