ليس من السهل أن يولد في أمة من الأمم مفكر ملفت لانتباه الجميع، ومن النوادر أن يبرز فبها عبقري في الآداب والعلوم والفلسفة، ومن الصعب ان ينشا فيها مجدد في الدين والمجتمع.
لكن عدم السهولة أو الندرة أو الصعوبة لاتعني بوجه من الوجوه الاستحالة.
ولذا عرفت الأمم مفكرين أفذاذا، وعباقرة خارقين، وعلماء بارعين، ومفكرين وفلاسفة فائقين.
وإذا كانت الحقول، التي يزرع فيها كل ذي موهبة بذوره المباركة، مختلفة، فإن المتميزين يعانون من نفس المشكلة غالبا، ألا وهي عدم التلقي الفوري من عموم الناس وخاصتهم ابتداء، لأن هؤلاء الأفذاذ يخترقون مألوف الناس ومجرى عاداتهم، والناس لايرغبون أبدا في ان يخرق أي كان مألوفهم، هذا إذا لم يكرهوه وينبذوه، اويقتلوه اويخرجوه. فكم هم الناجون من إبداعهم بين المتميزين؟ لم ينج إلا القلة القليلة، التي حصلت على مواكبة الاعتراف بها في حياتها، لكن حتى هذا الاعتراف يأتي غالبا في غاية التأخير. اما الغالبية منهم فيتعرضون لأنواع الاضطهاد المادي والمعنوي، بل والتنكيل أحيانا كثيرة.
فأسعد المتميزين هم أولئك الذين يحصلون على التقدير في نهاية المطاف.
وبالمقابل، تغدق المجتمعات تقديرها، بل تقديسها على متميزيها في توبة متأخرة عن وقتها، حيث تثوب إلى رشدها بعد ما ناصبت عباقرتها العداء قبل رحيلهم، فلعنتهم ولعنت آباءهم وأمهاتهم.
هذه التوبة المتأخرة تولد أسوأ مزاج في نفوس المبعدين تجاه زمنهم، لأنهم يرون المستقبل المشرق لأفكارهم واستنتاجاتهم دون ان ينالوا الاستفادة منها في حياتهم الجسدية، فيلجؤون أحيانا إلى تدمير إنتاجهم حنقا على مجتمعهم الزمني. ونتذكر هنا أبا حيان التوحيدي، الذي لم ينج من كتبه القيمة إلا ماخرج من يده من قبل مثل كتاب المقابسات.
إن تسليم المجتمع بالواقع القائم يحول المتفوقين إلى أعداء طبيعيين للوعي السائد، ولذا تحكم عليهم النخب السائدة أحكاما قاسية، فتطردهم من جنانها الزائفة باعتارهم خصوما من الدرجة الأولى.
بالنسبة لي، كنت أحاول دائما أن لا أفوت فرصة سانحة لإضاءة ما - رغم خفوت مصباحي- على أحد المتميزين في مجالهم، ما وسعني ذلك، علي أوفق في تبديد طرف ما من تلك العتمة التي يلف بها قادة الرأي من خالوا أنهم مظنة تميز ما، مما سيفقد أولئك القادة بعض بريقهم وينقص الاعتراف الاجتماعي بهم، في إنكار عجيب تروح الأمم ضحيته، إذ لو لم يكن هناك حجب لربحت الأمة فترة حيوية ثمينة من استغلال التميز المبدع لأبنائها في الوقت المناسب.
اسلط اويتوجه نور مصباحي المتواضع في كل مرة على من رأيت فيه خاصية التميز دون أن أبالي برأي النخب السائدة فيه، أو رأي أهل مجاله فيه، أو صمتهم عنه، أوحديثهم عنه بالسلب. إلا أنني أتعهد مع ذلك بالدفاع عن رأيي بما أتصوره من حجج حتى لا أبنيه على هوى أوتحكم.
أمام المصباح- وهذا عنوان هذه المعالجة دائما - سيكون هذه المرة مع المفكر الإسلامي العالمي الشيخ عبد الله بن بيه. وعادة لست أنا من يختار أن يكون الشيخ عبد الله اوغيره أمام المصباح، بل المصباح نفسه هو الذي يختار ضيفه عمليا.
