لن أتحدث هنا عن محطات تلاقينا- روحيا- في القوافي والمواقف… ولن أنشر مراسلاتنا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فتلك لحظات بث مصانة… ولن أتحدث عن حرص كل منا لتقديم الآخر، إلى المنابر الإعلامية الأدبية الدولية التي يعرفها، بعيدا عن التناكر.. والإقصاء.. السائد في ساحتنا الثقافية، والأدبية……
سأسترجع فقط لحظات مواساة متبادلة بيننا، حين يفتقر الشاعر المفجوع، إلى شاعر، يسند رأسه إلى نبض قلبه، ويتوكأ على قلمه/عصاه، ويهش بحروفه على مشاعره الجريحة، فعندما فجعت بشقيقي: الدكتور: حمَّ بن آدب:11/4/2014م، بادر الشيخ بلعمش، وهو السبَّاق للفضل دائما.. فكتب:
(الشاعر الباكي.. يعزي الشاعرا
تعزية إلى أخينا الشاعر أدي ولد آدبَّ و من خلاله إلى الأسرة الفاضلة :
أخَوانِ من دَوْحِ الكرامِ تَجاورا *** غُصنيْنِ ، و اتَّبعَا الجُدودَ مآثِرا
حتَّى إذا الأحزانُ هبَّتْ ريحُها *** طفقَ الِّذي كَسَرتْهُ يبكي الآخَرا
قلبيِ لقلبكَ مُنصتٌ بِدُعائهِ *** و الشاعرُ الباكي يُعزِّي الشاعرَا
حادِي الفناءِ و نحنُ نسعى خلفَه *** يأبى علينا الظلَّ يومًا عابِرَا
صبراً شقيقَ الروحِ و ابنَ شقيقِها *** فلقدْ عُرفتَ لدى الخطوبِ مُصابِرا
ولربما دعَت السماءُ حبيبَها *** و لربَّما سئمَ الفراقَ فسافَرا)
وسألت الله- في سري- أن لا تمر بالشيخ مناسبة تقتضي الرد عليه، ولكن 30/6/2016، كان يوما حزينا فقد فيه شاعرنا الراحل، شقيقين له، مع صديقين لهما، دفعة واحدة، خلال حادث سير مروع، في العشر الأواخر من رمضان، فكتبت:
(تعزية لأخي وصديقي المبدع: الشيخ بلعمش، نصير الجميع وقت الشدائد، وإلى أهاليه الكرماء.. الطيبين…
شَقِيقَـــاكَ.. والتِّرْبَانِ.. شَيْخَ القَصَــــائِدِ
هُمُ خيْرُ مَفْــــــقُـــودٍ.. فكُنْ خَيْرَ فَـــاقِدِ!
تَضَـــاعَفَ هـــذا الرُّزْءُ.. أنْ حَلَّ فجْأةً
ولــــكنَّ لُطْفَ اللهِ.. أقْــــــوَى.. مُسَاعِدِ!
لكَ اللهُ.. لِيَّ اللهُ.. رُزْؤُكَ.. فَـــاجِــــعِي
فأنْتَ.. أنَا.. شَخْصَـــــانِ.. لكنْ كوَاحِدِ!
أنَا عَــــارفٌ.. فَقْدَ الأشِقَّـــاءِ… يَــا لَهُ..!
وكنْتَ تُعَــزِّيــــنِي.. بِأبْـــهَى القصائدِ!
فدُمْ.. جَبَلَ الإيمَـــــانِ.. لا مُتَضَعْضِعًا
نُصِرْتَ.. نَصِـيرَ النَّاسِ.. عنْدَ الشدائدِ!
شَقِيـــقَاكَ.. والتِّرْبَانِ.. تَاقُوا.. لِرَبْعِهِمْ
فنَــــــادَتْهُمَ الجَنَّاتُ.. قَبْلَ المَعَــــــاهَدِ!
تَقَبَّلَ رَبُّ العَرْشِ-فِي العَشْرِ- صَوْمَهُمْ
فأفْطَرَهُمْ- فِي الخُلْدِ- زَهْوَ المَــــــوائِدِ!
فيَا أهْلهَمْ.. أهْلَ المَعَـــــارفِ.. والتُّقَى
بكمْ نَتَعَزَى.. يا شُــــــــــيُوخَ الأمَاجِدِ!)
وكنت على يقين من أنه سيرثيني لو مت قبله، ولم أتوقع أن أرثيه، وحين أفقت قبل أيام قليلة على نعيه، عبر الفيس بوك، شعرت -تحت وقع الصدمة الفاجعة- بأني فقدت سر الحرف مطلقا…ثلاثة أيام والفجيعة تخرسني.. ثم كتبت في آخِرِ آخِرِها، مسابقا نهاية وقت العزاء10/11/2017:
(سلام.. شهيد القدس
(ومضة من رثاء الشيخ ولد بلعمش شاعر المثل العليا)
أفتِّشُ.. عنِّي.. مذْ نعِيتَ.. فلا أنَا
أنَا.. وقَصِيدي.. صاحَ بِي: مَا أنَا هُنا!
معًا.. أذْهَلَتْنَا صَدْمَةُ الفجْع.. يَا لَهَا!
أيَعْنِي.. “بَريدُ الرَّاحلِينَ” الذي عَنَى؟
أُحَدِّثُ نَفْسِي: الشَّيْخُ بَلَّعْمًش.. الذي..؟
فيرْتَدُّ رجْعُ النّعْيِ.. يَحْرِمُنِي المُنَى:
هَوَتْ مِنْ سَمَا شِنْقِيطَ.. مِئْذَنَةُ الرُّؤَى
بَكى النخْلُ -مَفْجُوعًا- علَى شَاعِرِ الدُّنَا!
لقد ضاقَ.. بالقبْح.. الهوَانِ.. وشَاقَه
سَنَا المَلَأ.. الأعْلى.. فحَلَّقَ.. في السَّنَا!
سَلَامٌ.. شَهِيد القُدْسِ.. موْتُكَ ثوْرَةٌ
عَلَى مُنْحَنَى التاريخِ ذَا.. شَاهَ مُنْحَنَى!
سَلَامٌ.. شهِيدَ القُدْسِ.. عِشْتَ.. قصيدةً
ومتَّ.. نشيدَ الخُلْدَ.. يْحْلُو بكَ الغِنَا!
أخِي.. يا ابْنَ أمِّ الشِّعْرِ.. يَا ابْنَ أبِي العُلا
وَصِنْوَ المَبَادِي.. أنْتَ منْ متَّ؟ أمْ أنَا؟
مع تعازي إلى الأسرة الكريمة، واعتذاري لأن هول الصدمة أخرسني، فلم أستطع كتابة أي تدوينة من يوم وفاته.. رحمات الله تغاديه، وتماسيه، في الفردوس الأعلى.)
أدي ولد آدب.