من كتاب فلسفة الفلسفة... العَفو / إبراهيم الأندلسي

جمعة, 07/26/2019 - 22:16

51

فرانكلين بي آدامز
الكاتب الأمريكي
الميلاد: 15 نوفمبر 1881، شيكاغو الولايات المتحدة
الوفاة: 23 مارس 1960، مدينة نيويورك 
 جامعة ميشيغان

من أقواله المشهورة:
" أن تُخطئ فذلك من الطبع الإنساني و لكن أن تغفر فهوَ من الطبع النادر"

الخطأ من طبائع الإنسان فهو لا يَملك الكمال و قد لا يَنشده غالبا لعدم معرفة طريقه ، و أسُسه و معانيه الجليلة و العظيمة.
و الخطأ قد يكون مصدره جهل الأسباب ، و جهل النتائج و التأثيرات المحتملة، فالإدراك و الفهم و التفسير و التقدير  مفاهيم مُعِينة على تحديد الأخطاء و تقويمها قبل و بعد حدوثها، و الخطأ قد يكون ماديا كفعل ملموس ، و قد يكون منطوقا مثل الكلام، أو مكتوبا كالرسائل و الأحكام القضائية و التهديد و الهجاء، و قد يكون مُستقبليا كتلويث المحيط، أو الفساد في الأرض.
لكن الخطأ  ينقسِم من حيث الإرادة إلى نوعين أساسيين:
خطأ مقصود و مُتعمَّد
و خطأ بسبب عدم المعرفة و الإدراك أو سوء التقدير ، و ليس مقصودا في حد ذاته ، بل حدث عَرضا كما تحدث أمُور لا نملك تفسيرها و ليست لنا القدرة على تفاديها أصلا مهما حاولنا ذلك بكل ما أوتينا من قوة و قدرة و عقل و دراسة.

فما هي أنواع الأخطاء ؟
و هل هي متعلقة بالبشر فقط؟
و إن كانت تتجاوز البشر فما نوع ذلك التجاوز و تأثيراته؟
و هل يُمكن تداركها دائما؟
و ما هو خُلُقُ الاعتذار؟
و هل الاعتراف بالأخطاء منقصة؟
أم  أنه يُعدُّ فضيلة نادرة ؟