في حديث سابق من زاوية نظر مطابقة سلطت المصباح على العالم العبقري في مجال الرياضيات د. يحي ولد حامدن، وإن لم يكن عنوان المعالجة قد برز حينها قد تصدرها.
لكن لماذا أقول إن المصباح هو الذي يختار من يضيء أبعاده؟
إن الأمر يتلخص في أن منظور هذا المصباح موجه إلى أميز المتميزين في مجاله المعرفي والإبداعي.
إلا أنني لا أزال مصرا- إلى الآن- على أن تبقى المعالجة من نصيب أبناء البلد الذي انتمي إليه، لأنهم لم يحصلوا على حقهم من الذكر المحلي ولا الاعتراف الخارجي.
ومنهج هذه المعالجة هو تقديم مجموعة من الإضاءات مساهمة في التعريف بالمعني في مجاله وقراءة مساهمته قراءة أولية:
الإضاءة الأولى حول الشخصية:
الشيخ عبد الله بن بيه، شخصية جاذبة او محورية، أو أولى.. فالشخصيات خارج الإضافات المعرفية والخبرية تنقسم عموما، إلى شخصية جاذبة اومنجذبة؛ وشخصية محورية أو هامشية؛ وشخصية أولى أوثانية.
ويمكن استغلال ميزة الأفضلية في هذه المتقابلات الكبرى وتوابعها في أي مجال من مجالات الحياة العملية والمعرفية، فهي السلاح الأول للقائد، والخبير، والعالم، قبل أي سلاح آخر.
وجه الإضافة الذي أضافه الشيخ عبد الله بن بيه في هذا الجانب الشخصي هو استخدام هذه الملكة استخداما لطيفا في رحاب الريادة العلمية، رغم إتاحة أبعاد أخرى يمكن أن تجذب مثل هذه الشخصية كالقيادة السياسية مثلا، وهي أكثر الحقول استقطابا لهذا النوع من الشخصيات. وأعتقد - والله أعلم- أن توازن الوطاء الأخلاقي والتربية المعرفية والسلوكية لشخصية الرجل، كانت دوافع لتوجيه الملكة الشخصية الريادية لديه نحو العلم من حيث هو علم، لامن حيث هو ميزة اجتماعية، أو نخبوية..
وهذا الإخلاص للمعرفة في حد ذاتها لا يقود إلى العلم فقط، بل يقود أبعد من ذلك إلى تبني أخلاقيات العلم، والاتصاف بتواضع أهله وبعدهم عن الغرور به. وفي هذا كثير مما يمكن قوله من لطائف لا يتسع لها مقال من جملة إضاءات لاترمي إلى الاستقصاء.
الإضاءة الثانية في مجال الرؤية: العلماء- ونحن نتحدث هنا عن عالم في حقل واسع من المعارف الدينية واللغوية والفكرية- يختلفون في اتساع الرؤية وضيقها. ومعلوم أنه ليس هناك تلازم ضروري بين اتساع التحصيل المعرفي و اتساع الرؤية.
فالرؤية تترتب على طبيعة العقل بذاته، وخصائصه الذاتية؛ لا على الذكاء التحصيلي. ورغم أن الرؤية تستنير بالعلم وتتطور باتساعه إلا أن العلم قد يفيد صاحب الرؤية الضيقة أو القصيرة في الدفاع عن محدودية رؤيته وتوطيدها. فالمعرفة في حد ذاتها ليست مكونا للرؤية وإنما وسيلة لدعمها وتهذيبها، وهذا هو الفرق بين الملكة العقلية المذكورة آنفا بطبيعتها الخاصة، وبين العلم بطبيعته العامة. ولذا يمكن أن يكون العالم ذكيا جدا أو متوسط الذكاء، لكن قد لا يكون بالضرورة موصوفا بالعقل، فالعقل طريقة والعلم مضمون.
