أحمد الأمين السالم (*)
عزيزي المدوِّن من المهم أن تكتب في مذكرات هاتفك أنك لست "رضوان" خازن الجنة، ولا "مالكا" خازن النار! ولست منكرا ولا نكيرا ولا الرقيب العتيد! ولا كاتب الحالة المدنية للآخرة!
لم يكلفك الله بكتابة أسماء أهل النار ولا أهل الجنة، ولم يضع الله في يديك مفاتيح خزائن رحمته ..
لست وكيلا لله؛ ولا متحدثا باسمه، حاشاه!
يا عزيزي هنالك يوم يقدر بخمسين ألف سنة سيحاسِب فيه الله ستيفن هوكينغ وكل من استنشق الأكسجين على هذه الأرض المستديرة،
وأظن أن تدوينتك لن تعرض يومئذٍ كوثيقة تحدد مصيرهم!
لذلك استرحْ واشرب كأسا من الشاي وراسل المستورة.. ودع للملائكة عملهم!
* منذ انتقال الفيزيائي الابريطاني إلى ربه أرعف المدونون أقلامَهم فيه يوزعون عليه بطاقات العبور :
- بعضهم يرقص جذلا ويطير في عالم الأفراح لأنه ذهب إلى "جهنم وبئس المصير" والحمد لله رب العالمين!..
وكأن استيفن قتل أمه أو أباه أو عمه أو أخاه أو أهلك الحرث والنسل أو كان يحتل مكانه في الجنة!
هل علّمنا الدينُ الرقص على آهات الإنسان والفرح بخلوده في الجحيم؟!
حين حضر النبي صلى الله عليه وسلم يهوديا يحتضر! هل ذهب يبشر الصحابة أن كافرا فاجرا سيذهب إلى جهنم وبئس المصير .. أم فرح لأن الله أنقذ به نفسا من النار!
وحين مرت به جنازة يهودي قام لها وبكى وهو يقول : أليست نفسا!
اقرؤوا السيرة يا أصحاب "الولاء والبراء"!
- و في الجانب الآخر من الصورة انبرى مدونون يذرفون الدموع ويلطمون الخدود ويشقون الجيوب ويرددون "ياااا خراابي"..
محاولين وزن عمله الصالح والطالح وخدمتِه للبشرية وإنكارِه للخالق وكأنهم سيصوتون على منعه من النار!
وهم يتناسوْن أن الجنة والنار لا تُدخلان باستفتاء شعبي ولا بحكم الأغلبية بل هناك رب يحكم لا معقب لحكمه!
تجاوز الجميع حقيقة واحدة هي أن ستيفن هوكينغ مات، أي أن عطاءه الكبير الذي ملأ الدنيا وشغل الناس انتهى!
ولو أن الباكين والشامتين ملأوا تدويناتهم بما أبدع الرجل وطور من نظريات فيزيائية لاستفدنا من ذلك أكثر من استفادتنا من تقرير مصيره!
ربما لو نشرتم لنا بعض نظرياته لتمكن طلاب الباكلوريا الذين لا يراجعون سوى الفيسبوك من تحصيل معلومات عن الفيزياء التي لا يعرفون عنها غير ما جاء في مسرحية الزعيم عن الذرة : ( "بتاعتْ رابعه أول" : لما تيجي بتاعه كده، تقوم تيجي بتاعه تانيه جنبها، تقوم تيجي بتاعة جنب البتاعه الأولانية........ فيهْ خبص كده)
حين توفي إسماعيل بن حماد الجوهري أثناء محاولته الطيرانَ -مقلدا الأندلسي عباس بن فرناس- انشغلنا بالبحث عن مصيره هل هو قاتل النفس أم لا، وعليهِ هل هو في الجنة أم لا؟! (إنه بحث عمييييق بااارك الله فينا)
بينما بحث الغرب عن الخلل الذي أدى لسقوطهما ليخرجوا لنا طائرة تنقلنا إلى بيت الله الحرام فندعو عليهم بتدمير سعيهم والخلود في النار!
يا عزيزي حين يخلد أحدهم في النار فهذا لا يعني أن مكانتك في الجنة سترتفع أو ستحظى بزوجاته فيها أو حورِه العين!
-استوقفني أمس مقال كتبه أحدهم عن هوكينغ هاجم فيه الفقهاء والدعاة مؤكدا أنهم سبب الزلازل والبراكين والكوارث الطبيعية وأن نظرتهم "المتحجرة" و"الضيقة" هي التي نفّرت ستيفن من الدين.
يبدو أن الفقهاءَ لابد من مهاجمتهم في كل مناسبة!
ختم الكاتب مقاله بالترحم على روح الفقيد!
بينما ترحمت أنا على روح "الموجب" وإنا لله وإنا إليه راجعون.
دامت بسمتكم.
(*) شاعر موريتاني
وأول رئيس لصالون مامون الشعري