نيلسون مانديلا:
سياسي مناهض لنظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا وثوري شغل منصب رئيس جنوب أفريقيا 1994-1999. وكان أول رئيس أسود لجنوب إفريقيا، انتخب في أول انتخابات متعددة وممثلة لكل الأعراق ، الوفاة: 5 ديسمبر 2013
من أقواله المشهورة:
"إذا كانت دوُّلٌ مثل الولايات المتحدة الأمريكية و ابريطانيا لديها انتخابات فإنها لا تسأل عن مراقبين من إفريقيا أو من آسيا ،و لكن عندما يكون لدينا انتخابات، فهم يريدون إرسال مراقبين"
ارتبَطَ اسم الزعيم الراحل نيلسون مانديلا بالكثير من الأحداث المؤلمة، و لكنها بقدر حجم الألم صقلت مواهبَهُ و قدَّمتهُ للعالم كسياسي بارز و مُفكِّر عظيم، و رمز إنسانيٍّ في زمن العولمة و انتصار المادة و القوة على قبسات الخير ، التي كادت أن تختفي من عالَمنا الغريب و العجيب.
و يَتمتَّعُ الزعيم نيلسون ما نديلا بصفات أهَّلته للوصول للعالمية، منها:
١- قدرته على تجاوز الماضي القريب و جزءٍ من الحاضر الذي عايش مرارته كفرد و كمجتمع، و رأى أبشع صُوَّر انتقاصِ الإنسان و انتزاع روحه من بين جَنبيه و هو يمشي على أقدامه، ذلك فصل الميز العنصري المَقيتِ و الكَريهِ البَغيض.
٢- قدرته على الجلوس و النقاش حتى مع جلاديه و سجانيه و ظالميه ، و القبول بتقاسم الوطن معهم رغم الجروحِ الناطقة و الأعضاء المبتورة و القلوب المكلومة، و دموع الأرامل و اليتامى و مَشاهد الجوع و الفقر و المرض و الجهل المُتوالد.
٣- قدرته المعرفية التي مكنته من درجة عالية من الخِطابة جعلته بطريقة مقبولة يُسجل التاريخَ في مقولات أدبية خالدة، حتى تظَلَّ كالأسواط المرفوعة فوق ظُهور الجلادين ، و كذلك تكون أمام أعينهم كتاريخ لا يبعث الفخر في النفوس، بل يتوارى أصحابه عن أنظار مِنصات الفكر و السياسة ، و الحضور العالمي المُميَّز.
٤- قدرته على قيادة دولة مدنية لا تسعى إلى حضيض الانتقام و البحث في دفاتر قماماتِ الماضي و أدرانه و أمراضه، لأن ذلك يُعيد إلى الجروحِ السابقة نوعا من الحياة السالبة، و هي حياة لا تنتهي إلا بالفناء المطلق و جلب مزيدٍ من الضحايا و التعقيدات.
تحمِل مقولة نيلسون مانديلا مفهومين ، نحن الأفارقة أو العالم الثالث أو طابور المستضعفين، و المفهوم الثاني الآخر بأسمائه الكثيرة و منها: المستعمر و المُتغلِّب و المتحكِّم و الوَصيِّ و السيِّد المتفوِّق و غيرها من الأسماء التي تؤدي نفس الدور و تخدُم نفسَ الهدف.
فهل ترك الآخر دوَّلنا حرة؟
أم أنه يملك حقَّ رقابتها تحت يافطة الرعاية و العلاقات الماضية؟
أم هو سيفُ القوة ما زال حاضرا؟
أم أن الآخر تركَ السلطة بيد ولاتِه؟
و هل نثق نحن بأنفسنا ؟
و هل نثق بمؤسساتنا حقا؟
و هل سِرُّ قوة الرجل الأبيض حقيقي
و ليس من خرافات الضعف ؟
بذر كثير من الغزاة عبر العصور أفكار النقص و الضعف و التخلف في نفوس الشعوب المستضعَفة حتى اعتقدت أن الغازي يملك أمورا غيبية تمنَحُه التَّفوق، و أن هزيمته من المستحيلات .
لكن ألسنا نحن الضعفاء من رسَّخَ مساطِر الغِشِّ و الرشوة؟
و هل كنا يوما كتلةً واحدة تعمل لنفس الهدف؟
أليست عندنا أمراض قبلية و طائفية لم يجْلُبها المُستعمر معه، بل سبقته بقرون و قرون؟
ألم تُخلِّف الحروبُ البيْنِيَّةُ و النزاعات ملايينَ الضحايا ؟
فلماذا نعلِّق على الآخر كلَّ أنواعِ الفشل و التخلف التي تَعصِف بِنَا؟
الآخر قطع مراحلَ كبيرة في نظام الدولة المدنية، و رسَّخ بقاء أنظمته بمجموعة من المؤسسات المستقلة فيما بينها، حتى لا تَجتَمِع في يدٍ واحدة توجِّهها في مسارٍ خاطئ، و بذلك أصبح يحتاجنا فقط كمصادر أولية للمعادن و عمالة رخيصة و ساذجة، و حقول تجارب مُستباحة، و أسواقٍ مفتوحة مُنخفضة التكلفة، تقبل الصناعة قليلة الجودة.
فما المانع من مساعدته لنا في رقابة انتخاباتنا إن كان يريد ذلك حقا؟
فنحن رغم ضعف التجربة و الأدوات و الخبرة نلاحظُ نواقصها و اختلالاتها،
فكيف بأصحاب التجارب الطويلة و الحقيقية الرائعة؟
كيف يريد مانديلا النديةَ في جانب المراقبين الذي لا نملك نسخة جميلة في أيِّ بلد من بلداننا تمنحُنا حقَّ تَعميمها على العالم الحديث المُتطور؟
لعلَّ جانب العِزَّةِ و النِّضال في تاريخ الزعيم الراحل نيلسون مانديلا هو الذي دفعه إلى استغراب طلب الآخر بعث مراقبين إلى حدائقه الخَلفية أو محمياته و مستعمراته السابقة،
و هل ستتحقَّقُ النِّدِّيةُ إذا بعثنا مراقبين أفارقة إلى بلدان العالم و الديمقراطيات الحديثة؟
فد يقول إنه ردُّ اعتبار أو جانب معنوي ضروري كمفهوم السيادة و الكرامة و شحنات هائلة من الشعارات ذات البُعد الشَّعبوي ، و هي في حقيقتها مُخدِّرات و مُسكِّنات تستنفِد الوقتَ و الجُهدَ و الطاقات.
إن معرفتنا الذاتية الفاحصة لمكان وجودنا على قائمة دول العالم هي نقطة انطلاقنا الأولى إلى تأسيس بناء قوِيِّ يستطيع الصمود أمام الزوابِع و الزلازل و الأزمات.
و إن الوقت الضَّائغ في تدوين الماضي و تدريسه و تفصيل تأثيراته و مُعاندة الآخر و مجادلته هو وقتٌ مطلوب لدفع عجلة الدولة و ترميم ضعفِها و سدِّ ثغراتها المفتوحة.
و إن إرسال مَن يستلهمُ ما وصل إليه الآخر في وقته الحالي لنتمكن من حَرق المراحل ، و سُرعةَ التَّدارك أهمُّ بآلاف المرات من إرسال مراقبين و مُعلمين مهندسين و خبراء إلى الدول الكبرى لمساعدتها الحقيقية أو الشّكليَّة التي تُشبه الطِّلاءَ و التَّلميع.