إن ضيف هذه المعالجة من المتصفين باتساع الرؤية، ولذا خرج من النطاق الجزئي إلى النطاق الكلي. إننا نراه - على غير عادة أغلب علمائنا الفقهاء- ينظر في الكليات الشرعية باعتبارها محددا عاما، لينظر للجزئيات ضمنها باعتبارها تطبيقا عمليا لجزئيات كليتها. وهذا دليل على اتساع الرؤية، لأنه تطبيق من تطبيقاتها النظرية والمنهجية.
الإضاء الثالثة: في الإضافة المنهجية
ألمحنا إلى أن الشيخ عبد الله بن بيه ينظر في الكليات الشرعية لينتقل منها إلى الجزئيات وهذه آلية منطقية بامتياز. وكونه يستخدم هذا المنهج في تطبيق الأحكام على أعيان القضايا الجزئية، يحوله من منهج التبعيض الجزئي إلي منهج التعميم النسقي، حيث ينظر إلى الأعيان ضمن نسقها العام. وتوفر هذه المنهجية خاصية الابتعاد عن التناقض في الحكم على الجزئيات المتشابهة. وهو عمى يصيب أغلب فقهاء الفروع، كمن يبت في خصائص كل ورقة من أوراق الشجرة بصورة مختلفة، ولايعتبر الخصائص المشتركة بين كل الأوراق في نفس الشجرة ليحكم بوصف شامل يصدق عليها جميعا.
وأنا أزعم أن النظرة من خلال الكليات، والبحث عنها وإعادة اكتشافها، ولو بإعادة الاستقراء، هي ما يجب أن ينصب عليه جهد المجتهدين المجددين.
ومن قرأ الأعمال العلمية للشيخ عبد الله بن بيه يلاحظ بجلاء نسقية واضحة في منهج قراءته، بل إعادة قراءته للمدونة الإسلامية في عمومها، وخاصة في مجال تطبيقي بالغ الأهمية هو الفقه الإسلامي، أصولا وفروعا.
وليسمح لي أصحاب الرؤية المحلية أو الجزئية للتذكير بأن الشيخ عبد الله، تأسيا بالغزالي في استخدام ما يفيد من نظريات فلسفية وعلوم عقلية، قد وطن رؤية الفيلسوف الألماني، صاحب النقدية العقلانية، في مجال العلاقة بين الكليات والجزئيات، كما وطن الغزالي آلية القياس الأرسطي في الفقه الإسلامي، وهاكم دليلا ساطعا على ذلك:
يقول "عمانويل كانت" في كتابه المؤثر في مسار العقل البشري الكوني من بعده: (إن الحدوس الحسية البعدية بدون مقولات قبلية عمياء، والمقولات القبلية بدون حدوس بعدية جوفاء ).
وبيان وجه تطبيق الشيخ عبد الله بن بيه لهذه المتراجحة التكاملية، يلاحظ بشكل جلي في استحضار الكليات عند النظر إلى الجزئيات باعتبار الكليات الشرعية قوالب عامة تتحيز فيها الجزئيات مهما تعددت. ومثال هذا تطبيقيا، أن المقولات الكبرى عند الفيلسوف "كانط" ثلاث، هي: مقولة الكم، وهي التي تنظم جميع الحدوس الحسية في تجاورها، ومقولة الكيف وهي التي تنظم كل الحدوس الحسية المتعلقة بالكيفيات التي تطرأ على الكم، ثم أخيرا مقولة الإضافة وهي التي تنظم علاقات التتالي في الكم والكيف، وبالتالي تدرك بها العلل وتميز ما إذا كان التلازم سببيا أوغير سببي..
وطبعا تمر الحدوس البعدية أو الفردية أو الحسية بضوابط أولية قبل وصولها إلى المقولات القبلية الثلاث الحاكمة في النهاية، وهذه الحدوس القبلية هي المكان الذي يصب سيله الجارف من المحسوسات المتجاورة في مقولتي الكم والكيف، بينما يصب حدس الزمان محتوياته من الإدراكات البعدية في قالب مقولة الإضافة وما يتبعها من علية وسببية وتلازم وغير ذلك.
