إولا "كابون"
أسماء الحيوانات وألقابها شأو واسع للموريتانيين قديما، وسأعرض عليكم الليلة أسم وألقاب أحد هذه الحيوانات، مع ملاحظة أن أسماءها كلها أسماء بشرية غالبا.. وقد بدأت الذاكرة تنساها بشكل متسارع.. ولا بأس بعد ذلك من عرض حكايات عن علية الحيوانات المتوحشة:
- من أكثر الحيوانات ألقابا عند الموريتانيين الضبع الذي أطلق عليه بعض الأدباء والعلماء الدب وهي تسمية غير صحيحة. وللأسف عندما فصح فريق من الياحثين سنة 1995م حكايات كابون، ضمن موسوعة الحكايات والأساطير، وكنت من بينهم فاتنا أن التسمية غير دقيقة وهو ما يجب أن يراجع في الطبعات اللاحقة من موسوعة الحكايات والأساطير والأمثال الموريتانية تلافيا لهذا الخطأ الشائع، ولم يقع نفس الخطأ في حكايات النهر المفصحة من اللغات الوطنية ضمن الموسوعة؛ بل سمي بالضبع.
اسم الضبع عندنا عبد الرحمن وله أكثر من لقب، وكل منها لصفة فيه، فهو "كابون" لأنه يسحوذ على ما ليس له غبنا لغيره فهو (غابون بصغة فاعول). ومنه (اتكوبين- المغابنة).
وقيل إن عواءه بكاء على دواب الناس وهي ليست له. قال الأديب الحساني:
ابكيت أعل طب المغواس
البكي الي ماه من دون
والبكي أعل حيوان الناس
ذاك إيواسيه ألا كابون.
ومنه قول محمد ولد أحمد يوره:
..فقلت تسعا كما قد قال كابون وسنحكي حكاية المثل في النهاية.
ومن ذكره في الأدب الحساني:
،،عاكب ذاك انواسيلك زاد
الل ياب عنو كابون.
ويلقب بشرتات لأنه يرتشف أمعاء الدابة وهي لاتزال تركض لحدة أسنانه أو لأنه يتخلص مما في معدته إذا فزع، وفي ذلك أقوال.. ومن الحكايات في ذلك أن معزاة وجدت أسدا ميتا فسلخت جلده وشدته عليها وذهبت تبحث عن كابون لتفزعه ووجدته نائما بعد أن شبع فلما أيقظته فزع فزعا شديدا وانطلق يركض وهي تطارده وتضحك، لكنها مرت تحت شجرة فانكشف عنها جلد الأسد فعرف عبد الرحمن الحقيقة واقترب من المعزاة المسنة غاضبا وهو يقول:
- هذه أنت؟!
فقالت له:
ياعبد الرحمن، لاتغضب فأنا كنت أمازحك.
فرد عليها: أهيه حقا كنت تمازحينني؟ وأمسك بأذنها وصار يقودها عل أثرزمطاردتهما وكلما مر على بعض مخلفاته قال لها:
- أنظري جيدا هنا؛ أهذه آثار من يلعب؟ هل كنت أنا ألعب هنا مثلا.. أنظري ياعجوز السوء. هنا وهناك وفي ذلك الأخدود وعلى أغصان تلك الشجرة وجذع تلك. هل هذه آثار اللعب؟ أرزأتني في كل هذا الطعام الذي لم أنله إلا بشق الأنفس. سترين قريبا.
من ألقاب الضبع اجويلخ من ظلعه.
وفي ذلك حكاية:
يقال إن الضبعة (الجيأل) بالفصحى تطلب ربها دائما إذا حبلت أن يرزقها أبناء سليمي القوائم الأربع فيولد لها أبناء سليمون فتحمد الله، لكن عندما يبلغون يرفع كل واحد منهم إحدى رجليه الأماميتينن ويصبح أعرج فتبكي لذلك بكاء شديدا يسمعه الجميع
ومن ألقاب الضبع "كرفاف". ولعل اللقب جاء من سرعة الابتلاع وصوت ازدراده العالي..
ولسعة خيال الموريتاني يقدر أحد الأدباء ويدعى أحمدو حامد أن الضبغ عندما يقترب من الحي ليلا يسأل: "هذي الحية منهي"؟ قيجيبه الكلب:
"خلط الناس". فإذا طارده الكلب واقترب منه أمسك الضبع بعنقه فيقول له الكلب: أخل سبيلي حتى أبسط علي ثيابي.
وكل صفات الضبع تدور في التراث الموريتاني حول عدم الرزانة والتعجل، والجبن، والنهم، وانعدام المروءة، والبعد عن الحكمة، واعتماد الأحكام المسبقة، والسذاجة واستخدام القياس الفاسد.. مع الطرافة في كل ذلك...
من حكايات كابون مع الأسد أنه وجد يوما أسدا نائما فقارن ساعده بساعده فإذا هو أغلظ ساعدا من الأسد فقل في تفسه: كيف أخاف منه وأنا أغلظ منه ساعدا؟ فأيقظه وعرض عليه عرضا استغربه الأسد وهو أن يضرب كل واحد منهما بقبضة يده عنق صاحبه عشر مرات متتالية، باذلا أقصى جهده. فإذا انتهى بدأ الآخر. ولأن عبد الرحمن اعتقد أنه سيقتل الأسد في الضربة الخامسة أو السادسة على الأقل، فقد طلب من اباه لكبير أن يسمح بأن يكون هو الأول فوافق. وبدأ يعد ضرباته: واحدة.. اثنتان. وكلما ضرب ضربة حدق في ملامح الأسد هل أثرت فيه الضربة؟ فإذا به لم يطرأ عليه أي شيء سوى التماسك و أن عينيه تزدادان اصفرارا وضراوة ويقف شعر لبدته أكثر كشوك هائل بعد كل ضربة. فيبلع ريقه ويتجلد ويتجاوز جهده في الضربات التالية، فلما أنهى العشر كاملة باتفاق الطرفين في العد ولم تغن شبئا سلم أمره لله وانحنى لاباه لكبير فضربه الضربة الأولى فتطايرت نجوم الزوال من عينه وغاب عن الوعي لحظة، فلما أفاق صاح في الأسد:
"تسع؛ والعاشرة خليها لي.".
تحياتي لكم. وإلى سمر آخر.