يُحاول الإنسان بطبيعته سِتر أخطائه و محاولة تبريرها حسب قدراته العقلية و الفكرية، و هناك من يعتبرها خارجة عن إرادته و لا يتحملها حسب فهمه للأمور ، و حركة الزمن ،و ثقافة المجتمع ، و موروثه الديني، و تصوُّرات السلوك ، و درجة الرُّقي ،و لكن هناك دائما قلة قادرة على مواجهة أخطائها و محاولة تدارك ما يمكن تداركه و سدِّ تلك الثغرة قبل اتّساعها، 
فهل يملك أولئك قدرات خارقة تجعلهم يعترفون بأخطائهم بكل بساطة ،و أمام الجميع ،و ببرودة أعصاب نادرة ،و ألفاظٍ هادئة رزينة؟
هذا السؤال الكبير تكون الإجابة عليه بمعرفة إحصائية تحدد عبر حِقبٍ زمنية نوعيةً هذه الفِئة و مستوياتها التعليمية ، و مجتمعاتها و نظامها السياسي، 
فهل درجة الأمن و الراحة تُعين على الاعتراف بالأخطاء؟
أم أنه الضمير الحيُّ؟
أم الوازع الأخلاقي؟
أم الأبعاد الدينية؟
حسب المتواتر من الروايات و الموثق منها في مراحل طويلة، فإن هذه الفئة تضم جميع الأصناف من رعاة و مزارعين و مثقفين و أمِّيين و ساسة و رجال أعمال و حتى بعض الأطفال الصغار ، مما يُبعِد التفسير الثقافي و حصانة المثقفين التي يتم إقحامها دائما في كل مجال، فالأخطاء العظيمة عبر الحقب التاريخية الطويلة  لم يرتكبها الجهالُ و لا البسطاء أبدا، بل كانت من نصيب الصفوة المتمترسِة بالحكم و المعرفة و الثروة و القوة دون غيرها.
الاعتذار خلق جميل و هو من النوع النادر مثل خلق العفو ، و ربما ينبعان من نفس المصدر الرائع و النقيِّ داخل النفس البشرية الكريمة، و قد يكونان من أعظم ما أنتجته طوال سيرورة الزمن الطويلة و تقلبات الأحداث، و الاعتذار قد لا يكون عن أخطائنا بل يُمكن أن يكون للآخر عن أخطائه حتى يَتعلم كيف يمكنه فعل ذلك دون تردد و لا اهتزاز.
فما هي المغفرة ، أو العفو؟
هذه الكلمات الصغيرة من حيث الكتابة تكاد تسُدُّ أفقَ الفضاء الواسع ، و تكاد تُصفِّق لها الأعماق الكونية البعيدة، لعمق تأثيرها و طبيعة فعلها الذي يُشبه السحرَ، فهي وحدها قادرة على نزع فتيل الأزمات الكبيرة، و إصلاح أمراض المجتمعات و الشعوب و الدول، فالعفو أو التجاوز لا يخرج إلا من مصدر يُشبهه من حيث المَعنَى و القيمة و الهدف، و إن كان نادرًا فكذلك كلُّ شيء ثمين في عالم الحياة ، فالمُتاحُ رخيص غالبا لتوفُّره و سهولة امتلاكه، بينما تتقطع الأعناق خلف النادر ، لأنه يهَبُ التَّميُّزَ و التَّفوُّقَ و النجاح.
فما الذي يجعل بعضنا قادرا على أن يغفرِ زلات الآخرين و تجاوزاتهم في حقه ؛ كفرد و كمجتمع؟
في عالم المتتاليات الرياضية ، نَعْلَم بدايةَ المتتالية لكننا لا نملك لها نهاية فهي تصعَدُ بتعاظم كبير ، يظلُّ يتضاعف حتى يجعلنا غير قادرين، لا على توقيفه و لا على إدراكه و لا حتى متابعته و فهمه.

القادرون على العفو بقدرتهم يستطيعون المسحَ على قلوب المُخطئين بأكُفٍّ خفيَّة ، و إعادتهم إلى المجتَمِعِ و إلى الحياة كنوعِ من التأهيل و التَّأطير، و هم بهذا يمنحون غيرهم فرصةً أخرى ، فرصةً للحياة، فرصة للتسامح، فرصة للتعلم، فرصةً للثقة بالمجتمعِ و القِيَّمِ و المبادئ العظيمة، إنهم  بخُلق العفو النادر هذا يَخُطّون حروفا مُضيئة في الصفحة الأولى من صفحات كتاب الخلود ، يَخطونها بأحرف يمكن أن يقرأها الأميِّ و المثقف ببساطة مُتناهية.

 و لكن مجتمعات الحضارة المادية الكبيرة الموجودة اليوم ، لا تُعطي أهميةً كافية لهذا النوع من النوادر كما تُعطي لنوادر لأرقام القياسة في الرياضة و الأفلام و المَداخيل، و حساب المبيعات ، و التسابق المحموم في صناعات التَّسلُّح و برامج الرقابة و التّجسس و اليانصيب.
و السؤال الذي يحِقُّ لنا- كبسطاء و مغمورين - طَرْحُه على المجتمع الإنساني باسمه و وَسْمِهِ و صِفته هو:

لماذا لا تُدَرَّسُ  أمثلة العَفو ، التي تَحدُث كلَّ يوم في المناهج التعليمية، أو يكون لها حظٌ في برامج التلفزيون، أو نصيبٌ من كمِّ الأفلام الهائلِ، بدَلَ تَلَقُّفِ أخبار الجرائم بنَهَم شديدِ في أغلب نشرات الأخبار العالمية؟