فماهي زاوية الاستفادة؟ حسب مابدا لي من التجربة المنهجية للشيخ عبد الله بن بيه خاصة في كتابه "تنبيه المراجع.." أنه ربط ربطا نسقيا بين الجزئيات التي تصبح عمياء إن لم تتقولب ضمن كلياتها، وبالمقابل تكون الكليات الشرعية بحاجة إلى جزئياتها حتي يكون لها مضمون منطبق على واقع ما. فالكليات بدون جزئيات جوفاء لديه، والجزئيات بدون كليات عمياء بالطبع.
الآضاءة الرابعة:
في فهم الواقع وتوسيع مجاله
لقد استنار الشيخ عبد الله بن بيه بالفتوحات التنظيرية الفقهية للشاطبي، بشأن الكليات الشرعية الخمس (حفظ النفس، حفظ العقل، حفظ الدين، حفظ المال، وحفظ النسب.)، وهي التي يستتبعها مبدئيا جلب المصلحة ودرء المفسدة.. ويستتبعها منهجيا، ترتيب الأصول، من نص قاطع إلى عقل مميز.
ويعبر عن هذين المصدرين ترتيبيا ب: القرآن الكريم والسنة الشريفة، قولية وفعلية، فيما يعني النص؛
ثم عمل الصحابة و إجماع الأمة، و الاجتهاد، فيما يعني إعمال الفهم او العقل، على ترتيب في الدرجة.
وضمن مبدأ الاجتهاد الذي هو مجال أصحاب الأصول ثمة آلية قياس تستند إلى مقيس ومقيس عليه ورابط علي مشترك. وهذا المقيس هو في الفقه واقعة ما، لم يرد فيها نص ولا إجماع.. ويتطلب فهمها كماهي فهما للواقع باعتبارها جزءا منه.
فما وجه الإضافة التي أضافتها أعمال الشيخ عبد الله بن بيه إلى تصور الكليات كما قدمها الشاطبي ضمن آلية التاصيل؟
بإيجاز شديد، ونحن في سياق إنارة لافي في مقام بسط، أرى أن مشروع الشيخ عبد الله بن بيه في هذا المنحى، أعاد رسم حدود الواقع ضمن دائرة الاجتهاد، حيث لم يعد الواقع مفهوما جزئيا وإنما أصبح مفهوما كلي التحيز من ناحيتين على الاقل:
الأولى: أن هذا الواقع عامل من عوامل إعادة فهم النص وحدود الاجتهاد بفهم الدليل من خلال المتجدد المعرفي الذي وسع حدود الدلالة اللغوية. وهذا التوسيع يستدعي إعادة تاويل المجاز خاصة بحسب تجدد الواقع. ويستدعي هذا المعطى إعادة تعريف الاجتهاد، حسب توسع آليات فهم الواقع (نتائج العلوم الحقة والإنسانية ومعطيات الفكر العام باعتبارها مصادر لفهم الواقع الذي لم تعد درجة معرفته كما كانت من قبل. ) وهي نتائج تؤثر بقوة على حدود الواقع بالنسبة للمجتهد.
الثانية: أن فهم الواقع منهج وليس مبدأ نظريا فقط. فإضافة فهم الواقع منهجيا لمصادر الاجتهاد تساعد على تنشيط آليته وتدخل راهنيته ضمن نظر المجتهد.
لقد أضاف الشيخ عبد الله بن بيه إذن لفهم المقصد الشرعي عند الشاطبي، وفي زمنه المعرفي، إضافة نوعية هي إعادة رسم حدود الواقع وتحيزه ضمن مبدأ المقصد الشرعي في زمن معرفي راهن.
والأمر ليس بسيط الأثر على ما أعتقد، لأن تغيير وضع وتحيز وفاعلية أي معطى ضمن دائرة الاجتهاد يعيد رسم العلاقات بين أركانه، ومن ثم بين الاجتهاد وبقية الأصول، حيث يصبح فهم الواقع تعميقا لفهم النص الشرعي وربطه بمبدأ الاجتهاد.
الإضاءة الخامسة:
تتعلق بالفقه المالكي الذي هو مذهب الشيخ عبد الله بن بيه حيث يبدو ان هذا الفقه، نتيجة عوامل تاريخية، ومسالك منهجية، انفصل عن دليله منذ وقت مبكر رغم اعتماد كتاب الموطأ لمالك بن أنس على الدليل.
خاصية انفصال الأحكام الفقهية عن أدلتها جعلت هذا الفقه ينتشر في التشرََََيعات الأخرى، خاصة التشريع اليهودي والتشريع المسيحي في الأندلس، وكان تلامذة ابن رشد الحفيد من أبرز من قاموا بهذا الجهد، في محطة أولى، ثم جاءت التشريعات الفرنسية ومن تأثر بها في أوربا وأفريقيا.، بعد ذلك لتحدث الانتشار الأكبر.
لقد كان انفصال الدليل إذن، سببا في عدم التحرج العقدي لدى الديانات الأخرى المجاورة من الفقه المالكي باعتباره قانونا مفصولا عن دينه، لكن نفس الميزة كانت مأخذا لدى المذاهب الفقهية الإسلامية الأخرى على المالكية ، حيث كان فقهاء المذهب المالكي يواجهون من قبل الحنابلة مثلا، والشافعيين، أحيانا، بسؤال الدليل على الأحكام التي يتداولونها.
إضافة الشيخ عبد الله بن بيه في هذا السياق أنه عمل على ربط الأحكام بأدلتها في الفقه المالكي، على نحو يستحضر الواقع في تحديد معالم هذا الربط.
الإضاءة الأخيرة
رغم إغراء متابعة الحديث في هذه الإضافات التي تشي بنزعة تجديدية لاتخطئها عين ضمن مشروع هذا الشيخ الفقيه، والمفكر، سواء تحدثنا عن المقاصد وإعادة رسم حدود الواقع في فهمها، اوفي حيز الاجتهاد عموما، وفهم الكليات من خلال الزمن الثقافي الحالي؛ أو تعلق الأمر بربط الفقه المالكي بالدليل؛ فإننا نتوقف في كل الأحوال عند الجزم بثلاثة أمور:
الأول: أن الشيخ عبد الله بن بيه أعاد فتح نافذة مكينة للاجتهاد في الفقه الإسلامي عموما، دون أن يعلن عن ذلك، أو يثير ضجيجا إشهاريا حول مشروعه، فقد تميز جهده بطرح البدائل قبل مقارعة المسلمات السائدة حول "حتمية إقفال الاجتهاد" .
الثاني: أن مشروع تجديد الاجتهاد لديه مشروع متكامل الأبعاد و يملك وجاهة معرفية واضحة المعالم، ويتسلح بتبصر، ليس من السهل تجاوزه في اي مستوى من مستويات: الريادة، والرؤية، والمنهج.
الثالث: أن توسيع دائرة الفقه الإسلامي، وإعادة تكييفه مع واقع المسلمين من جهة والواقع الحضاري العالمي من جهة أخرى هو أهم تطويق فكري لنمطية المغالاة في فهم أداء الإسلام ضمن الحضارات الكونية، سليا و إيجابا.
وفي رأيي الشخصي أن هذا المسار الاجتهادي سيكرس في النهاية حقيقة أساسية في الإسلام، وهي ان الرسالة المحمدية رسالة خاتمة، وهذا الختام يرفده أن معجزتها في الكلمة، وتجدد فهمها عبر الزمن مع تجدد واتساع المعارف الفكرية والعلمية، وتجدد فهم الواقع، وإلا سينفصل النص عن الواقع وحقل المعرفة المهيمن ويفقد الاتصال بالواقع على نحو متسارع.
وبالتالي ستؤول بنا الأمور في مآلاتها الكبري إلى أن الاجتهاد أساس راسخ من تجليات خاتمية الرسالة، ومن ثم علينا أن نعيد فهم الإعجاز القرآني باعتباره إعجازا متجدددا، وليس إعجازا لقريش وحدهم ولا للعرب فقط، في زمن محدد؛ إنما هو إعجاز لكل البشر، في كل زمان، مر الليالي والأيام.
د. محمد أحظانا